حرارة المناخ الصيفي المتزايدة يوماً بعد يوم، يبدو أنها ستلفح الكثير من الملفات الداخلية ولا سيما المعيشية منها او تلك المرتبطة بمالية الدولة، وترفع درجة سخونتها الى مستويات عالية قد لا تبقى محصورة ضمن حدود تلك الملفات، بل ربما تتخطّاها الى الشأن السياسي الذي يتصل مباشرة بها، ما يعني انّ نار الاشتباك مرشّحة الى الاشتعال مجدداً، وخصوصاً على حلبة سلسلة الرتب والرواتب الواقعة بين نارَي المطالبين بها والمعترضين عليها. وفي وقت بقي هاجس الفلتان الامني والفوضى واللصوصية يؤرق المواطن اللبناني، ويضع الدولة بكل مستوياتها أمام مسؤولية وضع حدّ له، كونه أصبح متنامياً بشكل خطير وعابراً لكل المناطق، أطلّ هاجس فلتان من نوع آخر تقوده «مافيات عقارية» تسطو على عقارات المواطنين و«تبلع» مشاعات الدولة.
يشكّل ملف السلسلة العنوان الأكثر سخونة الذي سيطرح على بساط البحث السياسي والنيابي والحكومي وكذلك الاقتصادي في الايام القليلة المقبلة. وفي موازاة إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري إدراج السلسلة كبند اوّل في جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقبلة، دخلت الاطراف المستفيدة من هذا الموضوع والمتضررون منه الى حلبة الاشتباك المبكر، حيث استأنف المستفيدون تحركاتهم الضاغطة لإقرار السلسلة في مجلس النواب، وتهديداتهم بالنزول الى الشارع اذا كان مصير المناقشات النيابية هذه المرة على غرار ما جرى في السابق.
في وقت عادت الهيئات الاقتصادية الى توجيه التحذيرات من زيادة العجز في الميزانية، وتحميل المالية العامة ما لا قدرة لها على تَحمّله. وتتزامن هذه التحذيرات مع تحذيرات رديفة أطلقتها مؤسسة «فيتش» العالمية للتصنيف الائتماني قبل ايام، في شأن دقّة الوضع المالي في لبنان، والذي يعاني ضغوطاً متنوعة.
هذا الجدل بين الطرفين، يقابله واقع آخر يتعلّق بالمواطنين وقدرتهم الشرائية. اذ يبدو انّ إقرار السلسلة سيكون مقروناً بفرض ضرائب ورسوم جديدة. وسيكون على الحكومة ان تقترح مشاريع قوانين جديدة لتمويلها على أن تحيلها الى المجلس النيابي.
كذلك تبرز إشكالية أخرى تتعلق بمستوى الرواتب في القطاع الخاص، اذ انّ الهيئات الاقتصادية المعارضة لإقرار السلسلة تقول انّ رفع الرواتب في القطاع العام، سيؤدي لاحقاً الى مطالبات برفع الرواتب في القطاع الخاص، في وقت تمرّ المؤسسات في أوضاع صعبة، وايّ زيادة في مصاريفها قد تقضي عليها وتؤدي بالتالي الى زيادة في نسب البطالة المتفشية.
ويبدو انّ بوادر هذا الامر ظهرت منذ اليوم، إذ اقترح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ان يتمّ تصحيح الأجور في القطاع الخاص بالتزامن مع إقرار السلسلة.
في النتيجة، البلد على عتبة الدخول في دوّامة جديدة عنوانها كيفية ضمان حقوق الموظفين في القطاع العام، والحفاظ على القدرات الشرائية للمواطنين، وكيفية منع انهيار المالية العامة للدولة.
مافيا المشاعات
في هذا الوقت، تتعالى صرخات المواطنين في أكثر من منطقة لبنانية حول تنامي ما بات يسمّى بـ«الفلتان العقاري» التي تستغلّه مافيات تسيطر على مشاعات وملاك الدولة.
