هو كالتنسيق مع الجلاد لإعادة ضحاياه إلى تحت سوطه وسطوته.. لا لبنان في وارد الإقدام على ذلك ولا من مسؤوليته أصلاً إعادة النازحين قسراً إلى أحضان نظام بشار الأسد المسؤول الأول عن نكبتهم والمسبّب الرئيس في نزوحهم وهجرتهم هرباً من نيرانه وبراميله المتفجرة وقنابله الكيماوية. في الأساس لم يسأل هذا النظام رأي لبنان الرسمي أو الشعبي حين قرر أن يفتك بالسوريين ويضعهم بين شرّين لا ثالث لهما إما القتل أو النزوح، ويأتي اليوم من يحاول توريط اللبنانيين وزجهم في موقف يتعارض مع الموقف العربي والدولي العام تحت ستار التنسيق مع النظام السوري في سبيل إعادة النازحين، فيما المتعارف عليه والمسلّم به أنّ عملية إعادة النازحين بما هي من عملية تنسيقية ذات طابع إنساني إنما تقع ضمن مسؤوليات الأمم المتحدة وأولوياتها.. ولا يجوز استخدامها مطيّة سياسية لتعويم الأسد وإغراق لبنان.

وخير مؤشر على صحة الوجهة التي تعتمدها الحكومة اللبنانية إزاء هذا الملف هو ما قالته المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ من أن مسألة عودة النازحين تحظى بالأولوية لدى الأمين العام أنطونيو غوتيريس والموفد الخاص

ستيفان دي مستورا، في سياق يؤكد على كونها مسؤولية وأولوية أممية لا تقع على عاتق بلد كلبنان يجهد بكيانه الرسمي على النأي باللبنانيين عن لهيب النيران السورية ويحرص بكل ما أوتي من حرص وطني وأخلاقي وإنساني على عدم التورّط في أي تنسيق ثنائي مع نظام يعتبره أكثر من نصف شعبه فاقداً للشرعية وللأهلية التفاوضية بعدما استباح دماءهم وأباحها أمام شتى أنواع المرتزقة المذهبية والميليشيوية. 

وإذا كانت عملية التنسيق في سبيل إعادة النازحين قسراً مسؤولية أممية حصراً، فما على الحكومة اللبنانية من مسؤوليات إنما تقتصر، من جهة على التجاوب والتعاون مع الأمم المتحدة في هذا الملف الإنساني البحت بعيداً عن التورط في أي منزلق يقودها نحو التحيّز لأي من أفرقاء الصراع السوري، ومن جهة موازية على حث المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاه المجتمع اللبناني المضيف، وهذه الحكومة بالفعل لم تترك باباً دولياً إلا وطرقته من أجل إعانة لبنان على تحمّل تداعيات هذه الأزمة الإنسانية الكبرى ومتطلباتها وتأثيراتها على بناه التحتية عبر المطالبة بدعم إطلاق ورشة تنموية شاملة تمكّن اللبنانيين من الصمود والانطلاق قدماً بشكل يُساعد الدولة اللبنانية على تمتين أواصر الاستقرار على أراضيها ويتيح للمجتمع اللبناني المضيف تأمين متطلبات الاستضافة الموقتة الكريمة للنازحين والاستمرار في تلبية احتياجاتهم الإنسانية نيابةً عن المجتمع الدولي.

المرعبي

وتعليقاً على ما أثير خلال الأيام الأخيرة من مطالبات بالتنسيق الرسمي اللبناني مع النظام السوري في ملف عودة النازحين، رأى وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أنّ هذه المطالبات كمن «يذهب إلى الحج والناس راجعة»، وقال لـ«المستقبل»: «النظام السوري هو نظام فاقد للشرعية ونحن في لبنان نتعامل فقط مع المجتمع الدولي في ملف عودة النازحين وليس مع هذا النظام الذي كان هو السبب أساساً في تهجير شعبه»، وأردف: «ثم إذا قمنا بالتفاوض مع هذا النظام وأجبرنا النازحين على العودة إلى تحت سلطته نكون بذلك قد خرقنا كل قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الناظمة والحامية الوحيدة لحقوق اللاجئين».

ورداً على سؤال، أجاب المرعبي: «نحن بالطبع مع عودة النازحين السوريين إلى وطنهم إنما تأمين هذه العودة يقع على عاتق الأمم المتحدة دون سواها، وأي كلام مع النظام السوري بهذا الخصوص هو من مسؤولية الأمم المتحدة التي يعود إليها اتخاذ قرار القيام بذلك من عدمه، أما لبنان فليس عليه سوى واجب التعامل مع المجتمع الدولي إزاء مقتضيات هذا الملف»