تتعامل كل القوى السياسية الكبيرة، بما فيها خصوصاً «التيار الوطني الحر»، مع قانون الانتخاب الجديد على أنه يشبه «بحيرة البجع». فالأمير سيغفريد الذي هنا هو الوزير جبران باسيل، نكث في قصة «بحيرة البجع» بوعده لحبيبته الملكة الجميلة وفي الوقت نفسه لم ينل حبيبته البديلة، فغرق في حزن وغضب أدّيا به الى غرقه وحبيبته الملكة معاً، بعدما نزع في لحظة يأس تاجَها عن رأسها، رغم علمه المسبَق بأنّ نزعه سيتسبّب بموتها
 

تطبيقاتُ أحداث «بحيرة البجع» على قصة «التيار الوطني الحر» مع قانون الانتخاب الجديد، تتمّ استعادتُها حالياً للإشارة الى أنّ باسيل يعيش في هذه المرحلة يأسَ «الأمير سيغفريد» أو حزنه وإحباطه الذي نزع تاج حبيبته الملكة عن رأسها، ففوّت كل الفرص على نفسه.

ولكن ما الذي يُحزن باسيل؟ وما قصة التاج الذي نزعه عن رأس الملكة التي أحبّته وقدّمته له؟ وأيضاً مَن هي هذه الملكة؟ واستدراكاً مَن هي حبيبته البديلة التي أغوته ولم ينلها وتسبّب رهانه عليها بخسارة التاج أيضاً؟.

يتمّ استخدام رموز قصة «بحيرة البجع» للدلالة على خلفيّة سبب الأزمة التي يمرّ بها باسيل في هذه اللحظة السياسية، كونه بحسب مصادر عونية، يخضع لنوع من المساءلة داخل «التيار البرتقالي» حول جدوى مناوراته طوال فترة مفاوضاته لإنتاج قانون انتخاب جديد، وبالتحديد ما إذا كانت هذه المناورات أثمرت طحيناً أم خسارةً وتفويتَ فرص ذهبية كانت مُتاحة؟.

وتخلص عمليةُ التدقيق هذه الى اعتبار أنّ باسيل أو «الأمير سيغفريد» في «بحيرة بجع قانون الانتخاب»، فوّت فرصةً ذهبية كانت سانحة، وذلك حينما عرض عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، (والأخير هنا يحاكي دور أميرة البجع الجميلة)، أن يستبدل حبيبته البديلة وهي قانون الانتخاب التأهيلي بتعويض ذهبي يقدّمه له ولمجمل تياره البرتقالي، ومفاده أن يختار باسيل الشكل الذي يريده للدوائر وفق قانون انتخابي على اساس النسبية الكاملة.

وزاد عليه بري استعداده ضمن العرض نفسه، لإجراء تعديلٍ دستوري يضيف عبارة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين الى الدستور، الى جانب تعهّده أيضاً بتفعيل مسار إنشاء مجلس للشيوخ على أساس القيد الطائفي.

لقد أعطى بري لباسيل ثلاثة مكاسب في سلّة واحدة: تعديل دستوري لمصلحة إدراج عبارة «المناصفة» في التمثيل داخل مجلس النواب، والمباشرة بإنشاء مجلس للشيوخ على اساس طائفي، وموافقته على قانون انتخابي نسبي يحدّد باسيل دوائرَه ويضمن تمثيل 43 مسيحياً بأصوات ناخبين مسيحيين.

لكنّ بري قال لباسيل إنّ هذا العرضَ سارٍ لأيام معدودة ومع انتهائها سيسحبه من التداول. وبدل أن يلتقط «الأمير سيغفريد» الفرصة، ظلّ يحاول الحصول على حبيبته البديلة، أي القانون التأهيلي، وعندما تأكد من أنّ التأهيلي أصبح ميتاً، عاد الى «أميرة البجع» ليحاول الحصول على تاج «عرضها الذهبي» ذي الامتيازات الثلاثة، لكنّ بري كان أعلن نهاية فترة السماح، وقرّر التعامل معه بصفته أضاع فترة إبداء حسن نيّة.

