يفضل النائب جورج عدوان العمل بعيداً من الأضواء. مقلّ في إطلاق المواقف، ويفضّل القيادة في الكواليس. هذا ما سار عليه خلال خوضه المفاوضات والنقاشات بشأن قانون الانتخاب. عاد عدوان إلى هدوئه وتموضعه بعد إنجازه الانتخابي. لا يحب الكلام بغير لغة الأرقام، وهكذا حاك صيغته الانتخابية، التي ستفجّر مفاجآت على الصعيد اللبناني، كما يقول. وبما أن الموسم الآن موسم سلسلة الرتب والرواتب، تجده غارقاً بين أوراقه وأرقامه، يعمل بصمت لحياكة السلسلة، مؤكداً أنها ستقرّ، وفق الأرقام التي وضعها سابقاً حين أحيلت السلسلة على الهيئة العامة، وما لبثت أن أعيدت. ويجزم بأن وارداتها ستؤمن بشكل لا يضر المواطن، ومن خلال المصارف.
لا شك في أن ذلك، يسبب إزعاجاً لكثير من الأفرقاء، وحتى أقرب المقربين. لكن عدوان يفضل الصمت وعدم التعليق على ذلك، قائلاً: "من الأفضل عدم بذل الجهد والطاقة على مثل تلك الأخبار، الأفضل هو العمل للإنجاز". ويشير إلى أنه من حق كل حزب أن يختار الشعار الذي يريده، والناس في النهاية ستحكم على الأفعال والممارسة وليس على الشعارات.
يروي عدوان تفاصيل مشاورات الأيام الأخيرة لإقرار القانون، ويعتبر أن محفزات أساسية اجتمعت لأجل إقراره، وأجبرت الجميع على إنتاج القانون الجديد. ويقول: "إنطلقت من فكرة أساسية، هي أنه يجب تعزيز مبدأ الاعتماد على النفس كلبنانيين لإنجاز القانون، وبأنه لا يمكننا إنتظار كلمة السرّ من الخارج. لذلك، حاولت النظر إلى المعضلة من الزاوية البعيدة قبل الدخول في التفاصيل". يضيف: "كان لدى العهد هم أساسي هو إنتاج قانون جديد، ولدى الرئيس سعد الحريري هاجس تعزيز الثقة بحكومته واستكمال إنجاز التسوية الرئاسية عبر إقرار قانون جديد وعصري، وبالنسبة إلى الثنائي الشيعي هناك هاجس إنتاج قانون جديد وعدم الذهاب نحو الفراغ. والنائب وليد جنبلاط كان يريد الحفاظ على الاستقرار وهو يرى أن القانون الجديد باب لتعزيز هذا الاستقرار. وعلى هذا الأساس ارتكزت وهجمت".
لا يخفي عدوان وجود صراع شرس بين الرئيس نبيه برّي والعهد. ويعتبر أن بري كان يرى أن قانون الانتخاب هو من ضمن معركته مع رئاسة الجمهورية. في المقابل، كان هناك أفرقاء يسعون إلى التسوية، من بينهم حزب الله، مع انحياز نسبي لجهة بري، في ظل التهديد الذي تعرض له موقع الرئاسة الثانية. ويلفت إلى الضغوط التي فرضت إقرار القانون، وأبرزها الموضوعان الإقتصادي والمالي. فلبنان كان ملزماً بإقرار تشريعات مالية أساسية ضمن فترة معينة، والتمديد لم يكن ممكناً إذا لم يقر القانون الجديد. ويشير عدوان إلى حجم الاتصالات التي يتلقّاها من إقتصاديين ورجال أعمال، يسألونه عن إمكانية تحقيق الإنجاز وإقرار القانون خوفاً على الوضع الإقتصادي.
