إنتهت إجازة عيد الفطر المعطوفة على عطلة الأسبوع فعلياً، ومع بداية الصيف الحار الذي واجهه اللبنانيون بالنزول الى البحر بكثاقة، ينطلق العمل من اليوم عملياً في ملفات متعدّدة سيتصدّرها ملف أمن مخيّمات النزوح السوري وملف إعادة النازحين إلى ديارهم، باتّصالات تتولّاها الأمم المتحدة، فيما البعض يدعو إلى تنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية.
فيما بدأت أزمة النزوح تتخذ طابعاً خطيراً ، ظهر جلياً أن السلطات اللبنانية ما تزال عاجزة عن معالجتها وتبدو كأنها في غيبوبة، فيما يؤكّد المعنيون بهذا الملفّ أنّ ترك هذه المشكلة على غاربها سيفاقمها، وربما يتسبب بتفجرّها بما يكرر سيناريو اللاجئين الفلسطينيين.

ولوحظ مع بروز التداعيات الخطيرة لهذه الأزمة ان السلطة لم تتحرّك جدّياً حتى الساعة، إذ إنّ السياسيين اللبنانيين ما زالوا مختلفين على شكل وأساليب تأمين عودة النازحين الى بلادهم، مع إنّ هذا الأمر يستدعي دقّ الناقوس وتشكيل خلية أزمة جديّة تبحث في حلول لهذه الأزمة الوجودية.

فقد فتِح ملفّ مخيّمات النازحين السوريين على مصراعيه مجدداً، خصوصاً أنّ بعضها يأوي إرهابيين، وذلك في ضوء المعركة التي خاضَها الجيش اللبناني في مخيمات عرسال أخيراً ضد الارهاب، وبعد تَهاوي الخلايا الارهابية النائمة تباعاً.

وتعالت بعض الأصوات الداعية إلى وجوب إعادة النازحين إلى بلادهم بعدما ازداد عبئهم على لبنان، إنْ من الناحية الديموغرافية أو من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الوطنية، ما يُحتّم عَقد اجتماع استثنائي، إمّا للحكومة يُخصَّص لهذا الموضوع، وإمّا أن يُدعى قادة الأحزاب العشرة الذين اجتمعوا في القصر الجمهوري في بعبدا في 22 حزيران الماضي إلى اجتماع آخر، لأنّ موضوع النازحين يتطلّب قراراً سياسياً غيرَ موجود داخل مجلس الوزراء.

ودعت بكركي الى العمل الجدّي لإعادة جميع النازحين الى بلادهم. وطالبَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حكّامَ الدول «بالعمل الجدِّي على عودة جميع المهجَّرين والنازحين واللاجئين والمخطوفين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم، ومساعدتهم على إعادة إعمارها، حفاظًا على حقوقهم كمواطنين وعلى ثقافاتهم وحضاراتهم».

وبدوره رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، قال: «إنّ الإرهاب يتغطى بالنزوح، ولذا يجب مواجهة النزوح بجرأة وبقرار حازم تتّخذه الدولة اللبنانية». وشدّد على أنّ «العودة الى سوريا يجب ان تتمّ قبل الحلّ السياسي، والعودة ممكنة الآن إلى كثير من المناطق الآمنة في سوريا».

ودعا «حزب الله» الحكومة الى ان تضَع على جدول أعمالها التنسيقَ مع الحكومة السورية «لتسهيل عودة النازحين طوعاً إلى المناطق الآمنة في داخل سوريا». وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «آنَ لنا أن نمتلك الشجاعة لنبدأ بالحلّ، فالحلّ الأمني لا يكفي وحده، ويتطلّب حلّاً سياسياً واجتماعيا، وقد تبيَّنَ بحسب الإحصاءات أنّ فيها (سوريا) أمناً ساعد على عودة 500 ألف من النازحين».

وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»: «حتى إنّ موضوع النازحين السوريين، أصبح كلامَ حق يُراد به باطل. ففي الوقت الذي ينظر اللبنانيون إليه من منظار حلّه وإعادة النازحين الى سوريا، في إطار جهد لبناني وعربي ودولي حيث تتأمّن لهم مناطق آمنة للسكن بشروط اجتماعية وإنسانية لائقة، ينقل البعض في لبنان هذا الموضوع الإنساني والوطني الى مجال آخر، يَطرح فيه تعويمَ العلاقات بين الدولة اللبنانية والنظام السوري.

وإذا كان هناك شِبه إجماع لبناني حيال التعاطي مع الدولة السورية لإعادة النازحين الى بلادهم، فلم يَصدر بعد أيّ موقف سوري رسمي ينمّ عن نيّة الدولة السورية استعادةَ النازحين، أقلّه في هذه المرحلة، حتى إنّ الأطراف اللبنانية التي تطرح هذا الموضوع لم تُبلغ إلى الحكومة اللبنانية أيَّ عرض سوري في هذا الصَدد.

لذلك وفيما لا يعارض اللبنانيون الحوارَ مع النظام السوري لهدف محدّد هو إعادة النازحين السوريين، فهم يتخوّفون من أن يؤدّي الحوار اللبناني ـ السوري الجديد الى مفاوضات حول العلاقة بين البلدين من دون ان يُسفر عن إعادة النازحين».

لذلك، تَطرح مصادر رسمية حكومية ضرورةَ أن تبادر الأمم المتحدة الى جَسّ نبضِ النظام السوري حول مدى استعداده لفتح الحدود السورية امام عودة نازحيه وحصر هذا الانفتاح اللبناني عليه بموضوع النازحين، طالما إنّ دور الجامعة العربية معطّل في سوريا».

وتضيف المصادر «أنّ اتّصالات الحكومة مع الأمم المتحدة في شأن النازحين كشَفت عن تردّد المنظمة الدولية في التعاطي معهم لعدم ثقتِها بالحلّ الموقّت القائم على المناطق الآمنة».

درباس

وقال الوزير السابق رشيد درباس لـ«الجمهورية»: «المناطق الآمنة الآن أصبَحت «قيد الطبخ» بمشاركة الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والاردن وتركيا، والمفروض ان نكون نحن شركاء في هذا الأمر، خصوصاً أنّ لبنان هو الدولة الأولى التي دعت إلى إنشاء هذه المناطق الآمنة».

وأضاف: «بدأنا سابقاً بوضع برنامج لإحصاء السوريين في أماكن وجودهم في 2500 مخيّم عشوائي، وتوقّف هذا المشروع نتيجة خديعةٍ أوقعت بها بعض الجهات الدولة اللبنانية لكي لا يكون للبنان قاعدةُ بيانات رسمية ومستقلة، ونَعتقد أنّ هذا المشروع يجب أن يسير مجدداً لكي نستطيع أقلُّه معرفة أين يوجد النازح السوري».

واعتبَر درباس «أنّ مسألة عودة النازحين هي موضع إجماع لدى الشعب اللبناني، فلنبَلوِر هذا الأمر بصيغ ملموسة ولنضَع كلَّ إمكانات الدولة لدى الحكومة لكي تعالجَه حتى لا يكون موضعَ تجاذُب أو مزايدات سياسية».

التزام بالمساعدات

وفيما تتلاحق المواقف الترحيبية بعملية جرود عرسال، علمت «الجمهورية» أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون تلقّى اتصالات من مراجع عسكرية ودولية هنّأته على العمليات الأمنية الاخيرة، خصوصاً في عرسال، وأكّدت التزامها بتقديم مزيد من المعدّات العسكرية للجيش اللبناني في المرحلة المقبلة، تعويضاً عن الذخائر التي استهلكها في المعارك.

تفجيرات القاع الانتحارية

وفي هذه الأجواء، أحيَت بلدةُ القاع، الذكرى السنوية الأولى لشهداء العمليات الانتحارية التي استَهدفت البلدة، إضافةً إلى شهداء الأحداث اللبنانية. وترَأس القدّاس راعي ابرشية بعلبك ـ الهرمل للروم الملكيين الكاثوليك المطران الياس رحال الذي قال إنّ «القاع هي الصخرة التي لا تتزَعزع، صامدةً في مواجهة الشرّ والإرهاب، شهداؤنا حملوا صليبَهم وتركوا السلام والمحبّة لنا في منطقة بعلبك - الهرمل».