وعلمت «الجمهورية» انّ ثمة شكاوى عدة وردت الى مراجع سياسية وكتل نيابية من مناطق في الجنوب حيث تبلع «مافيات المسح» مساحات واسعة من هذه المناطق، وكذلك من البقاع والشمال وعكار (عدا الأقضية المسيحية الاربعة التي ينطبق عليها قانون مشاعات متصرفية جبل لبنان)، حيث أشار بعض المواطنين الى جبل بكامله «بَلعته» المافيات.
وتوضح مصادر المعلومات ما يجري، فتشير الى انّ الدولة لم تقم بمسح اراضي تلك المناطق منذ العام 1920، وهذه الاراضي كناية عن مشاعات للدولة وملكيّات للمواطنين، ومن هنا قامت مديرية الشؤون العقارية، منذ مدة بتلزيم شركات مساحة عملية مسح القرى في المناطق المذكورة لقاء 100 مليون ليرة للبلدة الكبيرة و90 مليون ليرة للبلدة الصغيرة.
تضيف المصادر: الشركات المذكورة تقاضت مئة مليون ليرة لقاء أتعابها، ولكن مع بدء عملية الفرز التي بدأتها بالتعاون مع المخاتير والاهالي، تبيّن انّ ملكيات المواطنين مثبتة بـ«حجج» قديمة، الأمر الذي استغلّه بعض تلك الشركات بالتواطؤ مع بعض المخاتير والنافذين في تلك المناطق، وبدأت تحدّد الحدود العقارية للملكيات لمَن يدفع اكثر، إذ انها وخلافاً للقانون أخذت تتقاضى مبالغ مالية من المواطنين القريبة أملاكهم من مشاعات الدولة، تتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف او اربعة آلاف دولار، الى أن وصلت المبالغ الى ملايين الدولارات.
حيث يتمّ المسح بناء على «الحجّة» القديمة فيقضم مئات الدونمات من املاك الدولة ويجري ضمّها الى المساحة المحددة قبلاً في الحجة المذكورة، ونتيجة لذلك ضاعت على الدولة آلاف الدونمات من المشاعات، توزّعت بين 200 دونم في إحدى القرى، و300 في قرية ثانية و500 في ثالثة تِبعاً لحجم الدفع.
والأسوأ من ذلك، كما تكشف المصادر، تعاطَت بعض الشركات المذكورة بطريقة ابتزازية مع بعض القرى، اذ انها أجرت عمليات المسح من دون ان تثبت «تنشئة المنازل» القائمة أصلاً على الاراضي الممسوحة، وهذا الأمر يرتّب أعباء مالية كبيرة على المواطنين لتثبيت تنشئة منازلهم، وثمّة نماذج فاقعة في الجنوب ولا سيما في بلدات الغندورية وكفردونين، ووادي الحجير حيث وضع البعض أيديهم على غابات ومساحات شاسعة من مشاعات الدولة، وكذلك في بلدة القوزح التي لم يسلم وقف الكنيسة فيها حيث تمّ السطو عليه وسجّل باسم بعض النافذين. والأمر نفسه حصل في فنيدق حيث تبلغت جهات نيابية بعملية سطو على جبل بأكمله مساحته عشرات آلاف الدونمات لصالح بعض النافذين.
وبحسب المصادر، فإنّ عنصر الخطورة الاضافي في الأمر يكمن في انّ الشركات تحجب المعلومات والخرائط التي تضعها عن البلديات، لأسباب غير معلومة، على رغم أنّ هذا المسح الذي أجرته قد أدى الى خلق مشكلات اجتماعية وإرباكات كبيرة في عدد من القرى وخلافات حادة بين الاهالي جرّاء قضم أملاكهم المعروفة تاريخياً وإلحاقها بأملاك آخرين كحق لهم، الأمر الذي رَتّب دعاوى كثيرة أمام القضاء المختص.
