أضاءت تقارير إعلامية إسرائيلية خلال الساعات الماضية على معضلة تواجه الأجهزة الأمنية في إسرائيل وتتمحور حول كيفية التعامل مع ما يزعمه عسكريون إسرائيليون عن إقامة إيران مصانع أسلحة لـ«حزب الله» في لبنان، وسط تضارب في الآراء في صفوف القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين الإسرائيليين إزاء سبل مواجهة هذا الأمر، بين أطراف داعية إلى توجيه «ضربة استباقية» لتدمير مصانع الأسلحة هذه، وبين جهات متوجسة من تبعات أي حرب جديدة مع لبنان في ظل ما سيتعرّض له الداخل الإسرائيلي من ضربات صاروخية تفوق بأضعاف ما كان قد تعرض له خلال حرب 2006. 

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإنّ اجتماعات تشاورية عُقدت على مستوى الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية والسياسية، وكذلك المجلس الأمني المصغّر للحكومة الإسرائيلية، تعالت خلالها الأصوات الداعية إلى عدم الانتظار، وتدمير مصنع الأسلحة الإيرانية في لبنان 

لمنع أي خطر مستقبلي منه والحؤول دون تعزيز القدرات العسكرية لـ«حزب الله». في حين لفت الانتباه في هذا المجال حرص الجيش الإسرائيلي، خلافاً لمرات سابقة، على تسريب معلومات عبر مسؤول عسكري، تؤكد وجوب عدم استبعاد أن تعمد إسرائيل إلى توجيه ضربة استباقية تنجح ليس فقط بتدمير مصانع الأسلحة، وإنما بشل قسم كبير من القدرات الهجومية لـ«حزب الله» في إطار سعي إسرائيل لحسم الحرب لمصلحتها، وفق ما تروّج تسريباتها العسكرية.

وفي الوقت عينه، نُقل عن المسؤول العسكري أن أحد الأسباب التي تجعل المسؤولين الكبار في الجيش الإسرائيلي يتحدثون علانية عن هذا الأمر، هو توقع أن تتحمل الدولة اللبنانية المسؤولية، وتوقف إنشاء المصانع، وبذلك تمنع الحرب «التي ستدمر اقتصاد لبنان وبناه التحتية والسياحية»، بحسب ادعاءاته. غير أنّ أي حديث اليوم عن تصعيد أمني، بات يثير المخاوف لدى جهات عدة، من أن يستغل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الأوضاع ويجعل من التصعيد الأمني مخرجاً له من الأزمات التي يواجهها، خصوصا لناحية التحقيقات الجارية معه في ملفات الرشاوى والفساد، واحتمالات تقديم لائحة اتهام ضده. وعقب إدعاءات وجود مصنع أسلحة إيرانية في لبنان، قد يكون توجيه الضربة والأنظار نحو لبنان، بمثابة «حبل إنقاذ» له.

وفي خضمّ هذه النقاشات والمخاوف، صدرت تقارير عسكرية إسرائيلية تتحدث عن القدرات العسكرية لـ«حزب الله» وطبيعة الحرب المقبلة المتوقعة معه. فبحسب هذه التقارير، أضحى الحزب يملك حالياً ترسانة صاروخية ستتيح له في حربه المقبلة مع إسرائيل استخدام قوة نار تفوق بأضعاف ما كان الأمر عليه خلال حرب تموز عام 2016، سيما وأنه تحوّل من «تنظيم» إلى «جيش» يتمتع بخبرة حربية غنية، بعد سنوات الحرب في سوريا، إضافة إلى أنه بات يتمتع بقدرات متطورة في المجالات العسكرية والاستخبارية، ويمتلك مستودعاً ضخماً للأسلحة يحوي ما لا يقل عن 150 ألف صاروخ. 

وبينما تعترف إسرائيل بكونها لا تملك أي منظومة دفاعية من شأنها الصمود أمام القوة الصاروخية المتوقع أن يستخدمها «حزب الله» في الحرب المقبلة، سواء القبة الحديدية أو العصا السحرية، تقول تقاريرها العسكرية إن الحزب سيكون قادراً على ضرب 1200 صاروخ باتجاه إسرائيل، يومياً، بينها صواريخ «غراد» وصواريخ دقيقة تحمل مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، وصواريخ يصل مداها إلى نحو 300 كيلومتر، مع الإشارة إلى أنّ أكثر ما يقلق الإسرائيليين في المقابل هي المنظومات الدفاعية التي أصبحت في حوزة «حزب الله»، مثل صواريخ Sa22 التي تهدف إلى إعاقة حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب المقبلة.

وأمام هذه المعطيات والتقارير، لا يغيب عن القيادة العسكرية الإسرائيلية السعي إلى طمأنة الجمهور الاسرائيلي، فتعمد إلى استعراض قدرات الجيش الإسرائيلي، وتورد تأكيدات في تقرير يتناول قدرات «حزب الله» بأنّ «قدرات الجيش الإسرائيلي تحسنت بشكل دراماتيكي، ووصل عدد الأهداف التي جمعها سلاح الاستخبارات عن الحزب، خلال السنوات الأخيرة، إلى عشرات الآلاف».

وعن طبيعة الحرب المقبلة في حال اندلاعها، تشير تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أن «حرب لبنان الثالثة، ستتميز بتبادل ضربات نارية قاتلة بين الجانبين، ستستغرق عدة أيام حتى يتدخل العالم. وهذه المرة سيكون التدخل سريعاً، لأنه في اللحظة التي ستصاب فيها المساكن والأبراج في تل أبيب، سيكون الضرر الذي سيصيب «حزب الله» ولبنان ضخماً بكل المقاييس»، بحسب تحذيرات التقارير الإسرائيلية.

يبقى أنه إلى جانب ما يثار حول الموضوع، هناك سؤال جوهري يُطرح بقوة على أجندة العسكريين والسياسيين في إسرائيل: هل الضربة العسكرية للبنان، ستكون قادرة على منع استمرار نقل الأسلحة إلى «حزب الله» والقضاء على مصنع أسلحته الإيرانية؟