يقود البحث داخل مخيم عين حلوة عن قصة خالد السيد الى معرفة تفاصيل عن شخصيته ونشأته، تشكّل بعض مفاتيح فهم ظاهرته داخل بيئة الارهاب التي تستوطن المخيم في هذه الفترة
 

القصة التي يحفظها أهل المخيم عن نشأة خالد، تبدأ من أصل والده اليمني الذي عرفه أهل المخيم لفترة غير قصيرة بوصفه «المشعوذ اليمني» الذي كان يدّعي انه يحاكي الجن، وهي ثقافة دينية موروثة شائعة في اليمن. ثم بقي من سيرته قصة مقتله عام ١٩٨٩خلال اشتباك بين حركة «فتح» الذي انتمى اليها وبين تنظيم إسلامي فلسطيني في جبل الحليب.

تزوجت والدة خالد الفلسطينية، بعد مقتل زوجها، أحد أبناء المخيم الفلسطينيين الذي بات خالد يناديه بـ«العم». وهذا «العم» (زوج أمه) هو عينه الذي استعانت به عصبة الانصار قبل ايام لإقناع خالد بترك مخبئه في حي المنشية (معقل الدواعش) والقدوم الى مكتبها في حي آخر، لتبدأ مسيرة تسليمه الى مديرية الامن العام اللبناني بناء على طلب الاخيرة.

أوّل إشارة عن اتصاله بأجواء ارهابية، حصلت منذ نحو تسع سنوات. حينها أوقفت حركة «فتح» الفتي اليافع خالد السيد لقيامه بتوزيع بيانات داخل المخيم تدعو لمناصرة تنظيم «القاعدة».

يسود انطباع بأنّ أصل خالد اليمني من جهة والده، قادته للتعرّف منذ وقت مبكّر الى «القاعدة» التي تمركزت في اليمن منذ ايام اسامة بن لادن، ومن ثم لاحقاً التعرّف الى «داعش» التي التحق بها يمنيون كثيرون تَرَكُوا، منذ بداية هذا العقد، تنظيم «القاعدة» وأتوا الى سوريا ليقاتلوا فيها الى جانب «داعش».

وخلال الشهر الماضي اعترف الموقوفان الإرهابيان اليمنيان بأنهما كانا يحضّران لتنفيذ ما سمّي بعمليات رمضان الارهابية، وبأنّ السيد وعدهما بتجهيزهما بأحزمة ناسفة، وهذا الأمر يوضح خاصته اليمنية داخل بيئة الارهاب في عين الحلوة.

بحسب المعلومات المُستقاة من المخيم، فإنّ السيد قبض ثمن الأحزمة الناسفة لكنه لم يسلمها، وتكشف ايضاً انّ إحدى الجهات الامنية المكافحة للارهاب كانت قد اتصلت بالسيد خلال الفترة القريبة الماضية، وطلبت منه التعاون معها، وتظاهرَ بالموافقة.

وبدايات الشهر الماضي كان احد رموز داعش «م -ع» ينوي إرسال مجموعات من المخيم الى سوريا، وتم الطلب من السيد ان يبلّغ عنها لحظة تركها عين الحلوة الى سوريا، لكنه بدل فِعل ذلك قام بإبلاغ هذه المجموعات بأخذ الحيطة.

وقبَيل توقيفه بأيام قليلة كانت قد تسرّبت معلومات عن انّ السيد ينوي مغادرة المخيم مع خلية مؤلفة من ٤ اشخاص للقتال مع داعش في سوريا. وبالفعل خرجت هذه المجموعة التي تقاضى كل فرد منها لقاء مهمته في سوريا مبلغ ٢٥٠٠ دولار، لكنّ السيد تخلّف عن الذهاب معها، ولكنه في الوقت عينه عَمد الى إشاعة اخبار عن انه رافقها، في حين انه لجأ للاختباء لدى «داعش» في حي المنشية بحماية توفيق طه، وذلك في محاولة لحمايته من مطالبة الامن العام اللبناني من فصائل المخيم بتسليمه، بعدما توافرت عنه معلومات دامغة بتورطه بأعمال إرهابية.

إستعانت «عصبة الانصار» بـ«عمّ» خالد السيد (زوج أمه) لاستدراجه من مخبئه في حي المنشية الى أحد مكاتبها، لتصطحبه بعد ذلك الى حاجز الحسبة للجيش اللبناني وتسلمّه الى السلطات اللبنانية.

ويشكّل إسهام «العصبة» في عملية تسليمه، علامة تحوّل مهمة لمصلحة مكافحة الارهاب في عين الحلوة، حيث يقول متابعون انّ «عصبة الانصار» أجرت أخيراً مراجعة سياسية وعقائدية لمواقفها، خَلصت الى ضرورة انخراطها بشكل فعلي في التعاون مع الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية الاخرى في ضبط أمن المخيم والمساعدة في محاصرة ظاهرة انتشار الإرهابيين بداخله.

ومعلوم انه حتى وقت قصير كانت «العصبة» تتهم بأنها تُمارس ازدواجية تجاه هذا الملف؛ ففي حين أنها قدّمت نفسها نظرياً على أنها مستعدة للتعاون في مكافحة الارهابيين فيه، فإنها عملياً كانت تقدّم الحماية غير المرئية لهم. وعليه، فإنّ إسهامها في تسليم السيد يعتبر أوّل إشارة عملية عن بدء «العصبة» بتطبيق موجبات المراجعة النقدية التي أجرتها لمواقفها السابقة.