علماً انّ هناك بعض المتعهدين بأعمال المساحة التزموا قرى منذ مدة تصِل الى عشر سنوات ولم تنجز بعد، ومع ذلك لا أحد يسأل لماذا هذا التأخير، ومع ذلك يتمّ تمديد المهلة لهم مع دفع قيمة الاتعاب ذاتها في كل مرة.
من المسؤول؟
اذا كانت شركات المساحة المعتمدة أو بعضها هي المسؤولة عن هذا الفلتان، فإنّ مسؤولية منعه ووضع حدّ له تقع على الدولة بمؤسساتها ووزاراتها المعنية، وعلى وجه الخصوص وزارة الداخلية التي في مقدورها اتخاذ إجراءات رادعة في حق المخاتير والبلديات المتواطئة في هذا الفلتان، وتقع ايضاً على القوى السياسية النافذة في تلك المناطق التي تغمض العين أو تغطّي تلك الظاهرة.
واستفسرت «الجمهورية» وزارة المالية حول حقيقة ما يجري، فأكدت انّ اولوية الوزارة هي منع هذه الظاهرة، وهي تولي هذا الملف اولوية استثنائية. وانّ الوزير علي حسن خليل اتخذ في الآونة الاخيرة إجراءات رادعة بحق بعض المتورطين وأحال ثلاثة منهم الى التحقيق.
وعلم في هذا الاطار انّ هذا الملف وُضع مؤخراً في عهدة النيابة العامة المالية وكذلك النيابة العامة التمييزية، وجرى تواصل مباشر في هذا الشأن بين النائب حسن فضل الله وبين النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود اللذين أكّدا له إيلاء هذا الامر الاهمية الكبرى، وشدّدا على انّ في إمكان المواطنين المتضررين إقامة الدعاوى القضائية لاسترداد حقوقهم ومعاقبة المتورطين.
وقال فضل الله لـ«الجمهورية»: «نحن أمام قضية وطنية بامتياز، تتصل بأملاك الدولة وحقوق المواطنين. وسبق أن ناقشنا هذا الموضوع في لجنة المال عندما تبيّن انّ الحكومة زادت 15 مليار ليرة على قانون برنامج «التحديد والتحرير» لتلزيم شركات المساحة مَسح المناطق غير المشمولة بالمسح سابقاً».
أضاف: «تبيّن لنا انّ هناك مشكلات كبرى في هذا الملف جرّاء عدم التزام بعض المتعهدين الكثير من المعايير القانونية ودخول عوامل فساد حقيقية في هذا الملف، منها ما يتعلق بحقوق المواطنين ما سَيولّد مشكلات اجتماعية كثيرة، ومنها ما يتعلق بأملاك الدولة والتي تبيّن لنا انّ هناك من يضع اليد عليها من خلال تزوير المستندات او من خلال الرشاوى المالية لتسجيل هذه الاملاك لمنافع شخصية.
الخطورة في هذا الموضوع انّ التمَلّك بعد المسح يصبح بسندات رسمية بخلاف ما هو حال التعديات على الاملاك البحرية او على بعض المشاعات التي أنشأ عليها مواطنون منازل في السابق، لأنّ ملكية الارض هنا لا تزال للدولة».
وسئل فضل الله عمّا أوجب إثارة هذا الموضوع في الوقت الحالي وليس قبل الآن؟ فأجاب: «لقد سبق وأثرتُ هذا الموضوع في مؤتمر صحافي، اولاً لأنه مرتبط بمناقشة الموازنة العامة، وثانياً لأنّ شركات المساحة بدأت بتحويل ملفاتها الى القضاة العقاريين للبَتّ فيها ومن هنا رفعنا الصوت قبل أن يبتّ القضاة العقاريون بهذه الملفات ولمنع هذا الفلتان لا بل هذا الاعتداء الخطير».
ورداً على سؤال آخر قال: «هذا الملف هو خارج ايّ اعتبار سياسي، ونرفض ايّ تغطية لأيّ متورّط ايّاً كان، هذا أمر لا نقاش فيه، هو أمر يعني كل المناطق وبالتالي يفترض ان يتّخذ بحق المتورطين الإجراء القضائي اللازم وان يستعاد كل شبر أرض تمّ السطو عليه».
