الاوضاع الامنية في البلاد لا تدعو الى «الهلع» ولكن لا مجال «للاسترخاء»، «معادلة» دقيقة تفرض على الاجهزة الامنية اللبنانية تحديات من نوع جديد للقيام بالعمل المطلوب وانجازه «جراحيا» لاستئصال «الاورام الخبيثة» دون تعريض «الجسم» اللبناني لاي عوارض جانبية، هذا التوصيف لمصادر امنية معنية بملف ملاحقة المجموعات الارهابية، اكدت «للديار» ان ما يحصل من «فورة» وزيادة في تحركات «الارهابيين» طبيعي في هذه المرحلة الحاسمة في المعركة المفتوحة على هذه التنظيمات في سوريا والعراق. لكن ما تملكه الاجهزة الامنية من معطيات وقدرات بات يتيح لها القدرة على «اجهاض» اي محاولة جدية من هؤلاء لهز الامن والاستقرار اللبناني، لا يوجد امن ممسوك مئة بالمئة، ولا توجد دولة في العالم قادرة على منع هجمات «الذئاب المنفردة»، لكن ما بات موجوداً من «داتا» معلومات ومتابعات امنية تقنية، وبشرية، يسمح بالقول ان «خيوط اللعبة» باتت ممسوكة الى حد كبير...
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى اهمية اجتماع اليرزة الذي شارك فيه قائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، ومدير الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا، ووصفت الاجتماع بالمثمر لجهة رفع مستوى التنسيق وتوحيد الجهود في مجال تفكيك الشبكات والخلايا الارهابية، بعد مرحلة من «الانكماش» ادت الى ثغرات كان لا بد من العمل على تلافيها، ولذلك فان الاستثمار بالامن سيكون عنوان المرحلة المقبلة، بعيدا عن التعقيدات السياسية التي تعيق في الكثير من الاحيان الخطوات العملانية التي تحتاج الى انسيابية وسرعة حركة في ظل سير الجميع في حقل الغام، قد تؤدي اي خطوة خاطئة الى «انفجار» ستصيب شظاياه الجميع دون استثناء.
وبرأي اوساط وزارية، فان رعاية قائد الجيش للاجتماع الامني التنسيقي بالغ الدلالة والاهمية في مرحلة مفصلية يمر بها لبنان والمنطقة في خضم تحولات ميدانية في سوريا والعراق تستدعي اعلى درجات اليقظة في لبنان ودول الجوار السوري من «فرط عقد» التنظيمات الارهابية التي تحولت الى مجموعات «عنقودية» صغيرة و«ذئاب» منفردة، وفي هذا السياق تملك الاجهزة الامنية « التغطية السياسية الكافية للتحرك دون اي عوائق.
الخطوات المرتقبة
وعلمت «الديار» ان العملية الأمنية - العسكرية الاستباقية الناجحة التي نفذها الجيش اللبناني في جرود عرسال قبل أيام ضد المنظمات الإرهابية وتحديدا «داعش» و«جبهة النصرة»، لن تتوقف وستتوسع لتشمل مختلف التجمعات السورية على مساحة الاراضي اللبنانية، ولن تلتفت المؤسسة العسكرية «لاصوات النشاز» التي تحاول حماية الارهابيين الذي اثبتت التحقيقات الدامغة والموثقة، انهم يتخذون من مخيمات النزوح ملاذا لتنفيذ عمليات إرهابية كان مخططاً لها أن تستهدف أماكن متفرقة من لبنان من بينها العاصمة.
ووفقا للمعلومات فان نجاح العملية كان بسبب «المعلومة» الامنية التي اثمرت عن ضرب الإرهاب في عقر داره، قبل أن ينفذ مخططه ، فالإرهابيون كانوا في حالة جهوزية بأحزمتهم الناسفة للانتقال إلى أهدافهم وتنفيذ عمليات انتحارية، وتم اعتقال عدد من كبار الإرهابيين المطلوبين من ذوي السوابق الذين كانوا وراء تفجيرات وقعت في بلدات بقاعية وفي بيروت خلال السنوات القليلة الماضية، وسيتم الاعلان عنهم تباعا، وقد علمت «الديار» ان «العقل المدبر» لواحدة من تلك العمليات المفترضة لا يزال طليقا وتتواصل عمليات رصد تحركاته والاماكن المحتملة لتواجده، وهو قيد المتابعة وتوقيفه مسألة وقت لا اكثر ولا اقل.
