بينما دعا رئيس البرلمان علي لاريجاني، أمس، الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى «جعل الثورية معياره الأساسي»، قال الأخير إن «معنى الثورية هو العمل على عزلة أميركا»، مشيراً إلى حاجة حكومته إلى سياسة خارجية نشطة لمواجهة سياسات الإدارة الأميركية. وقال رئيس القضاء، صادق لاريجاني إن «على المسؤولين التعرف إلى خط الأعداء»، محذرا من «خطر التغلغل» و«مد يد الصداقة للأميركيين في حين تطالب واشنطن بتغيير النظام»، وفي حين، طالب رئيس البرلمان علي لاريجاني بمواجهة السياسة الأميركية وقانون مجلس الشيوخ الجديد «مواجهة أنشطة إيران المهددة للاستقرار»، حذر من دخول القضاء إلى «النزاعات الداخلية»، معتبرا الاقتصاد القضية الأساسية للبلاد.
وشارك رؤساء السلطات الثلاثة (البرلمان والقضاء والحكومة) في المؤتمر السنوي للجهاز القضائي، في وقت شهدت البلاد تلاسنا بين إدارة روحاني وبين السلطة القضائية.
ودافع روحاني عن سياسات حكومته في إبرام الاتفاق النووي والسياسة الخارجية بشكل عام، وذلك بعدما شهد الشهر الماضي تلاسنا غير مباشر بينه وبين المرشد الإيراني علي خامنئي حول السياسة الخارجية، وقال: إن «الأعداء يحاولون إثارة قصص ومسلسلات جديدة كل يوم لإبعاد الحكومة من حل المشكلات الأساسية وشغلها بالقضايا الهامشية»، موضحا أن المشكلات الحالية في البلاد لا تتعلق بحكومته وإنما مشكلة كل النظام والبلد والشعب.
وفي تلميح إلى قيود تعرقل السياسة الخارجية الإيرانية وتدخل جهات أخرى في السياسة الخارجية، دعا روحاني إلى «تجنب تقديم الحجج للأعداء» في السياسة الخارجية، وقال ردا على انتقادات طالته حول عدم التزامه بمبادئ الثورة: إن «الثورية هي عزل أميركا»، مضيفا أن «الثورية تعني أننا نتكلم مع العالم بطريقة وبأسلوب يفهمنا ويقبل بما نقوله». وتابع: «إذا تمكنا في سياستنا الخارجية القيام بأعمال تؤدي إلى عزلة الأعداء أفضل أم يسبب سلوكنا في وحدة اصطفاف الأعداء؟ أيهما أفضل؟».
في الوقت ذاته، زعم روحاني أن السياسة الخارجية الإيرانية تعمل «على إقامة السلام والاستقرار في المنطقة، وقد الطريق على الأعداء وسلب الحجج منهم».
وانتقد خامنئي الشهر الماضي انتقادات روحاني حول «ثمن التحدي وثمن التعامل مع المجتمع الدولي»، وقال خامنئي إن «التحدي والمساومة لهما ثمن، لكن إذا التحدي كان معقولا، ثمنه أقل من المساومة»، ورد روحاني على ذلك لاحقا بقوله: إن «السلام أصعب من الحرب، وأنه مد يد السلام للأعداء تتطلب شجاعة أكبر».
وتأتي تصريحات روحاني بعد أقل من أسبوعين على موافقة مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة على قانون «مواجهة أنشطة إيران المهددة للاستقرار 2017»، وينتظر القانون موافقة الكونغرس الأميركي قبل توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ويتيح القانون للإدارة الأميركية فرض عقوبات واسعة النطاق على الحرس الثوري الإيراني، وبخاصة برنامجه الصاروخي وذراعه الخارجية «فيلق القدس».
ويوجه منتقدو روحاني اتهامات إلى حكومته بالسعي وراء إبرام اتفاق ثان على غرار الاتفاق النووي و «توجيه رسائل إلى جهات خارجية لممارسة الضغط على الحرس الثوري وتقويض البرنامج الصاروخي»، وهو ما تنفيه الحكومة الإيرانية بشدة.
* تفعيل اتفاقية الجزائر 1975
وفي توضيح تطلعاته في السياسة الخارجية، فتح الرئيس الإيراني ملف حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، وقال: إن «الحرب انتهت، لكن القضايا الحقوقية لم تحل بعد»، مضيفا: إن بلاده «لم تحصل بعد على بعض الحقوق» من العراق. وفي هذا الصدد، شدد روحاني على ضرورة «تفعيل اتفاقية الجزائر في 1975» واستيفاء حقوق إيران في شط العرب.
وأبرمت كل من إيران والعراق اتفاقية الجزائر بوساطة من الرئيس الجزائري هواري بومدين حول تقسيم خط المياه بين البلدين في شط العرب جنوب غربي إيران، ووقع الجانبان الاتفاق في مارس (آذار) 1975 بحضور وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي، ووزير الخارجية الإيراني الأسبق عباس علي خلعتبري، أي قبل أربعة أعوام من ثورة الخميني في 1979. وكان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قد أعلن في سبتمبر (أيلول) 1980 انسحابا أحادي الجانب من اتفاقية الجزائر؛ مما أدى إلى انطلاق حرب بين جانبين دامت ثمانية أعوام.