وأخيراً، أظهرت «العصبة» انفتاحاً على الحوار مع البيئات التي تعد أكثر عداء للارهابيين داخل «فتح»، وايضاً زادت من منسوب تعاونها ضد الارهاب مع الاجهزة الامنية اللبنانية، ويُشاع عن وجود حوار، ولو بشكل غير مباشر، بينها وبين «حزب الله» تحت عنوان تضافر كل القوى لحماية المخيم من الإرهابيين وتحصين أمنه.

والى المراجعة التي أجرتها «عصبة الأنصار»، تسود تأكيدات عن انّ حركة «حماس» ايضاً أجرت مراجعة مشابهة شملت إقرار تغيّرات على تعاطيها، ليس فقط داخل مخيم عين الحلوة بل على مجمل الساحة اللبنانية.

ويبدو انّ التطور الاخير الذي تَمثّل بتفاهم أنشأته «حماس» في القاهرة مع أجواء في «فتح» معارضة لأبي مازن، وإبداء استعدادها لتطوير هذه التفاهمات لتشمل أيضا «فتح رام الله»، انعكس (أي هذا التطور) إيجاباً على جعل المحور الفلسطيني الاسلامي في المخيّم الذي لديه أسبابه المصلحية للتصدي للحالة التكفيرية فيه أكثر اتساعاً. وهو الأمر الذي يعطي فرصة جديدة لجعل الحالة التكفيرية في عين الحلوة، للمرة الأولى، محاصرة ضمن بيئتها الضيقة جداً.

بائعو الحلوى

لا يعتبر خالد السيد أخطر إرهابيّي «داعش» في عين الحلوة، وذلك على رغم كَم المعلومات عنه التي تُثبت تورّطه المبكر في العمل مع التنظيمات الارهابية. وبحسب معلومات لـ«الجمهورية» فإنّ بيئة الارهاب في المخيم تتكوّن حالياً من موزاييك غير مستقر أو تصعب قراءته بوضوح. فتحت عُنوان «الشباب المسلم» تتجمّع مجموعات عديدة تُنقِّل ولاءَها باستمرار بين «داعش» و«النصرة» وجماعات إرهابية اخرى.

وبنظر هذه المعلومات، فإنّ هذا التبدّل المستمر والفوضوي لانتماءات جماعاتها هو أمر مقصود، ويقف وراءه «مايسترو» داخل المخيم يقوم من خلاله بعملية تضليل مدروسة لأجهزة الامن المتابعة للحراك الارهابي داخله.

وتضيف انّ عدد عناصر «داعش» حسب التقدير الحالي هو ٢٠٠ عنصر، فيما أعداد كل البيئة التكفيرية في المخيم تصل الى ٥٠٠ عنصر. وفيما الشيخ اسامة الشهابي يحتضن بيئات «النصرة»، فإنّ «داعش» لديها أمراء قليلو الظهور الى العلن يعتبرون الأخطر، ومن رموزهم «خالد العبيد» السعودي الجنسية الذي جاء الى المخيم من سوريا قبل نحو أربع سنوات.

وثمّة ظاهرة لافتة داخل المخيم وهي قيام معظم رموز «داعش» بفتح محال لبيع الحلوى يستخدمونها كغطاء لأنشطتهم واتصالاتهم. خالد السيد الموقوف حالياً لديه محل للحلوى، وايضاً «توفيق طه» وهو من أشهر رموز «داعش» يملك محلاً لبيع الحلوى في سنتر الأسدي حيث يعمل فيه ابنه عبد الله.

و«محمود منصور» وهو ايضاً من «داعش» فتح أخيراً محلاً للحلوى في حي المنشية وقريباً من منزله الملاصق لمنزل احد أبرز رموز «داعش»، «رامي ورد» حيث تقيم فيه زوجته الثانية السورية.

والواقع أنّ أزقّة حي المنشية حيث تَمركَز التكفيريون وبائعو الحلوى الدواعش، تشهد، منذ تسليم خالد السيد، حالة توتر متزايدة. فليل السبت - الاحد تداعى توفيق طه ورامي ورد واسامة الشهابي وابو جنى وآخرون من رموز التكفيريين الى اجتماع صدر بعده بيان عن «الشباب المسلم» هاجَم «عصبة الانصار» واتّهمها بالخيانة، ورَدّت الأخيرة ببيان مضاد.

وفي الوقت نفسه كان حي الطيري، الذي طردت منه جماعة بلال بدر قبل أشهر، يشهد محاولة من قبَل الأخير للعودة اليه، وذلك من خلال انسحاب «كتائب عبد الله عزام» منه وحلول جماعة بدر مكانه.

ولكنّ مصادر وثيقة الاطلاع على ما يحدث في المخيم، تؤكد انّ القوى التكفيرية، وبعد اتّضاح موقف «عصبة الانصار» منها، لم تعد في وضع يمكّنها من فتح معركة كبيرة، والأرجح أنها في الفترة الراهنة والمنظورة ستعمد الى تعزيز مواقعها داخل المخيم، ومحاولة تنفيذ عمليات اغتيال ليس مستبعَداً ان تستهدف رموز قوى إسلامية فلسطينية يتهمها التكفيريون حالياً بأنها ارتَدّت وأصبحت في خانة «القوى الكافرة».