تبدو مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومشاريعه في جنوب سوريا، هذه الأيام، غريبة بعض الشيء، وذلك لأنه كان قد خاض بنفسه مفاوضات متقدمة جدا مع النظام السوري بقيادة الرئيس السابق الراحل حافظ الأسد في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، بواسطة صديقه الملياردير اليهودي الأميركي رون لاودر.
يومذاك أبدى الزعيم الإسرائيلي استعداده لتسليم الأسد "الأب" كل هضبة الجولان، مقابل التوقيع على معاهدة سلام وتطبيع كامل. بيد أن المفاوضات فشلت. و
وكان الخلاف يتمحوَر حول "الحدود التاريخية الدولية"، التي تطالب إسرائيل أن تكون أساساً لاتفاق السلام وبين "حدود الهدنة" التي فرضها واقع الحرب بينهما عام 1949، ففي حينه، احتلت إسرائيل كل المنطقة التي كان مقررا أن تمنح لـ"دولة فلسطين" في الشمال. وخلال مفاوضات الهدنة التي استغرقت ثلاثة أشهر وانتهت في 20 تموز 1949، اتضح أن سوريا احتلت 66 كيلومتراً مربعاً من أراضي فلسطين التاريخية، واستقرت قواتها على الضفة الشرقية من بحيرة طبريا. وتقرر أن تصبح هذه المنطقة "منطقة منزوعة السلاح"، ولكن تحت مسؤولية إسرائيل المدنية، بحيث يتاح للمدنيين السوريين فقط أن يدخلوها للزراعة.
بحيرة طبريّا ومحيطها
وخلال الصدامات العسكرية الكثيرة بين الجانبين الإسرائيلي والسوري، دخلت القوات السورية إلى منطقة الحِمّة وفرضت سيطرتها على منابع نهر الأردن. واستمر هذا الوضع إلى التاسع من حزيران 1967، حين داهمت إسرائيل الجولان واحتلت جزأه الغربي بالكامل، بما في ذلك جبل الشيخ ومزارع شبعا ومدينة القنيطرة، وبالطبع كل المناطق الخلافية حول بحيرة طبريا.
طوال جولات المفاوضات، منذ ذلك الحين، اقتصرت المطالب الإسرائيلية على الاحتفاظ بالأراضي المختلف عليها قرب البحيرة ومنابع الأردن ومنطقة الحِمّة. ولكن هذا الموقف بدأ يتغير عام 1980، عندما تورّطت سوريا في حرب لبنان. إذ قررت حكومة مناحيم بيغن، أن تحصل على حصة من سوريا مقابل سيطرة سوريا على لبنان. ويوم 14 كانون الأول 1981، أقرّ البرلمان الإسرائيلي قانوناً يتم بموجبه ضم هضبة الجولان إلى السيادة الإسرائيلية. ومن خرائط هذا القانون يتضح أن مساحة الأرض السورية المقصودة تبلغ 1200 كيلومتر مربع، وتشمل ليس فقط كل الأراضي الخلافية بمساحة 66 كيلومترا مربعا بل نحو 20 ضعفاً. ومنذ ذلك الوقت، تحاول الحكومات الإسرائيلية تعزيز الاستيطان اليهودي هناك (توجد حالياً 25 مستوطنة يهودية تضم 25 ألف مستوطن)، وبناء جدار أمني شديد يصلح لحدود دولية. ومع ذلك، في الوقت الذي تبدأ فيه مفاوضات جدية حول عملية سلام، كانت إسرائيل تعود إلى الواقعية وتطالب بالحدود الدولية.
نتنياهو يقول إن الظروف قد تغيّرت جوهرياً، مما يوجب تغيير المصالح والمطالب. وحسب مصدر مقرّب من نتنياهو، فإن "سوريا لم تعد دولة مستقلة، بل لم تعد دولة طبيعية. ولقد أصبحت مرتعاً لأعداء إسرائيل اللدودين (يقصد إيران وحزب الله). وهذا ما يعطي إسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها وردع أعدائها بالطرق العسكرية". وأيضاً، حسب زعم المصدر الإسرائيلي... "وأصبح معروفا أن فئة من المعارضة السورية توجّهت إلى إسرائيل بهذا الخصوص وعرضت توقيع معاهدة سلام يتم خلالها تحويل الجولان إلى حديقة سلام دولية بإدارة إسرائيل، وأعربت عن موافقتها على كل الضمانات الأمنية التي تطلبها إسرائيل، لكننا لم نوافق. وبفضل موقفنا هذا استمر الأسد في الحكم، قبل أن يأتي الروس ويعزّزوا عرشه".
المعادلة مع موسكو
ووفق المصادر الإسرائيلية، بعد تفجر الثورة السورية عام 2011، وتحديداً عندما دخل الروس إلى سوريا، عرضت إسرائيل على الروس صفقة مضمونها "لا نتدخّل في معركتكم في سوريا ولا نشوّش على مصالحكم بل ننسّق وإيّاكم كل نشاطاتنا، مقابل دور لإسرائيل في التسوية وخروج إيران من سوريا". وبالفعل، التقى نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أربع مرات خلال سنة لمناقشة الصفقة، لكن شيئا لم يرشح عن مضمون اللقاءات.
