في الخريطة الطرابلسية مجموعة من القوى التي ستختبر أحجامها الحقيقية، للمرة الاولى بعيداً من محدلة القانون الأكثري، التي أتت بنتائج كاسحة لتيار «المستقبل» في انتخابات 2005، وبنتائج أقلّ حسماً عام 2009، لاضطرار التيار الى التحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي نال حصة من ثلاثة نواب، مكّنته فيما بعد من العودة الى رئاسة الحكومة، بعد خروج «حزب الله» على «اتفاق الدوحة» بذريعة شهود الزور، وتمّ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وتكليف ميقاتي تشكيل الحكومة، بعد أن رفض سماع تمنّيات من شخصيات كثيرة بعدم الذهاب في هذا الطريق، ومن أبرز هؤلاء اللواء أشرف ريفي واللواء الشهيد وسام الحسن.
بعد إسقاط حكومة الحريري وغيابه عن لبنان لسنوات، وإعادة تموضع الخيارات نحو ما سُمّي «البراغماتية»، بعد عودته، برزت قيادة جديدة مستقلّة، هي في الواقع جزء من الحريرية السياسية، مثّلها ريفي الذي انتقل من الأمن الى السياسة بعد تقاعده مباشرة عام 2013، فانتهج طريقاً واضحاً، من ضمن خطّ مشروع 14 آذار، وهذا الطريق أدّى فيما بعد الى سلسلة اصطدامات بينه وبين الحريري نتجت عنها استقالته من الحكومة، وتالياً خوض الانتخابات البلدية منفرداً، في وجه تحالف مصالحة الحريري وميقاتي وبقية الطبقة السياسية الطرابلسية، ففاز، وبدأت مرحلة جديدة في طرابلس.
ويبقى السؤال اليوم: ماذا سيفرز قانون النسبية من مواقع قوى في طرابلس؟ وكيف يمكن تصوّر شكل المعركة المقبلة التي ستنطلق على الأرجح من ثلاث لوائح مكتملة، واحدة يشكلها ريفي، وثانية يشكلها تيار»المستقبل» بالتحالف مع النائب محمد الصفدي، وثالثة سيشكلها ميقاتي والتي قد تضمّ حلفاء من خارج زغرتا بمرشحيهم الطرابلسيين؟
وإذ يصعب قبل سنة تقريباً من موعد الانتخابات تحديد أسماء المرشحين، على هذه اللائحة أو تلك، فإنّ المعالم الأوّلية لبرنامج اللوائح باتت واضحة، كما المعالم الأساسية للتحالفات، وذلك يعود الى أنّ كل طرف لا يحتاج للآخر في تركيب اللوائح، وهذا ينطبق على الجميع، لكن لوضعية ريفي خصوصية مضافة، فهو حسم طبيعة تحالفاته، وربط هذه التحالفات بالاتفاق على برنامج ثوابت، علماً أنّ سقف المواقف التي يُعلنها، يُصعّب من إتمام التحالف إذا لم يكن على درجة كافية من الوضوح في الخطاب السياسي خصوصاً في ما يتعلق بسلاح «حزب الله».
وبالاضافة الى ذلك، فإنّ تيار «المستقبل» وميقاتي يتّجهان الى التحالف مع قوى 8 آذار المسيحية، حيث يتوقع أن يتحالف «المستقبل» مع «التيار الوطني الحر»، فيما سيتحالف ميقاتي مع النائب سليمان فرنجية، وهذا ما سيرسم مشهد مواجهة سياسية، تتجاوز قدرات التأثير المالية، وتجيير نفوذ الوزارات والخدمات، التي ستستعمل سلاحاً انتخابياً.
وما يمكن قوله بعد فوز ريفي في الانتخابات البلدية، أنّ طرابلس تستعدّ لاستفتاءٍ جديد، ومع ما تمثله العاصمة الثانية، ومركز الثقل السنّي، ستكون نتائج هذا الاستفتاء خريطة طريق لرسم توازنات جديدة، بين ريفي الذي يسعى لمدّ حالته الشعبيّة الى المناطق، والحريري الذي يريد الفوزَ بكتلة نيابية كبيرة، تمكّنه من تجديد دماء التسوية التي أدّت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وميقاتي الطامح للدخول الى مجلس النواب بكتلة نيابية تسمح بالمنافسة على رئاسة الحكومة.