وطالب المرشد الإيراني علي خامنئي في خطاب الشهر الماضي، المسؤولين بإعادة إنتاج مواد حول أحداث شهدتها إيران في ثمانينات القرن الماضي، بما فيها حرب الخليج الأولى وجاءت توصية خامئني ضمن انتقاداته تصريحات روحاني حول إعدامات نفذها القضاء في الثمانينات.
من جهة ثانية، تطرق روحاني إلى حاجة بلاده إلى جهاز قضائي «مستقبل وحيادي»، وفي إشارة ضمنية إلى اعتقالات عدد من الناشطين الإلكترونيين المقربين من مكتبه في مارس الماضي، قال: «يجب ألا يجري استدعاء أو توقيف أي شخص من دون وجود أدلة لتوجيه التهم».
وتأتي انتقادات روحاني في حين ترفض إيران تقارير الأمم المتحدة حول تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران، بما فيها الاعتقالات العشوائية وانتهاك حقوق الأقليات العرقية والدينية.
وشدد روحاني على ضرورة «حيادية القضاء من دون اعتبارات حزبية أو دينية أو ميول سياسية وحزبية»، وقال: «القضاء يعني ألا يكون لدينا تيار يمين ويسار، كرد، ترك، فرس، بلوش، عرب، وتركمان، ألا يكون لدينا شيعة وسنة ومسيحي ومسلم. هذا هو الدستور. الكل سواسية أمامه».
وجاءت تصريحات روحاني بعدما هاجم القضاء بشدة في الانتخابات الإيرانية، وقال مخاطبا المدعي العام السابق ومنافسه إبراهيم رئيسي: إن «الشعب لا يريد من يجيدون إلا إصدار أحكام الإعدام والسجن على مدى 38 عاما».
وكان المتحدث باسم القضاء الإيراني محسن أجئي، اعتبر انتقادات روحاني للقضاء والحرس الثوري دليلا على «فتنة جديدة» في إيران.
* يحذر القضاء من النزاع الداخلي
من جانب آخر، حذر رئيس البرلمان علي لاريجاني، من استمرار الخلافات الداخلية قائلا: «يجب ألا تتحول الجدالات الحالية إلى القضية الأساسية في البلد»، وقال: إن «الاقتصاد هو القضية الأساسية في البلد». وقال مخاطبا كبار المسؤولين في القضاء «احذروا عدم السقوط في فخ الصراعات الرسمية»، داعيا المسؤولين في السلطات الثلاث إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات لـ«اتخاذ القرار» حول حل الخلافات. كذلك، وجه خطابه إلى المتحدث باسم القضاء الإيراني محسن أجئي، وذلك بعد يومين من انتقادات شديدة اللهجة وجهها أجئي إلى روحاني.
وكان أجئي جدد الإشارة إلى مصير الرئيس المعزول في 1980 أبو الحسن بني صدر، وقال في تلميح إلى روحاني إنه «اغتر بأصوات الإيرانيين في الانتخابات لمهاجمة الحرس الثوري والقضاء والأجهزة الثورية»، وقال أجئي إن «الهجوم على القضاء والحرس الثوري يظهر أن فتنة جديدة في طريقها إلى إيران».
وحث لاريجاني، روحاني أن يجعل «الثورية» معياره الأساسي في تشكيل حكومة «كفاءات».
كما تحدث خلال كلمته أمام مؤتمر القضاء، عن إمكانية تعديل الدستور الإيراني «لكي يتطابق مع الظروف الحالية» وفق ما نقلت عنه وكالة «مهر» الحكومية.
تعليقا على قانون مجلس الشيوخ الجديد «مواجهة أنشطة إيران المهددة للاستقرار»، قال لاريجاني إن «سياسات الإدارة الأميركية باتت أوضح من السابق خلال الأشهر الأخيرة»، وقال: إن واشنطن «تريد تضعيف دور إيران» عبر ممارسة الضغط على مجالات الصواريخ وانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب.
* خطر التغلغل يهدد النظام
من جهته، رد رئيس القضاء صادق لاريجاني على تصريحات روحاني، معلنا رفضه أي شكوك في استقلالية الجهاز القضائي، وفي وقت دعا كبار المسؤولين إلى «الوحدة لتحقيق أهداف الثورة»، قال: «إنه في وقت تريد الإدارة الأميركية تغيير النظام في إيران، يمد البعض يد الصداقة إلى الأميركيين»، محذرا من «خطر التغلغل» الذي يهدد النظام، حسب زعمه.
وفي إشارة إلى انتقادات روحاني للحرس الثوري والقضاء، طالب المسؤولين الإيرانيين بالتعرف إلى ما وصفها بـ«خطط الأعداء»، مضيفا أن «الحرس الثوري والقضاء ولجنة صيانة الدستور يتعرضون للهجوم على ما يبدو؛ فإن فتنة تطبخ».
عادل السالمي