شكّل التنافس على السلطان بين المسلمين في القرون الماضية محوراً أساسياً للكثير من النشاطات المذهبيّة العقائديّة منها والفقهيّة، وغالباً ما كان النشاط المذهبي يقترن بنشاط سياسي وعسكري للوصول إلى السلطة، أو للدفاع عنها في وجه خصومها، حتى أن بعض المذاهب أُسست بذهنية الوصول إلى السلطة، أو الدفاع عنها.
ورغم كثرة المذاهب الإسلامية المنقرض منها والباقي، فإنّ المذاهب المشهورة لأهل السنة والشيعة إحتلت الموقع المتقدم في هذا الصراع.
إقرأ أيضا : مراهقة السياسة وعذابات الطفولة
وبشكل عام نادراً ما إبتعد الصراع السياسي بين المسلمين عن هذين المذهبين، ومع شدة التنافس على الدنيا وسلطانها كان يحتدم الصراع المذهبي العقائدي والفقهي والتاريخي بين أتباع هذه المذاهب، وكان يجتهد فقهاء السلاطين لإقناع أتباعهم بجواز قتال أبناء المذاهب الأخرى، ولا يتورعون في سبيل ذلك عن الإفتاء بتكفير الخصوم حتى لا يتردد الموالون عن الخوض بدماء المسلمين.
وقد ٱستُخدمت في سبيل ذلك الكثير من مبتكرات الشيطان وأعوانه، وتم التلاعب بتفسير القرآن، وتأويله بما يتناسب والأهواء السياسية، ووُضعت الكثير من الأحاديث على لسان رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلّم}، وأهل بيته وأصحابه.
ومع تباعد المسلمين عن بعضهم، وكثرة تناحرهم، وإقتتالهم على حطام الدنيا ومتاعها الزائف، إزدادت النفرة بينهم والرغبة بالتباعد والتميّز، ولو بخلق فواصل دينية تشعرهم وكأنهم أتباع أديان متباينة، وهو ما يفسر الكثير من مظاهر الإنحرافات الخطيرة في الإسلام، وإسقاط شعائره الشريفة، وأركانه المقدسة، وإبتداع بعض الطقوس والعادات الغير شرعية، وتجاوزت خلافاتهم كل الحدود، وأسقطت كل المحرمات، وأباحت كل المحظورات، وخالفت في كثير من الأحيان صريح القرآن الكريم، ومسلمات العقيدة الإسلامية.
لهذا كله نجد أنفسنا اليوم أمام الكثير من البدع المحرمة التي يلتزم بها بعض أبناء المذاهب الإسلامية، وباتت عندهم من أسس الإيمان بالله، والإلتزام بشرعه الشريف، ولو أردنا أن نفصل ذلك لاحتجنا إلى عشرات المجلدات لكثرة هذه البدع والإنحرافات.
إقرأ أيضا : علي شريعتي ... الرجل الذي أقلق راحة العمائم الدينية في حياته ومماته
وفي هذه المناسبة ننصح المسلمين والمسلمات من كل المذاهب والتيارات بدون إستثناء كما نصحهم الإمام جعفر الصادق أن لا يأخذوا بما سمعوه من مصادر أرباب المذاهب دون تمحيص وتدقيق، ودون عرضه على القرآن الكريم، والسنة الصحيحة خاصة فيما يتعلق بالمسائل الخلافية بينهم، ولن يكون المسلم ممّن ينشد الصواب والحكمة إذا اعتقد أنّ ما بيده هو الحقيقة، وما بيد غيره هو الضلال تعصباً لمذهبه، وانحيازاً لجماعته، فإنه بذلك يكون مورداً لقوله تعالى [فتقطعوا أمرهم بينهم زُبُراً كل حزب بما لديهم فرحون] (صدق الله العظيم).
وقد إستحكم النزاع بينهم حتى في ظل أصعب أيام الإسلام والمسلمين، وأخطر مراحل الغزو الخارجي الذي تعرضت له الأمة، كما حصل مع إجتياح جنكيز خان للعالم الإسلامي، ومحاولته إبادة الأمة، وكما وقع أيام الغزو الصليبي وسقوط القدس بيد الأفرنجة، وكذلك حين إجتاحت قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى المنطقة، حيث وجد هؤلاء من أبناء الأمة الإسلامية من يرحب بهم ويقف معهم ويدعمهم وينصرهم.
وحتى لا نذهب بعيداً ونلقي اللوم على الماضين فقط فإن في حاضر الأمة ما هو أشنع من الماضي.