اعتاد الشيخ ياسر عودة، منذ سنوات، أن يكون في دائرة الاستهداف بسبب مواقفه السياسيّة والدينيّة، خصوصاً من الأوساط الحزبيّة والروحيّة التي تنتمي إلى حزب الله أو تدور في فلكه. واتخذ هذا الاستهداف أشكالاً مستترة، من نميمة الجلسات المغلقة بشكلٍ منظّم إلى الضغط المستمر على مؤسسة السيّد محمد حسين فضل الله وقناة الإيمان لتهميش عودة وحتّى إقصائه.
الخلاف مع عودة يرجع إلى مواقفه "الناريّة" في قضايا عديدة، أبرزها موقفه المؤيّد لمطالب الحراك، إضافةً إلى مواقف دينيّة قاسية ضد إلتحاق رجال الدين بالسلطة ورجالها والخرافات التي تم إلحاقها بالنصوص الدينيّة، وكذلك ضد التمذهب السنّي- الشيعي، والمبالغة في الإنفاق على الصروح الدينيّة، في مقابل إهمال الفقر والحرمان.
عودة وقع في دائرة الاستهداف علناً هذه المرّة، تحت عنوان "الإساءة إلى الرسول محمد". فتم استعمال الفيديو الذي يقول الشيخ إنّه مجتزأ من محاضرة لم يسمع محتواها الكامل أغلب الذين قاموا بهذه الزوبعة في وجهه.
قابلت "المدن" الشيخ ياسر عودة، وطرحت عليه أسئلة عن الفيديو وقضاياه المختلفة التي يبدو أنّها جعلته هدفاً مرصوداً لدى كثيرين.
هكذا، تم اجتزاء الفيديو
يشرح الشيخ عودة أنّ الفيديو الذي تمّ تداوله كان في سياق محاضرة طويلة، تناولت في جزء منها وعود البعض للناس بالذهاب إلى الجنّة في حال القيام بأعمال معيّنة مثل زيارة الأماكن المقدّسة أو العزاء. فـ"أين أهميّة الأعمال الأخرى في هذه الحالة؟ ومع الأسف، أنت تأتي بكل الأدلّة، ليقوم البعض باجتزاء الكلمات".
وفي هذا الشق من الحديث بالذات إستشهدت المحاضرة بأقوال نبويّة مختلفة للوصول إلى أنّ "الرسول نفسه لا يضمن الجنّة من دون عمل". وعلى أي حال، يعبّر عودة عن خيبته مما جرى من إجتزاء. " ما حصل يعبّر عن عدم وجود مراعاة للبهتان والكذب وحتّى قبول الآخر. فالمجتمع أصبح منغلقاً على بعض الأفكار التي توارثها وأخذها، خصوصاً من بعض الخطباء مع الأسف".
ويعتبر عودة أنّ ما حصل "حملة مبرمجة لإسقاطي وفصلي عن شيء إسمه نهج السيّد محمد حسين فضل الله". وهو يؤكّد أنّ ما جرى لا يمكن فصله عن مواقفه في الدين والسياسة، إذ يتعرّض منذ 8 سنوات إلى هجمات مختلفة بسبب هذه المواقف، "خصوصاً أنّ هذه الكلمة لم تكن تستدعي كل هذه الهجمة المبرمجة". ويختم جوابه قائلاً: "ربما يخافون من تكرار ظاهرة السيّد محمد حسين فضل الله".
عن المذهبيّة والعصبويّة
يؤكّد عودة أنّ المنهج الطائفي أو المذهبي منهج عصبوي. فـ"اليوم نحن نّشد بالعصبيّات الطائفيّة والشخصانيّة، ولا نُشد بعصبيّات الدين بمعنى الفكر والقرآن". ويعدد عودة مجموعة من الأقوال والآيات التي تؤكّد تناقض هذه العصبويّات مع الإسلام.
ويكمل: "أنا قرآني، هذا منهجي، منهجي لا التشييع ولا التسنن. فالتشييع أو التسنن مناهج فكريّة تريد أن تفهم الإسلام بهذه الطريقة أو تلك الطريقة. أمّا أنا فأفهمه بهذه الطريقة كوحدة وككل لا يتجزّأ، والمذهبيّة لا تعني لي شيئاً".