وما حدث حينها، أنّ باسيل دخل في غضب ويأس وفي محاكاة لدور سيغفريد الذي غرق وبرفقته تاج ملكة بحيرة البجع، وذلك بالطريقة نفسها التي ترويها وقائع المشهد المأسوي الأخير من أحداث «بحيرة البجع»..

تجدر الاشارة في هذا السياق الى أنّ الأخذ بتجربة باسيل السياسية لتطبيق محاكاة رموز قصة بحيرة البجع عليها، إنما يعبّر عن انشغال الوسط السياسي المسيحي والمسلم على حدّ سواء في التأمّل بلحظته السياسية المكثّفة.

وفي نظر سياسيين كثيرين، كان يمكن باسيل أن يكون النائب غازي العريضي داخل زعامة النائب وليد جنبلاط أو الوزير علي حسن خليل داخل زعامة الرئيس نبيه بري، بمعنى ناقل رسائل جيد، أو مهندس تطبيقي لسياسات الرئيس ميشال عون.

لكنّ الحق يُقال على لسان خصومه وأصدقائه على حدٍّ سواء، إنّ باسيل نجح في أنه شكّل داخل زعامة عون دوراً استثنائياً، فملأ الدنيا العونية وشغل كل ناس الطبقة السياسية اللبنانية، وجعل نفسه معنى العونية وليس مجرد المترجم الرسمي الحرفي لرئيسها المسيحي القوي.

ويستدرك هذا السياق الهادف الى شرح معنى باسيل المكثّف داخل الحالة العونية ورئيسها المسيحي القوي، للوصول الى نقطة تُظهر أنّ صحّة «التيار الوطني الحر» باتت حتى إشعار آخر من صحّة باسيل، وأنّ توعّك الأخير السياسي يؤشر الى وجود أزمة تواجه هذا التيار.

وحالياً تُعتبر شبهة الأزمة التي يرى التيار البرتقالي أنها أصابته نتيجة ثغرات القانون الانتخابي الجديد، هي انعكاسٌ لأزمة باسيل أو ما يسمّونه «أزمة عدم نجاحه» في التقاط الفرصة السانحة خلال مفاوضاته عليه.

وعليه، تتعاظم حالياً داخل التيار الشكوى بمفعول رجعي، من أنّ التكتيكات والرهانات التي اعتمدها باسيل للتوافق على قانون انتخاب بديل لقانون الستين لم تكن موفّقة، وذلك انطلاقاً من نقاط عدة:

ـ الأولى، أنه كان يمكنه الحصول على عرض بري وعدم تبديد هذه الفرصة الذهبية نتيجة استغراقه في الرهان على أنّ «حزب الله» سيضغط على عين التينة للموافقة على القانون التأهيلي.

ـ الثانية، أخذ مسار التفاوض على قانون الانتخاب حتى آخر لحظة في المهلة الدستورية، ما جعل عون أمام خيار التقاط فرصة عدم الانهيار وليس فرصة الحلّ الأنسب للقانون.

ـ الثالثة، إضطرار التيار البرتقالي الى الموافقة على قانون اللحظة الاخيرة على رغم وجود ثغرات من وجهة نظره فيه. والأسوأ في هذا المجال أنّ بمقابل وجود هذه الثغرات فيه، فإنّ القانون تمّ إقراره وسط شروط أطراف داخلية وازنة بأنه غير قابل لتعديل أيّ نقطة فيه، وأنّ الدورة الانتخابية المقبلة ستجرى على أساسه كما هو.

وهذا ما دفع «حزب الله» الى وصف هذا القانون بأنه قانون الاتفاق الرئاسي غير القابل لتعديل أيّ نقطة فيه، ذلك أنّ إقدام باسيل على تعديل أيّ نقطة فيه، سيقابله إقدام أطراف أخرى على المطالبة بتعديلات موازية، وحينها سينشأ مسارٌ سياسي يهدّد بانهيار كل الاتفاق على هذا القانون الذي أبصر النور أصلاً بولادة قيصرية.