أخي 20 سنة كنت مثلك أعتقد بأن القرآن الكريم أوجب علينا بأن نحكم بما أنزل الله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }
{ وهم الظالمون }
{ وهم الفاسقون }
وفق دلالة الآيات القرآنية الثلاثة ؛ كنت أعتقد مثلك يا أخي 20 سنة بأن الله تعالى أوجب علينا أن نبني الدولة الإسلامية لتحكم بما أنزل الله في القرآن من أحكام شرعية ؛ وبعد 20 سنة شاءت الأقدار الإلهية والحوارات والقراءات والنقاشات الصاخبة والهادئة ؛ المتطرفة والمعتدلة ؛ الغاضبة واللينة ؛ بيني وبين مفكرين وعلماء ومثقفين عباقرة ويخشون الله تعالى كما تخشاه أنت ويؤمنون بكافة محرماته وواجباته كما تؤمن به أنت ؛ شاءت الحوارات والنقاشات والقراءات لكي أكتشف بأن معتقدي في تفسير هذه الآيات كان وهماً لا حقيقة وراءه ؛ وخيالا لا صلة له بحقيقة الواقع ؛ وشعارات خالية من العلم والمعرفة والحُجَّة ؛ نعم يا أخي بعد 20 سنة وأنا أسبح في بحر الوهم وأحسب نفسي بأنني أسبح في بحر الحقائق تبين لي بأن الله تعالى لم يُنْزِل مطلقاً خريطة أحكام في القرآن إلى السلطة السياسية لكي يعمل بها وزارؤها وينفذون واجباتها ?! لم يُنْزِلْ الله تعالى في القرآن شيئا يحدد فيه تفاصيل وظيفة وزير الداخلية
ولا لوزير الكهرباء والمياه
ولا لوزير البرق والهاتف
ولا لوزير البنية التحتية والأشغال
ولا لوزير البيئة
ولا لوزير التعليم والتربية
ولا لوزير الخارجية
فكيف يجوز شرعا حينئذ أن نسمي السلطة السياسية الحكومة السياسية بسلطة الإسلام وحكومته !?!?!?
إقرأ أيضًا: مقاربة للخروج من عتمة الإستبداد والجهل والبؤس
وتبين لي بعد 20 سنة يا أخي بأن 99 % من قوانين السلطة التشريعية هي تدبيرات دنيوية ضرورية لحياة الشعب ومصالحه وحقوقه هذه التدبيرات الضرورية لحياة الشعب لا تتحدث عنها الآيات ولا الروايات الدينية لا من قريب ولا من بعيد ؛ إذن فكيف يجوز لنا شرعا أن نسمي هذه السلطة التشريعية بالسلطة الإسلامية وسلطة الشريعة وسلطة القرآن ؟؛
وتبين لي بعد 20 سنة يا أخي بأن السلطة القضائية تستند إلى قوانين وأنظمة ابتكرها البشر وذلك بغاية تحقيق أقصى درجة من درجات العدالة وهذه القوانين والانظمة في السلطة القضائية هي من ضرورات العدالة وإحقاق الحق وإبطال الباطل ايضا لا تتحدث الآيات ولا الروايات الدينية عنها لا من قريب ولا من بعيد ؟!! إذن فكيف يجوز لنا شرعا أن نسمي السلطة القضائية حينئذ بالسلطة القضائية الإسلامية القرآنية ?!
وتبين لي يا أخي بعد 20 سنة بأن الآيات القرآنية الثلاثة التي تقول بأن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وهم الظالمون وهم الفاسقون هذه الآيات تتحدث عن وجوب إقامة الحد على الزنا والقتل والجراح ولا تتحدث مطلقا عن وظائف وزراء السلطة السياسية ولا عن وظائف السلطة التشريعية ولا عن دستور الدولة ولا عن قوانين مؤسساتها وانظمتها الضرورية للحياة كضرورة الماء والهواء .
بعد 20 سنة يا اخي اكتشفنا بديهة لا يُنكرها عاقل مسلم مطلقا وهي : أن نصوص القرآن ونصوص السنة النبوية مستحيل أن تبني دولة كما يجب أن تُبنى في عصرنا
الحديث ؛ مستحيل أن يكون بمقدورنا شرعا بأن نبني دولة تستند إلى نصوص الدين ونقول عنها هذه دولة الله هذه دولة القرآن هذه دولة الشريعة بالمعنى الحقيقي لا المجازي للكلمة .
الدولة فكرة بشرية تتطور بالضرورة يوما بعد يوم وعقدا بعد عقد وليست بفكرة دينية الهية
الدولة الدينية ليست أصلا من اصول الدين ولا فرعا من فروعه ولو كانت كذلك لتم تكفير كل مسلم لا يؤمن بها وهذا ما لا يجرؤ فقيه عليه.