أمّا عن خلفيّة موضوع التمذهب في الإسلام، فتقع في رأي عودة تاريخيّاً "في السياسيين الذين استغلوا الدين للوصول إلى غاياتهم، ووجدوا مطيّتهم في من يكتب لهم الأحاديث". ففي زمن الأمويين كُتبت أحاديث لمصلحة بني أميّة، وفي زمن العبّاسيين كذلك، وحتّى بعدهم في زمن البويهيين وهي التي كانت تُعتبر دولة شيعيّة. هكذا، في كل زمان، وفي كل من تلك الحقبات كان السياسيون يقفون خلف تلك القضايا.
يضيف: "مع الأسف، وجدت السياسة دائماً في رجال الدين الدعم للسلطة. أنظر في زماننا، هل يوجد سياسي من دون رجال دين حوله؟". لذلك، ينهي عودة كلامه بالحديث: "إذا وجدتم العلماء على أبواب الزعماء فبئس العلماء وبئس الزعماء!".
أين رجال الدين؟
يوافق عودة الإنطباع السائد بابتعاد رجال الدين بأدوارهم عن هم الناس وقضاياهم اليوميّة. في رأيه، "كثير من رجال الدين يقعون تحت نير حاجاتهم، ولا يتحملون الضغوط. فيخافون الموجودين في السلطة والإكليروس الديني. ويخافون حتّى من فقدان الراتب. فأفكاري هي أفكار كثير من المشايخ الذين لا يجرؤون على النطق برأيهم". لذلك، "تجد الأغلبيّة منهم مع الجو العام، وقلّة منهم المصلحون الذين لا يراعون الحسابات. فأين هم من أزمة الدواء والكهرباء والنفايات والفقر وغيرها من الأزمات؟".
المؤسسات الدينيّة الرسمية: لا سند دينياً
ينفي عودة أن يكون للمؤسسات الدينيّة الرسميّة أي نص ديني يؤيّد وجودها، وحتّى المرجعيّات الدينيّة بالنحو المطروح الآن تشكّلت منذ أقل من 150 سنة. "كل ما في الأمر أنّ هذه المؤسسات الدينيّة الرسميّة هي عبارة عن تنظيم للصوت الديني لمصلحة الدولة والسلطان. وأنا لا أفهمها بغير ذلك أبداً".
قمر العيد: أين الاختلاف؟
يشرح عودة أن الطريقة المعتمدة لإعلان العيد لدى السنّة والشيعة (باستثناء السيّد محمد حسين فضل الله) تقوم على الرؤية البصريّة للهلال، بالعين. أمّا الخلاف داخل كل من الشيعة والسنّة أنفسهم فهو بشأن إعتماد أحد مفهومي وحدة الأفق أو تعدّد الأفق.
ويقوم مفهوم وحدة الأفق على تشارك الدول التي تشترك في ليل واحد ولو جزئيّاً في إعلان العيد عند رؤية القمر في أي منها، فأينما رؤي في أي بلد منها، تثبت في كل الدول هذه. أمّا تعدد الأفق فيعني مراقبة القمر وإنتظاره في كل من هذه الدول بشكل منفصل. ويسأل عودة: "في كل الحالات، لماذا لا نثق ببعضنا؟ فلنفترض أننا اعتمدنا أحد المفهومين، لماذا لا يكتفي المراجع والهيئات الدينيّة بشهادة المرجع الآخر عند رؤية القمر؟".
يخلص عودة إلى رأيه الذي يقوم على ضرورة خروج الجميع من هذا اللغط، واعطاء المسألة للمختصين فيها من أهل الخبرة العلميين. فالهلال ليس من خبرة المشايخ، بل له أهل اختصاص قادرين على احتساب ساعة ولادته بالظبط. ومن المعلوم أنّ هذه الطريقة في اعتماد علم الفلك لاحتساب وقت ولادة هلال العيد هي المعتمدة في اجتهاد السيّد محمد حسين فضل الله.
الشيخ الاستثناء
يقل أن ترى رجل دين يواجه بهذا الشكل. فيرفض صيغة المؤسسات الروحية الملحقة بالسلطة، ورجال الدين الساكتين عن هموم الناس، ويرفض التمذهب في الدين صراحةً ولا يقبل تصنيفه في أي منهج طائفي. وبينما يرتفع صوت ياسر عودة، يزداد الاهتمام بآرائه، سواء أكان من فيديوهاته في المسجد أم البرامج التلفزيونيّة، ليكرّس صورة رجل الدين المختلف. فإلى أي حد سيتضاعف الضغط على ياسر عودة؟ وإلى أي حد سيصمد؟