ريمون مجاعص يترجح بين الحياة والموت. والسبب رصاصتان طائشتان، احداها من نوعٍ متفجّر، مزّقتا جسده وهو يوثّق لحظاتٍ قيل انها فرحة، لكنها ما لبثت أن تحوّلت مناحة. مصوّر الأعراس المشغوف بمهنته، يرزح في قسم العناية الفائقة في مستشفى بحنّس، لم يستقيظ من غيبوبته حتى الساعة، ونسبة الخطر على حياته تبلغ خمسين في المئة. لا شيء جديداً في تقريرٍ توثيقيٍّ كهذا. المشهدية معتادة في لبنان، لكن الفارق ان الرصاص المستخدم هذه المرّة من نوعٍ متفجّر. عادة، تستقر الرصاصة عشوائياً في جسد ضحية مسكينة نتيجة بربرية مطلق النار وسذاجته وسماجته وغبائه. لكن صاحب الكلاشنيكوف إياه، تحلّى، الى جانب "الصفات" المذكورة، بـ"صفة الركاكة". واذا كان معظم من يتغنون بأن "السلاح زينة الرجال"، فإن رجلنا هذه المرّة لم يكن على قدر الحمل، واقتنى "لعبة مش لعمرو". فاذا به يهوي أرضاً بعدما خانه ساعده لحظة ضغط على الزناد نتيجة استخدام الرصاص المتفجّر، وفق ما ينقل شهود عيان لـ"النهار". ست طلقاتٍ نارية، كانت لتحدث مجزرة في عرس بتغرين، وتوقع عشرات الضحايا، لولا شاء القدر ان يفتدي ريمون مجاعص كل من تحلقوا حوله. الهلع الذي اصاب أهل العريس خوفاً على صحة مجاعص، دفعهم الى التوجه به سريعا نحو مستشفى بحنّس. وهناك استتبعت مشهدية الافلام البوليسية.
وفق رواية احد المقربين من الجريح (فضّل عدم ذكر اسمه)، ان المواجهات في المستشفى بين الفريق الطبي وأفراد من عائلة العريس سببها "خوفهم من مفارقة ريمون الحياة على باب المستشفى نتيجة الاجراءات التي طلبتها الادارة (منها تقرير أمني للمصاب) قبل ادخاله غرفة العناية الفائقة". وهذا ما دفع أفراد من العائلة الى الغضب لأن الجريح حاله حرجة، وهم يتحملون مسؤولية الحادث، فضلاً عن علاقة الصداقة الشخصية التي تربط الطرفين، "وهو ما دفعهم الى اعلاء الصرخة في وجه القيمين على المستشفى وخرّبوا مقتنياته". وهل كان مطلق النار مخموراً أثناء إطلاقه النار كما لمّحت وسائل الاعلام، يجيب: "بدأ الفنان كارلوس بالغناء، مما دفع بأحد المقرّبين الى اطلاق النار من كلاشنيكوف، سرعان ما انزلقت من يده وأفلتت ست رصاصات في الأجواء، بينها اثنتان استقرتا في جسد ريمون الذي كان متسمراً أمام الطاولة ويقوم بواجبه المهني". لماذا استخدام السلاح في ظلّ كلّ التحذيرات والحملات التي تنادي بالاستعاضة عن هذه التقاليد البالية والتي سبق لها ان أسقطت ضحايا كثيرة؟ يقول: "اننا في ضهور الشوير لا نستخدم الأسلحة في مناسباتنا الاجتماعية، وهو تقليدٌ خارج عن اطار قريتنا، لكنه معتمدٌ في بتغرين، وفي النهاية كل قرية تعمد الى الاحتفال بالأسلوب التي تراه مناسباً، لكننا طبعاً نستنكر اللجوء الى هذه الطقوس المؤذية".
بين الحياة والموت
لا تريد عائلة مجاعص الخوض في خبايا الحادثة. وكلّ ما تتمناه أن يزول الخطر عن رب المنزل المحب لمهنته والذي تجمعه بأهالي بلدة بتغرين صداقة متينة. ويؤكد نجله المخرج الياس مجاعص لـ"النهار" رداً على سؤال انه لن يتقدم بأي شكوى ضدّ مطلق النار. لكنك في هذه الحالة تشجع حاملي السلاح العشوائي على اطلاق العنان لطقوسهم الخطرة باعتبار ان "الافلات من العقاب محتّم"؟ يجيب: "الدولة هي من تحاسب ولست انا، والمهم ان تتحسن صحة والدي ولا نريد شيئاً من أحد. لكني اشدد على ضرورة عدم استخدام السلاح العشوائي في المناسبات. وأشدد على الصداقة التي تجمع والدي بأصحاب الفرح في بتغرين". وماذا عن لجوئهم الى تخريب مقتنيات مستشفى بحنّس الذي لا يزال والدك طريح فراشه؟ يقول: "موقفي حيادي. المستشفى اراد إتمام الاجراءات القانونية قبل ادخاله، والاهالي قلقوا على صحته، وما يهمني أنا هو سلامة أبي". وعن تطور حاله الصحية مذ دخوله المستشفى، يقول: "أصيب بطلقين من طريق الخطأ خلال عملية اطلاق النار ابتهاجاً في زفافٍ، على يد أصدقاء وأصحاب مقرّبين لنا (يشدد على ذكر هذه المصطلحات في التقرير الصحافي ويحرص على ان يكون ايجابي اللهجة). اخترقت رصاصة متفجّرة جسده محدثةً ثقباً بلغ جحمه 5 سنتيمترات، وانفجرت في الطحال، مما ادى الى استئصاله واتلاف جزء من الرئة، وأحدثت الرصاصة نفسها ثقباً في ظهره بلغ حجمه 10 سنتيمترات. أما الرصاصة الثانية، فانتشرت كالشظايا في أنحاء جسمه. ولا يزال طريح الفراش حتى الساعة في مستشفى بحنّس، بعدما احتاج الى أكثر من 18وحدة دم، مع التخوف من مضاعفات في حال استيقاظه، من بينها امكان تجدد نزف داخلي. فيما الخطوط الايجابية لاستقرار حالته الصحية تتمثل بتحسّن في ضغط الدم وزيادة معدل الاوكسيجين في الجسم". وختاماً، يشكر مجاعص وزير الصحة غسان حاصباني والوزير السابق الياس بو صعب والدكتور جابر صوايا وكامل الفريق الطبي على جهودهم المشهودة.