يرتفع التوتر على الحدود السورية التركية وسط تعزيزات عسكرية تركية مستمرة، سواء على الحدود، أو في مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، المنضوية في غرفة عمليات "درع الفرات"، وذلك بالتزامن مع تصريحات تركية تهدد بتوسيع التدخل التركي العسكري ضد قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. لكنها تصريحات لا توحي بإمكانية التدخل السريع، بقدر ما تنذر بوجود خطط ونية لمحاولة الاستفادة من التوتر ــ الأميركي ــ الروسي القائم.
وتأتي هذه التطورات في إطار إعادة التموضع التركي الحذر للغاية، والذي تعزز مع الحملة ضد قطر، وإعلان أنقرة انحيازها لحليفتها الاستراتيجية الدوحة التي ساندتها أثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة، ليرد المحور السعودي - الإماراتي بالميل نحو الأكراد، سواء من خلال دعم الاستفتاء على تقرير المصير الذي أعلنت عنه سلطات إقليم كردستان العراق، أو من خلال تحسين صورة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، في الإعلام المدعوم من محور الرياض - أبوظبي، وصولاً إلى تغطية إعلامية لتقدم قوات "الاتحاد الديمقراطي" في مدينة الرقة، من خلال تسليط الضوء على "قوات النخبة"، المحدودة العدد، بقيادة رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق، أحمد الجربا، المدعوم من أبو ظبي.
كل ذلك دفع بتركيا وإيران إلى تعزيز تعاونهما لمواجهة ما يعتبرانه خطراً وجودياً على وحدة أراضيهما، سواء من خلال تقسيم العراق وإعلان دولة كردية تحت رعاية الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود البرزاني المعادي لطهران، أو فرض الفدرالية السورية برعاية "العمال الكردستاني"، بما يشرعن وجود الأخير تحت اسم جناحه السوري على كامل الحدود التركية - السورية. وإضافة إلى التوافق التركي الإيراني بما يخص رفض الحصار المفروض على قطر، فإن إعادة التموضع التركي ترافق مع إعادة تموضع إيراني بدوره، وبالذات في الموقف من "الاتحاد الديمقراطي"، بعد أن بات الأخير الحليف الأول للأميركيين في المنطقة، وجزءاً رئيسياً من استراتيجيتهم الجديدة في سورية، القائمة على محاربة النفوذ الإيراني وتحجيمه، سواء من خلال السيطرة على الحدود العراقية السورية لمنع طريق الإمداد الإيراني عبر العراق وسورية نحو لبنان، أو من خلال إبعاد المليشيات ذات الولاء الإيراني من منطقة الجولان المحتل. وفي هذا السياق، بدت تصريحات السفير الإيراني في أنقرة، محمد طاهريان فرد، الأسبوع الماضي، لافتة لناحية تأكيده أن طهران ترى في كل من "العمال الكردستاني" و"الاتحاد الديمقراطي" تنظيمين إرهابيين، مشدداً على أنه "يجب على طهران وأنقرة التعاون لمكافحة الإرهاب والتطرف. إن هذا ضرورة وليس خياراً".
