ليس كل نازح إرهابياً، ولا كل سوري متهماً بالإرهاب حتى يثبت العكس!

ولكن العملية النوعية التي نفذها الجيش في مخيمات النزوح في جرود عرسال، وأدت إلى إلقاء القبض على عناصر خلايا داعشية، متسترة بخيم النازحين، تعتبر بمثابة جرس إنذار جدّي لإنهاء حالة الاستهتار والتسيّب التي تتعامل فيها الدولة اللبنانية، مع مشكلة وجود أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري على الأراضى اللبنانية!

أجواء التخبّط والضياع التي أحاطت بعمليات النزوح الكثيف قبل خمس سنوات، ما زالت مستمرة، مع الأسف، مع ما تفرزه من خلافات ومزايدات، بعد إصرار أطراف سياسية معينة، على تحويل أزمة النزوح الى مادة للمتاجرة اليومية في البازارات السياسية!

انهيار دويلة «داعش» الكرتونية، وتزايد احتمالات هروب الكثير من عناصرها الى مخيمات النزوح في لبنان، تفرض على الدولة اللبنانية، نعم على الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها الدستورية والأمنية المعنية، وليس على الحكومة وحدها، التعامل مع مسألة إعادة النازحين السوريين إلى مناطقهم وقراهم، بمنتهى الجدية، ولو اقتضى الأمر إعطاء هذه المسألة ما تستحق من أفضلية على غيرها من الملفات الأخرى.

تسريع عودة النازحين إلى سوريا، يجب أن يكون في صلب العمليات الاستباقية، التي ينفذها الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، من الأمن العام والمعلومات ومخابرات الجيش، لأن تفكيك مخيمات النزوح، يقطع الطريق على العناصر الإرهابية في البحث عن بيئة حاضنة، ويحول في الوقت نفسه، دون تجنيد مجموعات جديدة من الشباب النازحين في التنظيمات الإرهابية، تحت ضغط الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها، وضعفهم أمام الإغراءات المادية.

رب قائل: كيف يمكن تنظيم إجراءات العودة وتنسيقها مع الجانب السوري، في ظل المقاطعة الراهنة بين حكومتي البلدين؟

تفادياً لإحراج الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، والمخاصمة للنظام السوري، وتجنباً لحفلة جديدة من المزايدات والخلافات والسجالات، التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا تساعد في تعزيز الاستقرار في البلد، يمكن تكليف كل من فريق رئيس الجمهورية و«حزب الله»، مهمات التواصل والتنسيق مع الجانب السوري، لتسهيل عودة النازحين إلى أراضيهم، بعدما أصبحت العمليات القتالية محصورة في منطقتي الرقة ودير الزور، وأضحت معظم المناطق السورية الأخرى آمنة إلى حد كبير.

التيار الوطني الحر، حافظ على علاقاته مع دمشق طوال سنوات الحرب السورية، و«حزب الله» يعتبر لاعباً رئيسياً على مسرح الأحداث في سوريا، والعلاقة التحالفية الوثيقة مع النظام السوري، والرئيس بشار الأسد بالذات، لا تحتاج إلى مزيد من الشرح والتحليل.

وبالقدر الذي تُعتبر فيه عودة النازحين مسألة أمنية بالنسبة للبنان، فهي قضية وطنية بالنسبة لسوريا، وقضية إنسانية بالنسبة للمجتمع الدولي والمنظمات الأممية العاملة على تقديم المساعدات للنازحين القابعين في مخيمات لا تتوافر فيها أبسط معايير الحياة البشرية السويّة.

من هنا لا بدّ من القول أن عمليات العودة ليست مسؤولية لبنان وحده، بل هي مسؤولية الأطراف الدولية التي تقدّم الدعم المالي والخدمات الضرورية لمساعدة العائلات السورية النازحة على شظف العيش الذي ابتليت فيه بسبب الحرب المدمرة في سوريا.

ويمكن تحويل المساعدات الدولية التي تقدّم حالياً كبدلات إيجار للسكن، أو مقابل خدمات الطبابة والاستشفاء، فضلاً عن الحصص الغذائية، يمكن تحويلها جميعاً إلى حوافز لتشجيع النازحين على العودة إلى قراهم، مع إمكانية تخصيص بعض المساعدات لأولويات الترميم وإعادة بناء المنازل المهدمة، أو المتضررة جزئياً.

* * *

المطلوب خطة لبنانية وطنية تتضافر فيها كل الجهود، لاستكمال العمليات الاستباقية البطولية التي يقوم بها الجيش والأجهزة الأمنية، عبر تفكيك مخيمات النزوح، وقطع الطريق على العناصر الإرهابية في ايجاد الملاذ الآمن في مخيمات النازحين.

فهل تكون الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية المعنية مباشرة بهذه القضية على مستوى خطورة وتحديات هذه المرحلة الصعبة: أمنياً ومصيرياً؟