لا يزال الالتباس يرافق التطورات العسكرية على الحدود السورية العراقية. يصرّ حزب الله على أنه استطاع وصل البلدين وتأمين ممر إستراتيجي من طهران إلى بيروت، بعكس الادعاءات الأميركية بأنها ستقطع الطريق وستضع حدّاً لسيطرة إيران عليه. من أربعة محاور تشنّ القوات الإيرانية وحزب الله والجيش السوري حملات العسكرية باتجاه الشرق السوري، أهمها من ريف حمص في اتجاه البادية، وكان آخرها، الكمين الذي تعرض له حزب الله من قبل تنظيم داعش، وأدى إلى مقتل عنصرين من الحزب وأسر عنصر ثالث، ما لبث التنظيم أن أعدمه. في موازاة ذلك، بدأ النظام السوري وحزب الله حملة عسكرية واسعة على درعا، وبحسب ما تقول مصادر متابعة فإن هذه المعركة لن تتوقف، وهي ستفرض شروطاً جديدة من جانب النظام وحلفائه على طاولة المفاوضات في آستانة 7.
يعلم حزب الله أن هناك مناقشات دولية تجري لأجل تثبيت مناطق النفوذ في سوريا. ويعتبر أن منطقة النفوذ الإيراني أصبحت مؤمنة ولا يمكن لأحد إزاحة إيران عن الساحة السورية. ويربط هذا الكلام، بما يُحكى عن ترتيب دولي للوضع في درعا بالتنسيق بين الأردن والولايات المتحدة، وترتيب الوضع في شمال سوريا وتحديداً في إدلب بين الأتراك والروس. وتقسيم مناطق النفوذ هذا، سينعكس إيجاباً على التوجه الإيراني في سوريا، خصوصاً في ضوء ما تعتبره المصادر تقاسماً للنفوذ والمناطق على الحدود السورية العراقية بين طهران وواشنطن برعاية روسية.
وهنا تعتبر المصادر أن الإستراتيجية الأميركية غير الواضحة في سوريا، أدت إلى سيطرت إيران على المناطق المشتركة بين سوريا والعراق، فيما واشنطن تحاول فرض شروط على الإيرانيين وحلفائهم، ولاسيما عدم الإقتراب إلى معبري التنف والزكف، اللذين تم تحويلهما إلى قاعدتين عسكريتين أميركيتين. أما المناطق الأخرى فلا يبدو أن هناك مسعى أميركياً لمواجهة إيران فيها.
لا شك في أن الإيرانيين يبالغون بهذا التهليل للسيطرة على ذلك الممر، ولفوائدها الإستراتيجية، لكن مما لا شك فيه أيضاً أنه لا يمكن للإيرانيين السيطرة على هذه المنطقة وتوفير الممر من دون توافق روسي أميركي، ومن دون توفير غطاء جوي روسي للقوات الإيرانية التي تريد الاحتفاظ بذلك الممر. لأن الأهم من ذلك، ليس الإلتقاء بين حدود البلدين، إنما هو تثبيت المواقع وجعل هذه المنطقة والممر آمنين وثابتين وغير معرّضين للنيران. وتشير المصادر إلى أن الغاية من السيطرة على هذا الممر، ليست تمرير الأسلحة إلى لبنان، إذ لم يعتمد الإيرانيون المناطق البرية لتمرير الأسلحة والأموال لحزب الله في لبنان. وحين كانت تمر المساعدات العسكرية إلى حزب الله، كانت تصل جواً إلى سوريا ومنها إلى لبنان، خصوصاً في ظل حكم صدام حسين. إنما الهدف من ذلك معنوي وسياسي، وربما إقتصادي يتعلق بالنفط الإيراني في المرحلة المستقبلية.
هي حرب الرسائل. الرسالة الآن، معنوية إلى حد كبير، لتأكيد أن الهلال الإيراني أصبح ثابتاً، رغم كل المواجهات، ورسالة إلى الدول العربية والخليجية خصوصاً بأن محاولات إزاحة إيران من سوريا وفيها ستبوء بالفشل، وبأن طهران تسيطر على ثلاث دول عربية. الضربة الأميركية لإسقاط المقاتلة السورية في دير الزور، هي رسالة أميركية ضد روسيا رداً على الهجوم في درعا، والرد الروسي جاء بتعليق العمل بالإتفاقية الأمنية مع الأميركيين في سوريا. ما دفع واشنطن إلى اتخاذ موقف متراجع.
أحد الخطوط الحمراء التي تضعها واشنطن بوجه إيران أيضاً، وعلى قاعدة تقاسم مناطق النفوذ، هي الرقة، المعقل الرئيسي لتنظيم داعش. بالتالي، هناك رفض أميركي لأن ترث إيران وحلفاؤها مناطق سيطرة التنظيم. وتقول المصادر: "فيما كان داعش يمتلك السيطرة على أكبر مساحة جغرافية في سوريا، تريد القوات الموالية لواشنطن تجاوز هذه البقعة. ما قد يعني لروسيا وإيران احتمال تقلّص مناطق نفوذهما، إذ ما زالا يعتبران أنه يجب إنتظار إتضاح السياسة الأميركية في سوريا، وأن سنة 2017 هي سنة إنهاء داعش، أما سنة 2018 فسنة إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة.
يستند من يعتبر أن واشنطن ستعمل في الفترة المقبلة على إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، إلى المشاورات الأميركية الروسية. ويقولون إنه رغم الإيحاء بأن التفاهم الأميركي الروسي يصب في خانة الوجود الإيراني ومصلحته، إلا أن ذلك سيكون مرحلياً. أما في المستقبل فإن ما تريده واشنطن هو استقرار النفوذ الروسي في غرب سوريا، وتحديداً في الساحل. ولكن، وفق ما يقول مطلعون على الأجواء الأميركية، فإن واشنطن لن ترضى بأن تحتفظ إيران بمناطق نفوذها. لكن ذلك لا يبدو واقعياً حتى الآن في الميدان.