الملف السياسي
سياسياً، ظل القانون الانتخابي بنداً اساسياً في جدول البحث السياسي حول كيفية تطبيقه، والتحضيرات التي تجريها الأطراف للدخول في فضاء هذا القانون ومحاولة الحصول على أجوبة وتوضيحات حيال بعض التفاصيل التي ما زالت غامضة فيه.
ويتزامن ذلك مع تقديرات سياسية حول مباشرة وزارة الداخلية الإعداد في فترة غير بعيدة لإجراء انتخابات فرعية لملء المقعد الماروني الشاغر في كسروان والمقعدين الارثوذكسي والعلوي الشاغرين في طرابلس، وهو ما أشار اليه بري أمام وفد نقابة الصحافة قبل ايام.
وقد يكون هذا الموضوع من ضمن جدول اعمال اللقاء الاسبوعي الذي سيعقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يزور القصر الجمهوري اليوم.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ «خريطة الطريق المطلوب اعتمادها اليوم، أي بعد إقرار قانون الانتخاب، يجب ان تكون مثلّثة الأضلاع:
الضلع الأول، الحفاظ على الاستقرار السياسي وتحصينه من خلال تحييد لبنان وإبعاده عن سياسة المحاور في مرحلة تشهد تحولات وتغييرات من الأفضل للبنان أن ينأى بنفسه عنها، خصوصاً انّ السياسة الحالية أثبتت جدواها وأدّت إلى انتظام عمل المؤسسات وجَنّبَت لبنان التعطيل، ولا مصلحة لأحد في جَرّ لبنان إلى انقسامات ومتاهات تدفعه إلى الانزلاق نحو الفوضى.
الضلع الثاني، الإنكباب على الملفات الحياتية للخروج بإنجاز أو أكثر على غرار الإنجازات السياسية وفي طليعتها قانون الانتخاب، خصوصاً انّ تداعيات الانكماش الاقتصادي كانت آثاره سلبية على البلد وأهله.
الضلع الثالث، التهيئة للانتخابات وصولاً إلى مجلس نواب جديد يعكس للمرة الأولى منذ العام 1990 التوازنات السياسية الفعلية في البلد، ويمهّد لتأليف حكومة على أساس التوازنات النيابية تساهم في تدعيم مؤسسات الدولة، وتطلق دينامية وطنية جديدة».
ورأت المصادر «أنّ التجربة أثبتت انّ مساحة الإنجاز ممكنة في ظل التوازنات الجديدة القائمة، وبالتالي لا يجب هدر الوقت، بل الانكباب على العمل تحقيقاً لمزيد من الإنجازات بعيداً عن الثقافة التيئيسية المعلومة الأهداف».
في وقت عادت الهيئات الاقتصادية الى توجيه التحذيرات من زيادة العجز في الميزانية، وتحميل المالية العامة ما لا قدرة لها على تَحمّله. وتتزامن هذه التحذيرات مع تحذيرات رديفة أطلقتها مؤسسة «فيتش» العالمية للتصنيف الائتماني قبل ايام، في شأن دقّة الوضع المالي في لبنان، والذي يعاني ضغوطاً متنوعة.
هذا الجدل بين الطرفين، يقابله واقع آخر يتعلّق بالمواطنين وقدرتهم الشرائية. اذ يبدو انّ إقرار السلسلة سيكون مقروناً بفرض ضرائب ورسوم جديدة. وسيكون على الحكومة ان تقترح مشاريع قوانين جديدة لتمويلها على أن تحيلها الى المجلس النيابي.