رئيس صحيفة "يسرائيل ها يوم"، بوعزز بوسموط - الذي يعتبر ابن بيت لدى عائلة نتنياهو - قال يوم 24 آذار 2017 "لقد اعتاد الجمهور في إسرائيل على التعامل مع دول العالم باللونين الأسود والأبيض: إما أنها تحبنا أو لا. إلا أن الروس هم فئة مختلفة. إسرائيل بالنسبة لهم هي جندي آخر على طاولة الشطرنج، وليست بالضرورة ضمن فريقهم. لا توجد لديهم أي مشاعر: لا تجاه الأسد، ولا تجاه الإيرانيين، ولا تجاه الأكراد في سوريا.
ولكن، ماذا تطلب إسرائيل من دمشق؟
إنشاء "مناطق عازلة"
مصادر سياسية في تل أبيب، توصف بأنها مطلعة، أكدت بداية أن نتنياهو توجّه إلى كل من روسيا والولايات المتحدة بطلب الاعتراف بقرار ضم الجولان لإسرائيل وكذلك إقامة "مناطق عازلة" على طول حدود إسرائيل مع سوريا، وكذلك على طول حدود سوريا مع الأردن. وادعت هذه المصادر أن تفسير نتنياهو لهذا الطلب هو أن التسويات المطروحة للمسألة السورية حالياً تدل على أن النفوذ الإيراني سيبقى، بل وربما سيتعزز، ومن ثم فـ"إسرائيل لن تقبل بأن يقترب الإيرانيون أو حزب الله أو أي طرف مقرّب لهما من الحدود ويهدد أمن المنطقة". ولذا، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي "يطالب بأن تتضمن أي تسوية مستقبلية لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا بنداً يضمن إنشاء منطقة فاصلة على الحدود بين سوريا وإسرائيل في هضبة الجولان، وكذلك على الحدود بين سوريا والأردن، منعا لوجود إيران وحزب الله في هذه المناطق".
ويشرح نتنياهو، في هذا السياق، أن حضور إيران و"حزب الله" على الحدود بين سوريا وإسرائيل وكذلك على الحدود بين سوريا والأردن من شأنه هزّ الاستقرار في المنطقة ككل، وتشكيل تهديد أمني لإسرائيل وأيضاً للأردن. وهو يعتبر أن إنشاء المناطق العازلة أو الفاصلة في الجانب السوري من الحدود سيمنع الإيرانيين و"حزب الله" من الوصول إلى الجدار ويجعل من الصعب عليهم المبادرة إلى الهجمات. ومع أن الزعيم الإسرائيلي لم يفصّل كيفية إنشاء هذه المناطق في الأراضي السورية، ومَن سيتولى الرقابة عليها أو الدخول إليها، أو ما سيجري فيها، فإنه أوضح أن ما يهمه هو أن تكون المناطق العازلة أو الفاصلة داخل الجانب السوري من الحدود، مضيفاً إنه ليس معنياً بوجود إسرائيلي فيها.
لا موقف واضحاً من التسوية
في هذه الأثناء، يدور الحديث عن تطور ذي مغزى في الموقف الإسرائيلي من التسوية المستقبلية في سوريا. فحتى اليوم، امتنعت إسرائيل عن عرض موقف مفصل حول طبيعة التسوية المستقبلية في سوريا، واكتفت بالإعراب عن رغبتها في تخليد احتلالها للجولان، وجعله جزءا من إسرائيل في التسويات المستقبلية. لكنها، ها هي تضيف طلباً آخر اليوم هو "المناطق العازلة"، والملاحظ أنه يأتي بالتزامن مع البحث الدولي في "مناطق تخفيف التصعيد". ولقد أكد ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل غير مباشر هذا النبأ، إذ قالت مصادره معقبة إن "رئيس الوزراء نتنياهو طرح في محادثاته مع الرئيس ترمب ومع الرئيس بوتين معارضة إسرائيل لوجود إيران وفروعها في سوريا وعلى حدودنا الشمالية".
"سيناريوهات" عسكرية سياسية
ثم إن نتنياهو من جهته، لا يسمح لنفسه بالدخول في تناقض مع الجيش لأنه يحتاج إلى استخدامه في عملية الضغط على اللاعبين في سوريا. وإذا كان النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا يقتصر حالياً على تنفيذ غارات محدودة موجّهة فقط إلى قوات "حزب الله" وبعض الأفراد الإيرانيين الذين يقتربون من الحدود وبعض مرافق جيش النظام السوري، فإن السيناريوهات المستقبلية قد تختلف. ومَن يتابع تدريبات الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان المحتلة، يلاحظ أنها صارت تأخذ بالاعتبار احتمال الدخول في مواجهة شاملة واحتلال بلدات أيضاً. ومن ضمن هذه "السيناريوهات" توسيع الحرب وتفجيرها في عدة جبهات في آن واحد. وهي تشمل أيضاً ضرب الميناء الذي تنوي إيران بناءه في مدينة اللاذقية، بل تتحدث المصادر عن تدميره قبل أن يكتمل بناؤه.
نتنياهو يقول عملياً إن على إسرائيل إظهار أنها جادة جداً في مطالبها إزاء سوريا. وإن لم ينفع الضغط السياسي "ينبغي توجيه ضغوط أشد حزماً". ولكي يجنّد الجيش إلى جانبه، فهو يواصل الحوار مع قادته بمشاركة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان القريب من فكره.