يشدد عدوان على أن القانون أقر بجهود لبنانية، وبدون أي تدخل خارجي، بخلاف كل المرّات السابقة، قائلاً: "كنت متيقناً أننا قادرون على ذلك في ظل الوضع الإقليمي والدولي. وما أردت تكريسه هو تغيير نمطية لبنانية، بأن لا إستحقاق ينجز بدون تدخل خارجي، فعلينا الخروج من استدعاء حالات الإغتصاب التي يتعرض لها لبنان، والتصدي لكل محاولات التدخل". ويكشف أنه خلال المشاورات تلقى العديد من الاتصالات من سفراء عرب وأجانب لأجل التشاور معه والإطلاع منه على مجريات القانون، إلا أنه رفض ذلك مراراً.
لم تأت النسبية بـ"الباراشوت"، هي موجودة عالمياً وهي الأنسب للمجتمع التعددي. والإنجاز الذي تحقق، وفق عدوان، ليس في التوافق بشأن النسبية فحسب، بل في الجهد الذي بُذل لتفكيك العقد الأساسية، وهي تقسيم الدوائر، الصوت التفضيلي، وكيفية احتساب الأصوات. و"هذا ما نجحت به حين عملت على التقريب بين الجميع نحو المصالح المشتركة".
لا يخفي عدوان تفاؤله بالقانون الجديد، فهو خطوة في مسار جديد، خصوصاً أنه سيؤمن التمثيل لجميع المكونات، ويعتبر أن طمأنة جميع المكونات في هذه المرحلة واجب، لأجل الوصول في ما بعد إلى الإطار الوطني الأوسع، تمهيداً للدولة المدنية. ويعتبر أن القانون سيمثّل ثورة على الطبقة السياسية التقليدية، وسيأتي بوجوه جديدة كثيرة إلى مجلس النواب، يقدرها بنحو عشرين. وسيفتح المجال أمام المجتمع المدني إذا أطر صفوفه لتأمين تمثيله. ويلفت إلى أنه بالمقارنة مع أرقام الانتخابات البلدية، هناك شيء واضح وأكيد هو أن الناس تريد التغيير، رغم وجود فوبيا من الفساد لدى الناس، وأن العقول اللبنانية مبرمجة على أن كل شيء فاسد. ويقول: "في لبنان، هناك صراع بين العصر الحجري، أي التقليد السياسي وآلية تعاطيه مع الأمور، وبين وجهة جديدة تريد التغيير والتطوير. وصحيح أن في لبنان رجال فساد وصيغة صفقات، لكننا نحن نريد الإتيان بعكس ذلك، والعمل بعيداً من هذا المفهوم. وهذا ما يبدأ بقانون الانتخاب وتفاصيله، خصوصاً أنه سيمنع عمليات الرشى عبر تأمين النقليات والمأكولات للمواطنين، إذ يمكنهم الإقتراع في مكان وجودهم. وهذا ما سيؤدي إلى رفع نسبة الإقتراع أيضاً".
يكرر عدوان تفاؤله قائلاً: "القانون هو ثورة على الطبقة السياسية التقليدية، وسيفتح الطريق أمام جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مستقبلاً، عبر توحيد البرامج الوطنية في مختلف المجالات، لأن كل قانون هو نتيجة تفاعل بين التوازنات". وضمن هذه التوازنات يرى عدوان أن الحديث عن التحالفات الانتخابية لايزال مبكراً. صحيح أن كل الاحتمالات مفتوحة، لكن لا شيء محسوماً بعد، مؤكداً أن الأهم هو صحة التمثيل، وأن القوات ستحصل على حقها التمثيلي الطبيعي، وهي كتلة تراوح بين 14 و17 نائباً.
عن العلاقة مع حزب الله، يعتبر عدوان أن "التفاهم الانتخابي أمر، والتفاهم السياسي شأن آخر، ولا نعتقد أننا سنصل إلى توافق انتخابي مع حزب الله، لأن هناك فوارق عديدة في المواضيع السياسية. وهي بحاجة إلى نقاشات وتفاهمات رغم أن هذا القانون، قد يفرض في مكان ما التحالف بين أفرقاء من غير الخط السياسي. وهذا قد تفرضه الحسابات الانتخابية وليس السياسية". لكنه لا يخفي أن تصرف حزب الله خلال فترة نقاش القانون كان مميزاً، صادقاً، منفتحاً وعملياً.
منير الربيع