ووفقا «للمعلومات» فان المرحلة المقبلة ستشهد تعزيزا للجهد الامني من خلال رفع مستوى التنسيق بين الاجهزة الى حدود التكامل لا «الانصهار» لان لكل جهاز هامشاً من الاستقلالية يجب المحافظة عليه، والجميع حريص على ذلك، لكن نموذج التعاون بين جهازي الامن العام واستخبارات الجيش اثبت جدواه خلال الساعات القليلة الماضية في عملية استدراج خالد السيد وتسليمه في مخيم «عين الحلوة»، وهو الامر الذي يجب العمل على الاستثمار عليه وتوسيع قاعدة تبادل المعلومات خصوصا مع فرع المعلومات، اي تعزيز العمل من «فوق» وترك التحرك «من تحت» اي على الارض، مفتوحا لكل جهاز وفق نطاق صلاحياته ومهامه.
والاجراءات الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار منع المنظمات الإرهابية من التسلل مجددا الى مخيمات النزوح، ومنعها من استخدامها نقاط ارتكاز لعملياتها الارهابية، هذه الاجراءات لا تحتاج الى «غطاء «سياسي من احد، والمؤسسة الامنية لا يمكنها ان تنتظر حل الخلافات السياسية الداخلية حيال مسألة معالجة النزوح السوري من عدمه، وكذلك لا تستطيع تجاوز القرار السياسي في مسالة الحسم العسكري في الجرود، لكن يدها مطلقة وغير مقيدة في مطاردة فلول الارهابيين اين ما وجدوا داخل الاراضي اللبنانية.
تقارير استخباراتية
وبحسب اوساط معنية بهذا الملف، فان ما تحقق من خلال نجاح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى في تنفيذ العديد من العمليات الاستباقية ضد المجموعات الإرهابية في أكثر من مكان وضبط العديد من الخلايا، مهم للغاية لكن «الاسترخاء» والاكتفاء بما تحقق من إنجازات سيصيب الامن «بمقتل»، خصوصا ان موسم «الهجرة المعاكسة» للمقاتلين الاجانب والعرب وبينهم سوريون ولبنانيون سيببلغ الذروة خلال الاسابيع القليلة المقبلة لأن مجريات المعارك الميدانية في العراق وسوريا يشير إلى ان تلك التنظيمات ستخسر الجغرافيا قريبا، وهذا يعني انتشاراً «عشوائياً» ومنظماً لهؤلاء، ووفقا لمعلومات استخباراتية غربية فان تسرب عناصر «داعش» في غالبيته محسوب، لان الجهاز الامني للتنظيم وضع قيد التنفيذ «الخطة باء» والتي تقضي بانتشار منظم للعناصر كل في «بيئته الحاضنة» بعد فقدان «الدولة» التي يخطط لها ان تتمدد افتراضيا ودون مساحة جغرافية، وقد ورد في عدد من وثائق التنظيم الساحة اللبنانية كواحدة من تلك الملاذات التي يفترض الاستثمار فيها بعد سقوط «الخلافة». وهذا ما يفسر اليقظة والحذر من قبل الاجهزة اللبنانية، خصوصا بعد بدء فرار الكثير من هؤلاء عبر الموانىء البحرية والجوية التركية، وهو ما يسهل عمليا دخولهم بشكل شرعي الى البلاد دون الاضطرار الى التسلل عبر الحدود البرية..
