يُثبت كلّ شخص أهميّة وجوده في المجتمع من خلال حسن التواصل، فعالم اليوم يرتكز على التواصل. مهارات التواصل هي القراءة والكتابة والاستماع والتحدّث، بالإضافة إلى عرض النفس أو الـ Presentation skills. تعرض مدرّبة المهارات البشرية رغدة السعيد في حديث مع «الجمهورية» أصول التواصل الاجتماعي الناجح.يعتمد التواصل الجيد على وسائل عدّة أبرزها:

• الإصغاء

من المهم أن يكون المتواصل مستمعاً جيداً يُنصت لآراء الآخرين ولا يسعى طوال الوقت للتكلم والسيطرة على الحديث. ونحن أحياناً نسمع ولكننا لا ننصت. المشكلة تكمن أساساً في التربية حيث لا نتربّى ونعتاد على أن نسمع ومِن ثم نردّ، بل نرد فوراً. وينمّي الكثيرون في نفوس أبنائهم شخصية دفاعية وغير سوية اعتادت على ردود الأفعال وليس الأفعال وعلى الردّ دائماً، فنجيب قبل أن نستمع ونفكر.

وتشير رغدة السعيد إلى أنّ مهارات الاستماع هي الأصعب، ولكن يمكن تنميتها، ومَن يملك الصبر من بين الأهالي ينمّي هذه المهارات في نفوس أطفاله، علماً أنها موجودة أصلاً لديهم في الفطرة. وفي سبيل الاستماع يجب أن يفصل الشخص مشاعرَه ليصبح وكأنه جماد، حتّى لو لم يكن يحبّ الشخص الذي يتواصل معه، يجب أن يبقى منضبطاً ويستمع له قبل أن يردّ.

• التواصل غير الكلامي

لغة الجسد، والتواصل من خلال العينين، وإشارات اليدين تشكل جزءاً مهماً من الرسالة. وتؤكّد مدرّبة المهارات البشرية أنّ نبرة الصوت تشكل نسبة 38 في المئة من الرسالة، أمّا لغة الجسد فـ 55 في المئة منها، بينما لا يحتل محتوى الكلام سوى 7 في المئة من حيز الرسالة والتواصل.

• الوضوح والدقة

الوضوح والدقة في الكلام من صفات التواصل الناجح وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت. فالتواصل في عالمنا لا يقتصر على اللقاء وجهاً لوجه، بل يتعدّاه إلى رسائل نكتبها بهدف نيل وظيفة أو التواصل مع الأصدقاء أو حتّى التعبير عن الحب. وتختصر السعيد مهارات التواصل عبر الانترنت والكتابة عموماً بثلاثة أحرف هي ABC
accuracy A أو الدقة
brevity B أو الاختصار
clarity C أو الوضوح

إذ يجب أن يكون المتواصل واضحاً وودقيقاً ومختصراً كلامياً وكتابياً.

• الثقة بالنفس

يُعدّ الانطباع الأوّل الذي يكوّنه الآخرون عنا حاسماً، خصوصاً أنّ الآخرين قد يبنون قراراتٍ تغيّر مجرى حياتنا مرتكزين على الانطباع الأول. ويبرز أشخاص على أنهم خجولون بعض الشيء فيسيطر عليهم الحياء في أول لقاءاتهم مع أيّ كان، بينما يظهر آخرون على حقيقتهم إذ يتخطّون حاجز الخوف والخجل بسهولة.

من هنا تؤدّي الثقة بالنفس دوراً حاسماً في عملية التواصل، علماً أنّ الانطباع الأوّل بالنسبة للشكل وملامح الوجه والتصرفات غالباً ما يرسخ في ذهن المتلقي ويكون دائماً.

• اللطف والتعاطف وتفهّم الآخر

تُعتبر الابتسامة مفتاحَ التواصل الجيّد، فلو ابتسمت ستحثّ الآخر على الابتسام أيضاً، وسيشعر الطرفان بمزيد من الراحة. كما أنّ التعاطف مع الآخر جزءٌ أساس من نجاح التواصل. فلو قصد الولد أهله مثلاً ليتكلّم عن مشكلة واجهته في المدرسة، على الأهل فتح باب التواصل معه بدل إقفاله في وجهه.

أي إن باح الولد لأهله بأنه ضرب صديقه في المدرسة، لا يجب أن يبدأ الأهل فوراً بالصراخ إذ سيخاف الابن من التعبير، بل يجب أن يُظهِروا تفهّمَهم، فلا يلومونه أولاً بل يسألونه: ماذا فعل صديقه وماذا فعل هو، وإن كان صديقه قد ضايقه حتّى أقدم على ضربه. وبعدها يلفت الأهل نظر ابنهم إلى أنه كان بإمكانه أن يعالج المسألة بطريقة أخرى... وبذلك سيتقبّل الولد حتماً كلام الأهل.

مثلاً يمكن أن يسأل الأهل ولدهم: «ألا ترى أنّ هناك طرقاً أخرى كان يمكن أن تتعامل من خلالها مع الولد الذي أزعجك وضربته؟»، وهنا يحثّ الأهل الولد على تعداد هذه الطرق ما يصبّ في خانة التواصل الناجح أيضاً.

• ثقافة النقاش بدل الجدال

غالباً ما تتجذّر فينا ثقافةُ الجدال بدل النقاش. فالجدال واحة لرمي الكلام على الآخر، أما النقاش فتلفّه دائرة تأمّلية. وتنصحنا مدرّبة المهارات البشرية بوضع أنفسنا دائماً مكانَ الشخص الذي نكلمه أو حتّى أن نتجرّد من أنفسنا لمشاهدة الموقف من الخارج، ما يُحدِث فرقاً إيجابياً في التواصل. وتشدّد على أنه «إن لم تصلنا رسالة الآخر فلأنّ العيبَ فيه وفينا».

تأثير البيئة المحيطة على التواصل

تؤثر الحالة اليومية للشخص على طريقته في التواصل، فلا يمكن مقارنة شخص يعمل في وسط المدينة ويمرّ بزحمة خانقة يومياً، بآخر يعمل في منطقة هادئة. الأشخاص الذين يعيشون في مناطق هادئة هم ألطف وأفضل على صعيد التواصل لأنهم لا يعانون التوتر اليومي بل ينعمون بالهدوء.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ تعلّمَ طريقة الكلام والسلام والتواصل لها تأثير أكبر بكثير من تأثير البيئة على الشخص الذي يُعتبر خارجياً مكمّلاً. وللتخفيف من حدّة التوتر بسبب الروتين والزحمة في المدن، ما ينعكس سلباً على مهارات التواصل، تنصح رغدة السعيد بتغيير الطريق التي نسلكها يومياً.

فحتى لو اخترنا طريقاً أخرى مزدحمة أيضاً إلّا أننا بذلك سنغيّر المناظر التي تصادفنا يومياً، كما أنّ سماع الموسيقى الهادئة على الطريق يقلّل من تركيزنا على الزحمة والضوضاء فنصبح أقلّ عصبيّة.

وفي عصرٍ تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على العالم، لا بدّ من الإشارة إلى أنها تحدّ من الحياة الاجتماعية والتواصل الشخصي. من هنا إنّ خلقَ توازن بين الانترنت والحياة الاجتماعية أساسٌ لحياة ناجحة.

وخلال التواصل عبر مواقع التواصل يجب الانتباه إلى عدم استعمال الاختصارات في كتابة رسائل العمل والرسائل الرسمية، بينما يمكن استخدامها مع الأصدقاء. كما لا يجب اعتماد الأحرف الكبيرة Capital letter لأنها تعني أنّ الشخص يصرخ.