من الصعب فهم التهديد الأخير للأمين العام لـ”حزب الله“ السيد حسن نصر الله عسكرياً. هو هدد إسرائيل بوفود مئات آلاف المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، "من العراق ومن اليمن ومن كل مكان آخر ومن إيران وأفغانستان ومن باكستان"، للمشاركة في أي حرب مقبلة.
وقد يأتينا اليوم خبير اقتصادي ليسأل لماذا لا تأتي بمئات آلاف السياح مثلاً؟ أو قد يُخبرنا محلل عسكري بأن هذه الأرقام لا تعني شيئاً، وأن ملايين الجنود العرب لم يُفلحوا خلال 7عقود في تحقيق أي انتصار عسكري في ظل التفوق الاسرائيلي جواً وبراً وبحراً، وفي التدريب والتكنولوجيا والتخطيط.
طبعاً، هذا هراء محض! تعزيز السياحة يرفع مستوى معيشة الفرد، وبالتالي قد يُثنيه عن اختيار الموت براتب الحد الأدنى. ثم هل يعرف الخبراء العسكريون أكثر من ”علماء الدين“؟ الأهم في الساحة العسكرية اليوم هو بركاتهم. وأهمية هذه البركة تكمن في أنك لو حملتها فوق الاستراتيجية والتكنولوجيا والسياسة والتدريب، ستنتصر في كل الأحوال حتى لو دمرت اسرائيل البنية التحتية وقتلت الآلاف واحتلت عشرات الكيلومترات المربعة. لو تظللت بالبركات، فإنك تُحيل كل ما سبق تفاصيل وحسابات ثانوية. إذا مُت أو مات أهلك دخلت الجنة، ولو تدمر منزلك، واحتُلت أرضك أنت منتصر.
هناك صنف آخر من التشكيك في خطاب نصر الله حيال وفود مئات آلاف المجاهدين. أثبتت التجربة السورية الكلفة العالية للمقاتلين الأجانب، إذ لو تلقى الواحد منهم راتب 300 دولار أميركي، فإن مئات الآلاف يتطلبون مئة مليون دولار شهرياً على الأقل، عدا عن تكاليف المأكل والمشرب والأسلحة وغير ذلك. لكن هذا التشكيك في غير محله، لأن هناك مئات آلاف المجاهدين من عائلات ميسورة سيأتون ومعهم طعامهم وشرابهم وأسلحتهم للقتال مجاناً في أي مواجهة مقبلة. وهذا أمر معروف وغير قابل للتشكيك ولله الحمد.
آخر ما قد يُقال في هذا الشأن أيضاً أن المقاتلين الأفغان من أقلية الهزارة الشيعية اقتيدوا الى سوريا لتسوية إقامات عائلاتهم القانونية في ايران، أي أنهم يخوضون ما يُسمى بـ”جهاد الإقامة“. لذا قد يسأل خبير جهبذ، هل هناك قدرة لـ”حزب الله“ على تسوية الأوضاع القانونية لآلاف الأفغان في ايران لو ماتوا في لبنان؟ مثل هذه الحجة لا تحتاج الى الكثير لردها، لأن الأفغان الشيعة لا يُضحون بحياتهم من أجل الاقامات، بل يُقدمون على ذلك حُبّاً بالجيش العربي السوري. أما الإقامة فإن عائلة المجاهد تحصل عليها أوتوماتيكياً بعد موته، وفقاً لقاعدة ”الله يرحمك وأهلاً وسهلاً“، وهذه اجراءات معتمدة عالمياً، ومعمول بها في الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً.
كل هذه الحجج واهية كما سبق. لكن تبقى مسألة واحدة مصيرية، وهي لوجيستية. المجاهدون القادمون الى لبنان، إن كانوا عرباً أم أفغان أو باكستانيين، يحتاجون الى وسائل نقل سريعة للوصول الى الجبهات. واليوم، يحتاج أي منّا إلى ساعات طويلة لاجتياز أي طريق، نظراً للازدحام وغياب التخطيط. لكن لا ضير في ذلك لأننا نتحدث عن مدني لا قيمة له، والعياذ بالله من ذلك. الأهم، كيف سيصل مئات آلاف المجاهدين الى الجبهات من خلال الطرقات ذاتها؟ 
لذا، ومن أجل ألا تضيع مئات الساعات على هذه الطرقات الدنيوية اللعينة، على  ”حزب الله“ التحضير مسبقاً وبناء شبكة قطارات سريعة قبل وصول المجاهدين. ولهذا الغرض أيضاً، تحتاج أرض المعركة (إسمها الجمهورية اللبنانية على جوازات السفر)، الى معامل كهرباء لانتاج طاقة كافية لتشغيل هذه القطارات. وهذا إنجاز يتطلب ضغطاً من حزب الله على حلفائه في السلطة. ومعها، لا ضير أيضاً في إصلاح قطاع المياه وتوفير مياه الشفة لمئات آلاف المجاهدين. 
ثم ماذا لو أصلحنا الانترنت أيضاً من خلال تفعيل شبكة الألياف البصرية، حتى يتمكن المجاهد من التحدث مع أهله دون انقطاع. مواصلات وكهرباء ومياه وانترنت أقل الممكن لاستقبال المجاهدين! فهل يُعقل أن نستقبل من يريد التضحية بالنفيس والغالي بأقل من ذلك؟ 
هذه استراتيجية مواجهة ضرورية تتطلب بدء العمل فوراً، وقد تُتيح للبنانيين بعضاً من حياة الحد الأدنى في الوقت الضائع بين الإنتصارات الإلهية. 

 

 

مهند الحاج علي