«المخصصات السرية»
طبعا «الكباش» السياسي الداخلي لا يواكب هذه المخاطر، وفي هذا السياق علمت «الديار» ان مسالة وقف وزارة المالية دفع المخصصات المالية «السرية» لمؤسسة قوى الامن الداخلي، وضعت على «نار حامية» لايجاد مخرج لا «يموت» فيه «الديب ولا يفنى الغنم» بين الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وقد طرح اللواء عثمان هذا الامر بصراحة خلال الاجتماع الامني في اليرزة متسائلا عن كيفية مطالبة الاجهزة الامنية بتفعيل عملها فيما يعمل البعض على محاصرتها ماليا..ووفقا لاوساط مطلعة على هذا الملف، فان «وساطة» او تحرك في هذا الصدد يتولاه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، لايجاد «صيغة» مخرج تعيد الامور الى نصابها.
التنسيق الامني مع سوريا
اما التنسيق الامني «غير المباشر» بين بعض الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية ونظيرتها السورية، فهو باق على ما هو عليه من مستوى، التنسيق عبر «الواسطة» على الحدود الشرقية سيبقى على حاله، كما ستبقى القناة الرئيسية المعتمدة «مفتوحة» عبر اللواء ابراهيم الذي نجح في نسج علاقات جدية مع الجانب السوري، وهي علاقة مفيدة للغاية خصوصا في مجال تبادل المعلومات، ولبنان كان سباقا في هذا السياق، فيما دخلت مؤخرا على «الخط» عدة اجهزة استخباراتية غربية وعملت وفق «التجربة» اللبنانية في الفصل بين «العداء» السياسي والتعاون الامني، فيما تتجه اجهزة استخباراتية اخرى لفتح قنوات اتصال مستعينة «بالصديق» اللبناني عله يستطيع «تعبيد الطريق» امام عودتها الى الساحة السورية، ولكن من «البوابة» الشرعية هذه المرة.
«قنبلة» النازحين
توقعت مصادر وزارية «للديار» ان يطرح وزراء حزب الله ملف النازحين السوريين في لبنان على طاولة مجلس الوزراء في الجلسة المقبلة، في ظل قرار «حزبي» تم اتخاذه في هذا السياق، بعد ان تحول هذا الملف الى «قنبلة» قابلة للانفجار في اي لحظة. وقد تم تظهير هذا الموقف بكلام نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قبل ايام. الحزب جاهز للعب دور «الوسيط» ولكن بتكليف رسمي من الحكومة اللبنانية، وليس بقرار من «تحت الطاولة» كما يريد رئيس الحكومة سعد الحريري الراغب في معالجة هذا الملف، ولكن دون دفع اي اكلاف سياسية داخلية او اقليمية. هذا الموقف سيؤكد عليه الحريري في الجلسة اذا ما فتح النقاش حول هذه المسألة، وبحسب اوساط «المستقبل» فان رئيس الحكومة لن يقبل بفتح اي قناة رسمية مع الحكومة السورية، ولن يمنحها اي «شرعية»، وبرأيها ليس هناك حل لازمة النزوح الا عبر وسيلتين، اما عودة طوعية من خلال مبادرة من الحكومة السورية تجاه مواطنيها في لبنان، ولها ان تختار الوسيلة اما بتوجيه دعوة صريحة وعلنية لهم بالعودة، او عبر اجراءات عملانية تقوم بها السفارة السورية في لبنان، اما الوسيلة الثانية فيمكن ان تتم عبر الامم المتحدة المخولة وحدها التفاوض مباشرة حول هذا الملف، دون الحاجة لتفويض من الحكومة اللبنانية..وعلمت «الديار» في هذا السياق ان دمشق لا تزال متمسكة بموقفها الرافض لاي تواصل في هذا الشأن لا يتم عبر القنوات الرسمية، باعتبار ان القنوات الامنية المفتوحة «مواربة» بين البلدين لا تملك تفويضا لمعالجة هذه المشكلة. اما وزراء التيار الوطني الحر فليسوا بعيدين عن موقف حزب الله، ووفقا لمعلومات «الديار» فانهم سيطالبون بفتح قنوات اتصال رسمية مباشرة او غير مباشرة مع دمشق لمعالجة هذه الازمة، لكنهم لن يذهبوا بعيدا في النقاش، وليسوا في وارد التسبب «بازمة» سياسية تؤدي الى افساد «شهر العسل» مع الحريري.