كذلك تبرز إشكالية أخرى تتعلق بمستوى الرواتب في القطاع الخاص، اذ انّ الهيئات الاقتصادية المعارضة لإقرار السلسلة تقول انّ رفع الرواتب في القطاع العام، سيؤدي لاحقاً الى مطالبات برفع الرواتب في القطاع الخاص، في وقت تمرّ المؤسسات في أوضاع صعبة، وايّ زيادة في مصاريفها قد تقضي عليها وتؤدي بالتالي الى زيادة في نسب البطالة المتفشية.
ويبدو انّ بوادر هذا الامر ظهرت منذ اليوم، إذ اقترح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ان يتمّ تصحيح الأجور في القطاع الخاص بالتزامن مع إقرار السلسلة.
في النتيجة، البلد على عتبة الدخول في دوّامة جديدة عنوانها كيفية ضمان حقوق الموظفين في القطاع العام، والحفاظ على القدرات الشرائية للمواطنين، وكيفية منع انهيار المالية العامة للدولة.
مافيا المشاعات
في هذا الوقت، تتعالى صرخات المواطنين في أكثر من منطقة لبنانية حول تنامي ما بات يسمّى بـ«الفلتان العقاري» التي تستغلّه مافيات تسيطر على مشاعات وملاك الدولة.
وعلمت «الجمهورية» انّ ثمة شكاوى عدة وردت الى مراجع سياسية وكتل نيابية من مناطق في الجنوب حيث تبلع «مافيات المسح» مساحات واسعة من هذه المناطق، وكذلك من البقاع والشمال وعكار (عدا الأقضية المسيحية الاربعة التي ينطبق عليها قانون مشاعات متصرفية جبل لبنان)، حيث أشار بعض المواطنين الى جبل بكامله «بَلعته» المافيات.
وتوضح مصادر المعلومات ما يجري، فتشير الى انّ الدولة لم تقم بمسح اراضي تلك المناطق منذ العام 1920، وهذه الاراضي كناية عن مشاعات للدولة وملكيّات للمواطنين، ومن هنا قامت مديرية الشؤون العقارية، منذ مدة بتلزيم شركات مساحة عملية مسح القرى في المناطق المذكورة لقاء 100 مليون ليرة للبلدة الكبيرة و90 مليون ليرة للبلدة الصغيرة.
تضيف المصادر: الشركات المذكورة تقاضت مئة مليون ليرة لقاء أتعابها، ولكن مع بدء عملية الفرز التي بدأتها بالتعاون مع المخاتير والاهالي، تبيّن انّ ملكيات المواطنين مثبتة بـ«حجج» قديمة، الأمر الذي استغلّه بعض تلك الشركات بالتواطؤ مع بعض المخاتير والنافذين في تلك المناطق، وبدأت تحدّد الحدود العقارية للملكيات لمَن يدفع اكثر، إذ انها وخلافاً للقانون أخذت تتقاضى مبالغ مالية من المواطنين القريبة أملاكهم من مشاعات الدولة، تتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف او اربعة آلاف دولار، الى أن وصلت المبالغ الى ملايين الدولارات.
حيث يتمّ المسح بناء على «الحجّة» القديمة فيقضم مئات الدونمات من املاك الدولة ويجري ضمّها الى المساحة المحددة قبلاً في الحجة المذكورة، ونتيجة لذلك ضاعت على الدولة آلاف الدونمات من المشاعات، توزّعت بين 200 دونم في إحدى القرى، و300 في قرية ثانية و500 في ثالثة تِبعاً لحجم الدفع.
والأسوأ من ذلك، كما تكشف المصادر، تعاطَت بعض الشركات المذكورة بطريقة ابتزازية مع بعض القرى، اذ انها أجرت عمليات المسح من دون ان تثبت «تنشئة المنازل» القائمة أصلاً على الاراضي الممسوحة، وهذا الأمر يرتّب أعباء مالية كبيرة على المواطنين لتثبيت تنشئة منازلهم، وثمّة نماذج فاقعة في الجنوب ولا سيما في بلدات الغندورية وكفردونين، ووادي الحجير حيث وضع البعض أيديهم على غابات ومساحات شاسعة من مشاعات الدولة، وكذلك في بلدة القوزح التي لم يسلم وقف الكنيسة فيها حيث تمّ السطو عليه وسجّل باسم بعض النافذين. والأمر نفسه حصل في فنيدق حيث تبلغت جهات نيابية بعملية سطو على جبل بأكمله مساحته عشرات آلاف الدونمات لصالح بعض النافذين.