من جهته، أكّد رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ«الجمهورية» أنّ «القاع قوية، وصارت أقوى بحماية الجيش الوطني وصمود أهلِها»، مشدّداً على أنّ «القدّاس اتّخَذ طابعاً خاصاً لنقولَ للعالم إنّنا في هذه الأرض باقون، والذي سَقط له هذا العدد من الشهداء لا يترك أرضَه، ولا يخاف لا من 8 انتحاريين ولا من 100 غيرهم». 

مجلس وزراء منتِج

وسيتقدّم ملف أحداث عرسال الأخيرة والوضع الأمني والعسكري على الحدود وفي الداخل على نقاط البحث في جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء في بعبدا بعد غدٍ برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

وإيذاناً بانطلاق ورشة العمل عقب الانتهاء من قانون الانتخاب، وإنفاذاً لـ»وثيقة بعبدا»، يبدو أنّ الجلسة ستتناول بنوداً حياتية وإنمائية وماليّة وشؤونَ الطاقة المتجددة التي أدرِجت على جدول الأعمال الذي جَمع 92 بنداً.

ومن أبرزِ البنود ما يتّصل بمشروع إنتاج الطاقة البديلة عبر الرياح، وهو بند مؤجّل من جلسة 21 حزيران الماضي، ومشروع آخر لتعديل أنظمة وقواعد الأنشطة البترولية وتعديل الرسوم المقرّرة سابقاً.

وعلى جدول الاعمال ايضاً مراسيم ومشاريع مراسيم خاصة بالترخيص، مقترَحة من وزارة التربية والتعليم العالي لجامعات حديثة أبرزُها «جامعة القديس جاورجيوس في الأشرفية» كما بالنسبة الى إحداث كلّيات وفروع جديدة متخصّصة في بعض الجامعات والكلّيات الخاصة.

ومشروع تعديل سِنّ التقاعد للسفراء من 64 الى 68 عاماً كما تقترح وزارة الخارجية، وهما بندان سيثيران نقاشاً حامياً وردّات فِعل رافضة لاحتمال أن تتسبّب قضية الجامعات الجديدة بنقاش معمَّق نظراً إلى كثافة الجامعات في لبنان والخوف من توسّعِ البحث في تمديد سنّ التقاعد في قطاعات أخرى نتيجة رفضِ مطالب تقدّمت بها هذه القطاعات.

ملفّ الكهرباء

أمّا في ملفّ الكهرباء، فأعلنَت «القوات اللبنانية» أنّها ماضية قدُماً في معركتها في هذا الملف، وقالت مصادرها لـ»الجمهورية»: «إنّها معركة ليست موجّهة ضد أيّ طرف، إنّما الهدف منها الوصول الى تأمين الكهرباء 24 ساعة على 24 بأقلّ كلفة وبأسرع وقت ومن خلال الآليات القانونية التي تضفي الصدقية على هذا الملف، وبالتالي كلّ الأمل في أن تتولّى إدارة المناقصات إعادةَ النظر في هذا الملف برُمَّته بغية توسيعِ الخيارات، إلّا أنّ المرجعية النهائية في هذا الموضوع تبقى مجلس الوزراء الذي بالتأكيد سيعيد النظر في كلّ هذه المعلومات».

إلّا أنّ مصادر وزارية توقّعَت عبر» الجمهورية» أن «يصبح الاشتباك حول ملف البواخر محدوداً بعد تقرير إدارة المناقصات، والذي يتّجه الى التوافق مع خطة الحكومة، وبالتالي فإنّ المتوقع هو أن تسير هذه الخطة وفق ما هو منصوص عليها، وأن لا يتمّ تعديلُ نصّ عروض استئجار البواخر».

وكشَفت المصادر «أنّ عروض استئجار البواخر ستَسير كما هي، على أن يُفتح لها اعتماد من مجلس النواب، وليس ضمن الموازنة أو ضمن احتياطي الموازنة».