شكلت مصافحة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب المردة سليمان فرنجية، الحدث الأبرز الذي أسفر عنه لقاء بعبدا التشاوري.
وإذا كانت مشاركة فرنجية في اللقاء قد جاءت بعد ضغوط من حزب الله، وتمت تغطيتها من قبل رئيس تيار المردة بالحديث عن موقع رئيس الجمهورية وبأن طريقة الدعوة كانت لائقة، إلا أنه لم يرشح عنها أي مؤشر يفيد بإعادة تمكين خيوط التحالف بين الطرفين المحسوبين على خط الممانعة.
في المقابل اتخذت مصافحة جعجع-فرنجية شكل ردم تاريخ طويل من العداوات، والشروع في تأسيس حلف سياسي وانتخابي، يحمل عنوان مواجهة طموحات الإقصاء التي يمارسها التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل ضد كل القوى المسيحية، حتى تلك التي يتحالف معها.
وكان حزب القوات اللبنانية قد أعلن استياءه من المنطق الاستئثاري الذي يمارسه التيار الحر في ما يخص التوظيفات والمواقع الإدارية، وأصدر تصريحات تفيد بأن التيار لا يعطي القوات شيئا في مجال الوظائف.
وأعلن مؤخرا نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة القواتي غسان حاصباني عن الشروع في بناء جسور مع تيار المردة، ولكنه لم يتطرق إلى أي تفاصيل إضافية.
وبدا الانسجام في المواقف بين المردة والقوات واضحا في ملف الكهرباء، إذ أن ممثل المردة في الحكومة وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس، كان من أشد المعترضين على خطة وزير الطاقة سيزار أبي خليل المنتمي إلى التيار الوطني الحر، حول استجرار الطاقة الكهربائية من خلال استقدام البواخر.
وأدى دخول المردة على خط التوافق مع وجهة النظر القواتية في ملف الطاقة الكهربائية إلى إعادة ملف الكهرباء إلى دائرة المناقصات لدراسته وإبداء الرأي فيه.
القوات عكس التيار
ويعتبر البعض أن القوات نجح في تسجيل عدة أهداف في مرمى التيار الحر، لأن النجاح في إعادة ملف الكهرباء إلى دائرة المناقصات يعني أن مقاربة التيار للملف لم تكن موفقة.
يضاف إلى ذلك أن تهم الفساد والهدر التي أطلقت على خلفية الكلفة الكبيرة للمشروع، والتي بلغت 8.1 مليار دولار، كرست مشهدية ثنائية مسيحية جديدة محاربة للفساد هي ثنائية القوات-المردة في مواجهة أحادية التيار الوطني الحر، المتهمة بتسهيل الفساد.
ويسمح هذا الواقع بنشوء حلف مسيحي واسع يضم إضافة إلى القوات وتيار المردة كل العناصر المسيحية المغيبة عن لقاء بعبدا من قبيل حزب الكتائب والوطنيين الأحرار، كما يسمح بعقد تحالفات مع تيارات المجتمع المدني ومع المستقلين، الذين كان خطاب ثنائية الحلف القواتي مع التيار الوطني الحر قد حرص إبان لحظة إطلاقه على التخفيف من دورهم وحضورهم.
برعاية حزب الله
ويكشف واقع رعاية حزب الله للقاء بعبدا التشاوري وشبكة المصالحات التي تمت فيه أن هذا المناخ لا يخالف سياساته وطموحاته، لأنه يرى أن الحلف القواتي مع سليمان فرنجية لن يتيح للقوات زيادة كبيرة في حجم كتلته النيابية، بقدر ما يسمح بزيادة حجم تمثيل تيار المردة المحسوب على تحالف الممانعة.
ويأتي هذا الانفتاح القواتي على المردة في ظل معلومات تفيد بأن حزب القوات شرع في تلمس إمكانية فتح أبواب مماثلة، ولو بشكل خجول حتى الساعة، مع حزب الله.
ويؤكد هذا الجو أن الحزب لا يعارض هذا الانفتاح بل يرعاه، و يرى فيه مدخلا لإعادة إنتاج المشهد التمثيلي المسيحي في أي انتخابات قادمة بشكل يضمن غلبة الأطراف المتحالفة معه.
وتلفت التحليلات إلى أن الحزب لا يمانع خلق ثنائية القوات-المردة لتفكيك ثنائية التيار الوطني الحر والقوات.
ويمكن تفسير هذا التوجه من خلال الإطار العام الذي يحكم ثنائية التيار الوطني الحر والقوات، والذي يرفع لواء حقوق المسيحيين والذي يضم طرفا يعارض سلاح الحزب ولا يوافق على سياسته الخارجية.
ولا يمكن في ظل سيطرة هذه الرؤية على ثنائية التيار والقوات أن تتكون جبهة مسيحية متماسكة تقف في صف الحزب على طول الخط، وتمنحه الشرعية الوطنية العامة.
وينظر القوات إلى هذا التقارب مع المردة من زاوية إقامة توازن مسيحي مع التيار الوطني الحر، ولكنه لا يبدي في الوقت نفسه أي رغبة أو نية في التنازل عن العناوين السياسية الكبرى التي تطبع توجهه.
ولا يقود انفتاح القوات على المردة، إلى تغيير سياسة القوات في ما يخص الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد.
ورفض القوات في اللقاء التشاوري بشكل قاطع محاولات التنسيق مع الحكومة السورية من أجل التوصل إلى حلول لقضية النازحين السوريين، وتأمين عودتهم، وجدد مواقفه الرافضة للاعتراف بها بأي شكل من الأشكال.