وبحسب المصادر، فإنّ عنصر الخطورة الاضافي في الأمر يكمن في انّ الشركات تحجب المعلومات والخرائط التي تضعها عن البلديات، لأسباب غير معلومة، على رغم أنّ هذا المسح الذي أجرته قد أدى الى خلق مشكلات اجتماعية وإرباكات كبيرة في عدد من القرى وخلافات حادة بين الاهالي جرّاء قضم أملاكهم المعروفة تاريخياً وإلحاقها بأملاك آخرين كحق لهم، الأمر الذي رَتّب دعاوى كثيرة أمام القضاء المختص.
علماً انّ هناك بعض المتعهدين بأعمال المساحة التزموا قرى منذ مدة تصِل الى عشر سنوات ولم تنجز بعد، ومع ذلك لا أحد يسأل لماذا هذا التأخير، ومع ذلك يتمّ تمديد المهلة لهم مع دفع قيمة الاتعاب ذاتها في كل مرة.
من المسؤول؟
اذا كانت شركات المساحة المعتمدة أو بعضها هي المسؤولة عن هذا الفلتان، فإنّ مسؤولية منعه ووضع حدّ له تقع على الدولة بمؤسساتها ووزاراتها المعنية، وعلى وجه الخصوص وزارة الداخلية التي في مقدورها اتخاذ إجراءات رادعة في حق المخاتير والبلديات المتواطئة في هذا الفلتان، وتقع ايضاً على القوى السياسية النافذة في تلك المناطق التي تغمض العين أو تغطّي تلك الظاهرة.
واستفسرت «الجمهورية» وزارة المالية حول حقيقة ما يجري، فأكدت انّ اولوية الوزارة هي منع هذه الظاهرة، وهي تولي هذا الملف اولوية استثنائية. وانّ الوزير علي حسن خليل اتخذ في الآونة الاخيرة إجراءات رادعة بحق بعض المتورطين وأحال ثلاثة منهم الى التحقيق.
وعلم في هذا الاطار انّ هذا الملف وُضع مؤخراً في عهدة النيابة العامة المالية وكذلك النيابة العامة التمييزية، وجرى تواصل مباشر في هذا الشأن بين النائب حسن فضل الله وبين النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود اللذين أكّدا له إيلاء هذا الامر الاهمية الكبرى، وشدّدا على انّ في إمكان المواطنين المتضررين إقامة الدعاوى القضائية لاسترداد حقوقهم ومعاقبة المتورطين.
وقال فضل الله لـ«الجمهورية»: «نحن أمام قضية وطنية بامتياز، تتصل بأملاك الدولة وحقوق المواطنين. وسبق أن ناقشنا هذا الموضوع في لجنة المال عندما تبيّن انّ الحكومة زادت 15 مليار ليرة على قانون برنامج «التحديد والتحرير» لتلزيم شركات المساحة مَسح المناطق غير المشمولة بالمسح سابقاً».
أضاف: «تبيّن لنا انّ هناك مشكلات كبرى في هذا الملف جرّاء عدم التزام بعض المتعهدين الكثير من المعايير القانونية ودخول عوامل فساد حقيقية في هذا الملف، منها ما يتعلق بحقوق المواطنين ما سَيولّد مشكلات اجتماعية كثيرة، ومنها ما يتعلق بأملاك الدولة والتي تبيّن لنا انّ هناك من يضع اليد عليها من خلال تزوير المستندات او من خلال الرشاوى المالية لتسجيل هذه الاملاك لمنافع شخصية.