وقد يتم حسم سيناريوهات توسيع التدخل التركي في سورية على ضوء تطورات قد تكون وشيكة، سواء على مستوى معركة طرد تنظيم "داعش" من الرقة، وما سيليها من إثبات واشنطن لالتزاماتها بما يخص الوعود التي منحتها لأنقرة حول دور حزب الاتحاد الديمقراطي في إدارة مدينة الرقة، أو في سحب السلاح النوعي الذي أعطته إياه واشنطن، وهو ما يبدو أنها قد تراجعت عنه بالأمس، أو بما سينتج عن محادثات أستانة، الأسبوع المقبل، من اتفاقات بما يخص مناطق تخفيف التصعيد، وكذلك بما يخص تمكن واشنطن وموسكو من التوصل إلى تفاهمات بشأن مناطق النفوذ في سورية، وبالذات في البادية ودير الزور، بعد التصعيد الأميركي المفاجئ ضد النظام السوري، وتهديد البيت الأبيض بأن أي استخدام للسلاح الكيميائي من قبل النظام سيدفع ثمنه باهظاً. وهنا، تطرح ثلاثة سيناريوهات لتوسيع التدخل العسكري التركي في سورية: وكان السيناريو الأبرز لتوسيع التدخل التركي، حتى قبل أسبوع، يقضي بطرد قوات حزب الاتحاد الديمقراطي من مناطق ريف حلب الشمالي، التي سيطرت عليها بدعم من الطيران الروسي ولا زالت خالية من سكانها، في كل من تل رفعت ومحيط مطار منغ وغيرها، خصوصاً بعد التعزيزات العسكرية التي تم إرسالها إلى مناطق "درع الفرات" مع استمرار الاشتباكات بين الجانبين. لكن تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، جاءت لتضيف سيناريواً آخر في إطار اتفاق مناطق خفض التصعيد، يتمثل بإمكانية تقاسم الروس والأتراك لمناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وريفي حلب وحماة، عبر التدخل العسكري المباشر لضرب "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، بما يمنح الأتراك ميزة أخرى تتمثل بإطباق الحصار على منطقة سيطرة "الاتحاد الديمقراطي"، وبالتالي منح النظام ورقة قوة ضد الحزب، ستدفع الأخير لتقديم تنازلات للنظام في سبيل منحه خط إمداد إلى عفرين عبر مناطق سيطرته، وبالتالي فإن أنقرة ستكون مستفيدة بكل الأحوال عبر الحد من نفوذ "الكردستاني" في سورية. وبحسب الخطة، التي سربتها صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من الحكومة، أمس الثلاثاء، فإن تركيا ستكون المسؤولة عن الأمن في محافظة إدلب، التي باتت تضم أكثر من مليوني نازح هجرهم النظام وروسيا من مختلف الأراضي السورية.
وبحسب الخطة التركية المقترحة، التي سيتم اتخاذ القرار النهائي بشأنها في اجتماع أستانة في 4 و5 يوليو/تموز، فإن دخول الجيش التركي سيتم بالتعاون مع نحو 1500 إلى 2000 من عناصر الجيش السوري الحر، من ثلاثة محاور، بطول 85 كيلومتراً على طول حدود ولاية هاتاي (لواء إسكندرون)، وذلك بعمق 35 كيلومتراً، بدءاً من بلدة دارة عزة وقلعة سمعان في ريف حلب الغربي، وصولاً إلى خربة الجوز في محافظة إدلب على الحدود السورية. كما ستمتد مناطق السيطرة التركية إلى سهل الغاب في حماة، بينما ستدخل قوات روسية إلى باقي مناطق سيطرة المعارضة، بالتعاون مع بعض وحدات قوات النظام السوري. وأكد مصدر تركي مطلع، لـ"العربي الجديد"، أن المقترح التركي يصر على منع أي تدخل من قبل المليشيات ذات الولاء الإيراني في عملية إدلب، وذلك بينما سيستمر التواجد الرمزي للقوات الروسية في عفرين، على أن يتم أيضاً تناول وضع المناطق التي سيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي شمال حلب. في غضون ذلك، أصدرت "هيئة تحرير الشام"، أول من أمس، بياناً مطولاً، تجدد فيه رفضها لاتفاقات أستانة الخاصة بوقف التصعيد، متهمة تركيا "بالعمل على تجميد إدلب ليتفرغ النظام لتهجير الغوطة ودرعا والتقدم في دير الزور والبادية". وبموازاة ذلك، عادت صحيفة "يني شفق" مرة أخرى للحديث عن أن الجيش التركي يضع اللمسات الأخيرة على العمليات المزمعة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي غرب مارع، بالتعاون مع قوات الجيش السوري الحر. وبحسب الصحيفة فإن العمليات ستبدأ من محاور إعزاز وجبرين ومارع باتجاه الغرب، بهدف السيطرة على تل رفعت ومطار منغ العسكري الاستراتيجي، الذي يبعد عن إعزاز سبعة كيلومترات، مشيرة إلى أن بعض فصائل "الجيش الحر" المرتبطة بالأميركيين، والتي تواجدت في عملية "درع الفرات"، قد لا يكون لها دور في العمليات المقبلة.
