تحت عنوان "أدهم بيك... جريمة رمضان!" كتب جوزف طوق في صحيفة "الجمهورية": "مثلما يسقط الأبرياء برصاص الغدر على الطرقات، يمكن أن يسقط الإبداع أيضاً بهفوات الاستهتار على الشاشات... ومثلما هناك شرطة جنائية لتقصّي الحقائق، لا بدّ أن يتمّ استحداث سرية شرطة خاصة بالفنّ والمباشرة بفتح تحقيق فوري لمعرفة هوية الجاني أو الجناة الذين تسبّبوا بالجريمة التي تمّ ارتكابها في مسلسل "أدهم بيك".
تابعتُ العمل مشهداً بمشهد ولقطة بلقطة وتفصيلاً بتفصيل، وكان جلياً منذ البداية أنّ هناك خللاً يهدّد بإسقاط المسلسل من اهتمامات المشاهدين على رغم كلّ نقاط القوّة المتوافرة فيه وعلى أكثر من مستوى.
فالنصّ المبدع الذي قدّمه الكاتب طارق سويد ينساب مثل الأفعى حول الكثير من مشاكلنا الاجتماعية، وينقضّ على بعضها ويلتفّ على البعض الآخر ويلسع مشاكل ويبتلع أخرى. ونصّ العمل نفسه يعالج مشاكل عائلات كثيرة وتعقيدات العلاقة بين الأهل والأولاد من زوايا مختلفة وواعدة، بالإضافة إلى قصص العشق الممنوع ومسائل الوطنية والخيانة، من دون أن يسقط في المعالجات التقليدية والهزيلة، ولا يعتمد مطلقاً على الأحداث الفجائية والمرّيخية لتفسير أحداث أخرى، بل يعتمد المنطق الانسيابي بين الحلقات، وهذا كلّه كان وحده كفيلاً بشدّ انتباه المشاهدين لولا إخفاقات المخرج زهير أحمد قنوع ومدير التصوير يزن شربتجي، اللذين فَرضا على العمل مَللاً غير مسبوق باختياراتهما التقنية وأغرقا المشاهدين بقلّة الاهتمام. وحتى إن كان المُشاهد لا يهتمّ بالتفاصيل التقنية، إلّا أنها هي التي تكبّله أمام الشاشة أو تبعده عنها".
وهذه الاختيارات التقنية هي وحدها الكفيلة بإنجاح العمل أو إفشاله، فبعد أكثر من 26 حلقة ما زال المخرج يعتمد الكادرات الثابتة بشكل حصري، ونكاد لا نرى استخدام أيّ حركة مثيرة للكاميرا في أيّ مشهد، كما لو أنّ المخرج ومدير تصويره لم يقبضا بدل أتعابهما أو أنهما يعملان بمَلل و«قلّة مروّة»، لدرجة أنّ «أدهم بيك» يمكن أن يكون مسلسل مونتاج وليس إخراج.
والجريمة الأكبر هي أنّ «أدهم بيك» استطاع أن يقدّم للمشاهد اللبناني نجمة رمضان 2017، وهي المبدعة والمتألّقة والمحلّقة بعيداً من كلّ منافسة، رندا كعدي.
هذه الممثلة اللبنانية المغمورة والمطمورة التي تستحق أن يطلَق عليها لقب «ميريل ستريب العرب» بعد تقديمها دور «تمينة» وإظهارها قدرات تعبيرية وتمثيلية مهولة... «أدهم بيك» قدّم رندا كعدي في دور ثانوي، واعتمد لشدّ المشاهدين وفي الدور الأول البطلة نورا الذي تلعبه كريستينا سعادة أمام البطل البيك يوسف الخال.
وهذه البطلة لم توازن بركان تمينة إلّا بتعابير زجاجية فارغة من المشاعر، وبنظرات وحركات جسدية ثنائية الأبعاد، كما لو أنها كاراكتير كرتوني مرسوم على ورق، فلم تتمكّن من ترجمة سايكولوجيا الدور إلى المشاهد ولم تقنعه بحضورها وبأهميتها في العمل، وبالتالي أفقدته اهتمامه بالعمل... وكان يمكن بسهولة قلب الأدوار بين كريستينا سعادة وشقيقتها في العمل جوي هاني، التي قدّمت أداء مقنعاً أكثر، حتى وإن لم يكن ممتازاً.
وهذه الأخطاء الفاضحة والواضحة للمتابع في اختيار أسلوب الإخراج واسم البطلة، أطاحا إبداعات العمل النصيّة والفنيّة والتمثيلية. وبالإضافة إلى أداء رندا كعدي المميّز، قدمت كلّ من ريتا حرب ورانيا عيسى ونغم أبو شديد واحداً من أفضل أدوارهنّ الدرامية، وتَمكنّ من تقديم تقنيات تمثيلية خدمت أدوارهنّ إلى أبعد الحدود، وخلقت بعداً ثالثاً ومقنعاً لعلاقات غرامية ثلاثية الأضلاع.
من دون أن ننسى بيتر سمعان، الذي قدّم دور الكولونيل بحرفية عالية، فأمسك بتعابيره وحركة جسده حتى لا يكشف لنا عن حقيقة الكاراكتير إذا كان شريراً أو لطيفاً، وأبقاه في خانته العسكرية الجامدة التي لا تكشف عن خفاياها ومشاعرها تحت أيّ ظرف.
والمؤسف أنّ شخصية تمينة تم إخراجها من العمل قبل نحو 10 حلقات من النهاية، فخسر أقوى كاراكتير فيه وأكثرهم قدرة على الجذب، مثلما فعلوا مع الممثل جوزف عبود الذي قدّم دوراً بسيطاً ولكن محورياً وبارزاً في بداية العمل.
هذا بالإضافة إلى الأخطاء المرعبة في أزياء الممثلين، والتي كانت غالبيتها خارج عصرها، وتحديداً التنانير والاسكربينات وفساتين الخادمة نورا.
الجريمة في «أدهم بيك» هي أنه ارتكب كل الجرائم حتى لا يكون المسلسل الأول في رمضان... الجريمة في «أدهم بيك» هي أنه تَعمّد اغتيال كل مقوّمات الإبداع فيه حتى يعيش الاستسهال.