الخطورة في هذا الموضوع انّ التمَلّك بعد المسح يصبح بسندات رسمية بخلاف ما هو حال التعديات على الاملاك البحرية او على بعض المشاعات التي أنشأ عليها مواطنون منازل في السابق، لأنّ ملكية الارض هنا لا تزال للدولة».
وسئل فضل الله عمّا أوجب إثارة هذا الموضوع في الوقت الحالي وليس قبل الآن؟ فأجاب: «لقد سبق وأثرتُ هذا الموضوع في مؤتمر صحافي، اولاً لأنه مرتبط بمناقشة الموازنة العامة، وثانياً لأنّ شركات المساحة بدأت بتحويل ملفاتها الى القضاة العقاريين للبَتّ فيها ومن هنا رفعنا الصوت قبل أن يبتّ القضاة العقاريون بهذه الملفات ولمنع هذا الفلتان لا بل هذا الاعتداء الخطير».
ورداً على سؤال آخر قال: «هذا الملف هو خارج ايّ اعتبار سياسي، ونرفض ايّ تغطية لأيّ متورّط ايّاً كان، هذا أمر لا نقاش فيه، هو أمر يعني كل المناطق وبالتالي يفترض ان يتّخذ بحق المتورطين الإجراء القضائي اللازم وان يستعاد كل شبر أرض تمّ السطو عليه».
الملف السياسي
سياسياً، ظل القانون الانتخابي بنداً اساسياً في جدول البحث السياسي حول كيفية تطبيقه، والتحضيرات التي تجريها الأطراف للدخول في فضاء هذا القانون ومحاولة الحصول على أجوبة وتوضيحات حيال بعض التفاصيل التي ما زالت غامضة فيه.
ويتزامن ذلك مع تقديرات سياسية حول مباشرة وزارة الداخلية الإعداد في فترة غير بعيدة لإجراء انتخابات فرعية لملء المقعد الماروني الشاغر في كسروان والمقعدين الارثوذكسي والعلوي الشاغرين في طرابلس، وهو ما أشار اليه بري أمام وفد نقابة الصحافة قبل ايام.
وقد يكون هذا الموضوع من ضمن جدول اعمال اللقاء الاسبوعي الذي سيعقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يزور القصر الجمهوري اليوم.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ «خريطة الطريق المطلوب اعتمادها اليوم، أي بعد إقرار قانون الانتخاب، يجب ان تكون مثلّثة الأضلاع:
الضلع الأول، الحفاظ على الاستقرار السياسي وتحصينه من خلال تحييد لبنان وإبعاده عن سياسة المحاور في مرحلة تشهد تحولات وتغييرات من الأفضل للبنان أن ينأى بنفسه عنها، خصوصاً انّ السياسة الحالية أثبتت جدواها وأدّت إلى انتظام عمل المؤسسات وجَنّبَت لبنان التعطيل، ولا مصلحة لأحد في جَرّ لبنان إلى انقسامات ومتاهات تدفعه إلى الانزلاق نحو الفوضى.
الضلع الثاني، الإنكباب على الملفات الحياتية للخروج بإنجاز أو أكثر على غرار الإنجازات السياسية وفي طليعتها قانون الانتخاب، خصوصاً انّ تداعيات الانكماش الاقتصادي كانت آثاره سلبية على البلد وأهله.
الضلع الثالث، التهيئة للانتخابات وصولاً إلى مجلس نواب جديد يعكس للمرة الأولى منذ العام 1990 التوازنات السياسية الفعلية في البلد، ويمهّد لتأليف حكومة على أساس التوازنات النيابية تساهم في تدعيم مؤسسات الدولة، وتطلق دينامية وطنية جديدة».
ورأت المصادر «أنّ التجربة أثبتت انّ مساحة الإنجاز ممكنة في ظل التوازنات الجديدة القائمة، وبالتالي لا يجب هدر الوقت، بل الانكباب على العمل تحقيقاً لمزيد من الإنجازات بعيداً عن الثقافة التيئيسية المعلومة الأهداف».