يأتي هذا بينما صعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من خطابه ضد التعاون الأميركي مع قوات "الاتحاد الديمقراطي"، في أول أيام عيد الفطر، بقوله "من يعتقدون أنهم يخدعون تركيا بقولهم إنهم سيستعيدون لاحقاً الأسلحة الممنوحة لهذا التنظيم الإرهابي (حزب الاتحاد الديمقراطي) سيدركون بعد فوات الأوان أنهم ارتكبوا خطأ فادحاً"، في تشكيك واضح بالوعود التي ذكرها وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، لنظيره التركي، فكري إشيق، بحسب ما سربت وسائل إعلام تركية عن عزم واشنطن سحب جميع الأسلحة النوعية التي منحتها الولايات المتحدة للحزب. وجاء تشكيك أردوغان في مجله، إذ عاد ماتيس، أمس، وترك الباب مفتوحاً أمام احتمال تقديم مساعدة لأمد أطول لوحدات "حماية الشعب الكردية" في سورية، قائلاً إن "الولايات المتحدة ربما تحتاج إلى إمدادها بأسلحة ومعدات حتى بعد استعادة الرقة من تنظيم داعش". وأضاف ماتيس، للصحافيين أثناء سفره بالطائرة إلى ألمانيا عندما سئل عن استرداد الأسلحة، "سنفعل ما بوسعنا"، لكنه أشار إلى أن مقاتلي الوحدات الكردية مسلحة بشكل جيد حتى قبل أن تقرر الولايات المتحدة تقديم المزيد من المعدات لهجومها على الرقة. وعما إذا كانت وحدات "حماية الشعب الكردية" ستعود إلى مستويات التسليح لما قبل خوض معركة الرقة بعد انتهاء القتال، قال ماتيس "حسناً، سنرى. هذا يعتمد على المهمة التالية. أقصد ليس الأمر وكأن القتال سينتهي بعد استعادة الرقة". وقال "سنسترد (الأسلحة) أثناء المعركة ونصلحها. عندما لا يحتاجون إلى أشياء محددة سنستبدلها بشيء يحتاجونه". وأضاف أردوغان "كما حررت القوات التركية بالتعاون مع الجيش السوري الحر 2000 كيلومتر شمالي سورية، فإنها ستفعل الشيء نفسه في الفترة المقبلة". تصريحات أردوغان أعادت إحياء سيناريو آخر قديم، يتمثل في إمكانية دخول قوات الجيش التركي إلى مدينة تل أبيض لطرد "الاتحاد الديمقراطي" منها، ليرد المسؤول الإعلامي في مجلس منبج العسكري، الموالي لحزب الاتحاد الديمقراطي، أحمد المحمد، بأن أرتالاً عسكرية أميركية ستنتشر في تل أبيض لمنع الأتراك من الدخول، من دون وجود أي تصريحات أميركية في هذا الشأن. وتزامن ذلك مع عزل قوات "الاتحاد الديمقراطي" لواء ثوار الرقة عن معركة الرقة بعد التضييق عليه لما يقارب العام، رغم أنه يمثل أهل المحافظة العرب، وقد أدى دوراً رئيسياً في مساندة حزب الاتحاد الديمقراطي أثناء حصار مدينة عين العرب من قبل تنظيم "داعش" في أكتوبر/تشرين الأول 2014، لتقوم قوات "الاتحاد الديمقراطي"، يوم أمس، باعتقال أحد قيادات الفصيل في بلدة الكرامة شرق الرقة.
باسم دباغ