عادت نور من أسوج للمشاركة في الاحتفال بزفاف شقيقها، فأنهت رصاصة طائشة حياتها، وهي مستلقية في سرير ببيت جدها في بلدة ايعات البقاعية!
اللازمة نفسها أسبوعياً، رصاصة طائشة تنهي حياة أحدهم، والجاني حر طليق، من دون اي محاسبة، بينما التحقيقات تقفل في لحظتها.
هذه المرة كان دور نور نون، ابنة الـ26 عاماً التي عادت من أسوج قبل 13 يوماً لحضور زفاف شقيقها الذي كان مقرراً في السابع من تموز المقبل، إلا أن التاريخ المميّز للزفاف تحوّل جنازة بسبب رصاصة مجهولة المصدر اخترقت نافذة غرفة نومها في بلدة ايعات البقاعية لتنفجر في قلبها وتنهي رحلة المعاناة التي لازمتها منذ سنوات طويلة بسبب المرض الجسدي الذي لازمها واستلزم جولات علاج متتالية.
نور التي سافرت مع عائلتها قبل 15 سنة الى أسوج لتلقي العلاج، حيث أكملت حياتها بشكل طبيعي في بلد يحترم الانسان وذوي الحاجات بشكل خاص، انتهت حياتها في بلدها الأم بسبب التفلت الأمني، وختم التحقيق بسرعة موقعاً من الجهات المختصة "رصاصة طائشة"، كما أفادت مصادر العائلة والأمن.
في الحي حيث أقيم العزاء، اتشح الجميع بالسواد، ولسان الحال تحميل الدولة المسؤولية والمطالبة بمعرفة القاتل ومحاكمته، والا تصنّف وفاة نور في خانة القضاء والقدر، فلا "القضاء" تحمل مسؤوليته كما الحال في عشرات الجرائم الأخرى، ولا القدر يقبل ان تنتهي حياة فتاة تتحضر لحضور زفاف شقيقها في أول ايام عيد الفطر.
في منزل ذويها في منطقة برج البراجنة، اختار الأهل دفن ابنتهم بهدوء بعيداً من الاعلام، فالعديد من الوسائل الاعلامية حاولت التواصل مع العائلة لتصوير الجنازة والوقوف على رأي العائلة، إلا أن الجواب كان بحسب الأقرباء "اي كاميرا بتجي بتتكسر"، ومن يريد تقديم واجب العزاء، فأهلاً وسهلاً به.
ثقافة اطلاق النار أثناء الدفن حاول البعض تطبيقها قبل دفن نور في جبانة البرج، إلا أن طلب الوالد من الاصدقاء احترام رغبته في عدم اطلاق النار حال دون ذلك، فابنته رحلت بسبب الرصاص الطائش، وهو لا يرغب في الوقت نفسه ان تطبق تلك العادة وتفقد عائلة اخرى احد افرادها بسبب تقاليد اقل ما يقال عنها إنها ميليشيوية.
العائلة المفجوعة بفقدان ابنتها، لا تزال تحت تأثير الصدمة، فالعرس تحوّل جنازة بسبب رصاصة طائشة اخترقت شباك غرفتها، وبحسب الطبيب الشرعي فإن الرصاصة أطلقت من مسافة لا تتجاوز 250 متراً. ورغم تأكيد الأهالي أن لا اشكال امنياً حصلَ في المنطقة ولم يسمع في الوقت نفسه اي اطلاق نار، إلا ان الطلقة أنهت حياة شابة ذنبها الوحيد انها عادت الى الوطن موقتاً للفرح لا اكثر.
القضية التي لم تثر إعلامياً كما يجب، بسبب التكتم الشديد من الأهل، رسمت العديد من علامات الاستفهام عن الأسباب الحقيقية للتكتم، حيث رجح بعض الاقرباء والاصدقاء ان يكون السبب رغبتهم في أن لا تتحوّل نور الى "سكوب"، او انهم يفضلون ابقاء الحزن بعيداً من عدسات الكاميرات، بينما رجح البعض ان يكون لبلدهم الثاني أسوج علاقة بالموضوع، خصوصاً ان الشابة من ذوي الحاجات الخاصة، مستبعدين في الوقت نفسه نظرية افتراضية تحدث عنها البعض، أن الفتاة قتلت عن سبق اصرار، فشباك نافذة غرفتها الممزق هو الشاهد الأول والاخير على ان الرصاصة اطلقت من الخارج. علماً ان تقرير الطبيب الشرعي حسم عدم حصول جريمة.
أهالي بلدة ايعات لا يعرفون شيئاً عن الشابة او أهلها سوى انهم يأتون الى البلدة مرة أو مرتين سنويا، كذلك يجهل معظمهم ملابسات الحادث، فقد تناقلها الأهل عبر رسائل "واتساب"، وبعد ساعات من وقوع الجريمة، حتى ان اعضاء البلدية يتناقلون الكلام المتداول على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن فقدان فتاة في القرية اول ايام العيد، لا اكثر.
رغم ان القضية لها خصوصية عائلية، والحزن لا يصيب الا صاحبه، إلا ان نور ليست الأولى ولن تكون الاخيرة في بلد أصبح فيه القتل العشوائي الخبر الأساسي للحياة اليومية اللبنانية، والسكوت عن الأمر، مهما كان السبب، يطرح علامات استفهام عن حياة أشخاص تفقد بلا رادع، بينما الأهل يفضلون التكتم الشديد عن الجريمة، وهو ما حصل في العديد من الجرائم السابقة حيث فضّل الأهل انهاء الملف إما خشية من سلطة السلاح وحل القضية "حبياً"، وإما لأخذ الثأر بعيداً من سلطة الدولة، او كما في حالة نور حيث فضل الأهل الصمت وترك الملف للدولة (أقله حتى هذه اللحظة).