المسلسلات كثيرة، بعضها يتفوّق بالدعاية. الحظّ وعوامل أخرى، تمنح مسلسلاً رُتبة "الأول جماهيرياً". "ظواهر" تجتاحنا بين حين وآخر، فتطغى على المشهد. تتخطّى المسألة كونها لحظة مُسلّية. هي في الحقيقة بهجة تعوّض فراغ النفس ومرح يخفّف الضجر. لماذا "الهيبة"؟ أيّ عوامل تجعله ورقة جماهيرية رابحة؟ الصخب حوله، مُستحَقٌ أم مُفتَعل؟ عفوي أم مجاراة؟ نحاول الإجابة بعرض خمسة عوامل تفسّر تجاوز المسلسل نفسه ليشكّل "حالة" رمضانية واثقة.
1- كيمياء الثنائية
لم يخذلنا #تيم_حسن و #نادين_نسيب_نجيم. من الثنائيات القادرة على المفاجأة. جبل شيخ الجبل وعليا تركيبة درامية "محتالة". بدهاء، فَلَش المسلسل (كتابة هوزان عكو، إخراج سامر البرقاوي، تعرضه "أم بي سي دراما" و"أم تي في") أوراقهما ورقة ورقة. عناد وإذعان وحب فدخول في اللعبة. مَشاهدهما معاً بحجم مسلسل. ثلاث سنوات، وكلاهما في تألُّق. تركيبة كيميائية تفعل فعلها. منذ اللقاء الأول حتى "خُلص التمثيل". هو بكاراكتيره الهادئ القادر على الحسم، وهي بجاذبيتها واتقانها فنّ الاستمالة. ثنائي صنع مفرداته ونشر لغته على الألسن: "لا تهكلوا للهم" بنبرة جبل، و"Fine" برقّة عليا (تعرّجت أحياناً أمام عفوية اللغة الإنكليزية، ثم ارتاحت). أما اسم عليا بصوت جبل، فيحمل القلب إلى مكان آخر.
2- الأسماء
ليس عشوائياً مَنح اسم جبل لتيم حسن وصخر لشقيقه في المسلسل أويس مخللاتي. للاسم وَقْعه، والعمل يتقن استغلال الوَقْع. لم يكتفِ بجبل، بل ألحق به عائلة شيخ الجبل. جبل شيخ الجبل، فيا لـ"هيبة" التركيبة! اسم يرنّ في الأذن ويبقى بعد المسلسل. لحظة إلهام فارقة، اختيار الاسم ورميه بثقة على أرض المغامرة. الصدى يصل بعيداً، كما يحدث حين تتحاكى الجبال وتتبادل التحية.
3- العشيرة
جوّ درامي "غريب" عن المُستَهلك في المسلسلات. إشكالية العشيرة في ذاتها "مُحمِّسة"، تُدغدع مشاهداً ملَّ مجتمعات القصور والمزرعة والفيلا. مناخ العشيرة محرّك التركيبة، يمنحها دفعاً إلى الأمام، ويُشغل بها الانتباه كلما بَرَد مشهد أو أصاب جمودٌ بعض الحلقات. والعشيرة صناعة متشعّبة: هي الزعامة والصراع والثأر والتقاليد والعائلة. وهي سُلطة الكبار واحترام الكلمة، ونموذج أم جبل (الأروع هذه الموسم، منى واصف) فائقة الحضور والأناقة والمستوى.
4- الخروج على القانون
سيارات من دون لوحات. رانج روفر أسود. تهريب. مؤامرة. رصاص ومطاردة. المُشاهد سعيد، يتفاعل ويتحمّس. الخروج على القانون "استفزاز" بصري يستميل عشّاق المغامرة. وكم من رجل راقه التماهي بجبل. وكم من ضَجِر تمنّى التشبّه فيه. يؤخذ على المسلسل إفراطه في إعلان العنف ونشر "ثقافة السلاح". لم يأتِ حتى الآن بموقف حاسم من قوى الأمر الواقع والتباهي بالقوّة. منسوب العنف واقعي، أكثر من كونه تعمّد لفت النظر. ثمة ما هو أقوى من القانون في هذا البلد. حتى عليا (نموذج التحضّر) تُذعن لواقعها الجديد وتمدّ له اليدّ (مشهد تقبّلها المسدس وابتسامة الرضى).
5- الحبّ
قصص الحبّ في كلّ مسلسل. لا داعي لتذكيرنا بذلك. لكنّ "الهيبة" أدرك كيف يصنع حباً يمكن انتظاره. مشاعر لم تكن في الواجهة، فأُحضِرت إلى المشهد في اللحظة المناسبة. "خُلص التمثيل"، تقول كل شيء. للباب أن يُقفل على حبيبين في الداخل يُسدلان الستارة على مسرحية القلوب الباردة. امرأة حين سنحت فرصة استعادة ماضيها، ركلتها وعادت إليه. لم تستطيع خذلان الثقة. من أجل "خُلص التمثيل" شكّل البوح بمشاعرها لحظة لافتة.
"الهيبة" ناجح، نجاحه يستحقّ الاعتراف به.