رفضت الأمم المتحدة منح المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري الإذن باستجواب المبعوث الأممي السابق وناظر القرار 1559، تيري رود لارسن. فقضاة المحكمة يريدون الاستماع إلى إفادة رود لارسن الذي كان أحد صنّاع القرار الأممي المذكور، وسبق أن حذّر الحريري من إمكان اغتياله

 
 

يوم أنشئت المحكمة الخاصة بلبنان عام 2007 خلافاً للدستور اللبناني، برزت العديد من التبريرات لقيامها، وكان أبرزها الادعاء أن هذه المحكمة لديها السلطة لإخضاع أيٍّ كان للاستجواب أو التحقيق أو الملاحقة، وأنه لا يحق لأحد رفض التعاون والاستجابة لطلبات القضاة فيها. وقيل إن الهدف هو تحديد الأشخاص الذين قتلوا الرئيس رفيق الحريري وآخرين والقبض عليهم ومعاقبتهم وملاحقة كل من شارك أو دعم أو علم بالهجوم الإرهابي قبل وقوعه يوم 14 شباط 2005.

وبعد انطلاق عمل المحكمة عام 2009 وصدور القرارات الاتهامية عامي 2011 و2013، اتهم حزب الله بعدم التعاون بسبب عدم تسليمه المتهمين الخمسة، ومن بينهم القائد الشهيد مصطفى بدر الدين.
لم يدّع حزب الله يوماً أن أيّاً من قادته وعناصره يتمتعون بالحصانة من أي ملاحقة قضائية، بل كانت الحجة الأساسية لعدم تسليم المتهمين الخمسة للمحكمة الدولية هي عدم استقلاليتها وارتباط بعض القضاة والعاملين فيها بأجندات سياسية وبجهات معادية للبنان وللمقاومة.

 


أما الأمانة العامة للأمم المتحدة والدائرة القانونية التابعة لها، اللتان لا تنفكان عن دعوة جميع اللبنانيين إلى التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان، فقد عبّرا يوم 28 حزيران الفائت، خطياً، عن عدم تعاونهما مع المحكمة الدولية لجهة رفع الحصانة عن المبعوث السابق وعراب القرار 1559 السفير تيري رود لارسن.
وكان قضاة غرفة البداية في المحكمة قد طلبوا يوم 9 آذار الفائت الاستماع إلى لارسن بشأن مضمون اجتماعاته بالرئيس السوري بشار الأسد، وبالرئيس رفيق الحريري، لدى تناولهم موضوع قرار مجلس الأمن 1559. وجاء طلب القضاة بعد أن زعم المدعي العام أن أحد دوافع اغتيال الحريري هو موقفه من ذلك القرار الذي يدعو إلى نزع سلاح المقاومة. لكن يبدو أن في جعبة تيري رود لارسن معلومات لا تريد الأمم المتحدة عرضها على المحكمة الدولية لأنها قد تثبت عدم صحة الادعاء أن الرئيس الحريري كان مؤيداً للقرار 1559. وقد يؤدي ذلك إلى نسف النظرية التي بُني عليها الاتهام. فالمتهمون الأربعة هم، بحسب القرار الاتهامي، من عناصر الحزب و«لا دوافع شخصية لديهم لاغتيال الحريري». وبالتالي يزعم فريق الادعاء أن الدوافع تتعلق بقرار حزبي باغتيال من زُعم أنه يسعى إلى نزع سلاحه.
وقد تكون هناك أسباب أخرى، أكثر خطورة، تستدعي عدم رفع الحصانة عن لارسن، أهمها تنبيهه الرئيس رفيق الحريري بخطر اغتياله قبل وقوع الهجوم الإرهابي بمدة قصيرة. ولا بد أن يطرح القضاة على لارسن سؤالاً عن مصادر معلوماته، وقد يتوسعون في البحث، ما قد يعرضه للملاحقة القضائية وتحقير المحكمة إذا قرر التهرب من الإجابة أو إذا سعى إلى تضليل القضاة.
إذا كانت الحكومة اللبنانية، التي يرأس مجلس الوزراء فيها نجل المغدور، فعلاً تريد العدالة والاقتصاص من قتلة الرئيس رفيق الحريري، فعليها أن تتحرك وتطالب الأمين العام للأمم المتحدة برفع الحصانة عن تيري رود لارسن ليتمكن قضاة المحكمة من الاستماع إلى إفادته. وإذا رُفض الطلب فقد يكون من المناسب التقدم بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي.
ففي حالة شبيهة، كان الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، وهو زوج الرئيسة بينازير بوتو التي اغتيلَت عام 2007، قد رفض تقرير بعثة تقصي الحقائق الصادر عن الأمم المتحدة بشأن الجريمة، وذلك بسبب عدم استجواب المحققين للرئيس الأفغاني حميد كارزاي ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اللذين كانا قد نبها بوتو إلى خطر اغتيالها.
فهل تتحرك الدولة اللبنانية التي تسدد نصف كلفة تشغيل المحكمة التي تبلغ نحو 60 مليون دولار سنوياً، من أجل تحقيق العدالة في قضية اغتيال الرئيس الحريري، أم أن الأمر لم يعد يهم أحداً؟