تحت عنوان "إخلاء سبيل عماد الريحاوي: التشكيك بجدية التعاطي مع ملف الاتجار بالبشر" كتبت هديل فرفور في صحيفة "الأخبار": منذ يومين، أُخلي سبيل عماد الريحاوي، المُتهم الأبرز بجرم الاتجار في البشر في قضية شبكة "شي موريس" التي استغلت نحو 75 فتاة سورية وأجبرتهن على الدعارة القسرية، وذلك بكفالة مالية قدرها 20 مليون ليرة لبنانية. بعض الحقوقيين يجدون في هذا القرار مؤشراً واضحاً لعدم جدية القضاء والدولة في التعاطي مع ملف جنائي بهذه الخطورة.
نحو سنة مرّت على التفاصيل الموجعة والمؤلمة التي كشفتها ضحايا شبكة "شي موريس"، بعد الإعلان عن "تحريرهن" في نيسان عام 2016 من العبودية الجنسية التي كنّ يعانين منها.
أول من أمس، أُخلي سبيل أحد أبرز المتورطين في هذه الشبكة: عماد الريحاوي. والمُلقّب بين الفتيات الضحايا بـ"الجلّاد"، وفق ما أظهرته التحقيقات.
إضافة الى الريحاوي، هناك 25 شخصاً آخرين جرى اتهامهم بـالاتجار بالبشر من قبل الهيئة الاتهامية في جبل لبنان. ومن أصل الـ 26 متهماً، تم توقيف 22 منهم.
التركيز على عماد الريحاوي دون غيره يعود الى كون الأخير يتولى، وفق هيكلية الشبكة التي اتضحت عبر التحقيقات وإفادات الفتيات، مهمة "ضبط" الفتيات عبر ترهيبهن وضربهن وتعذيبهن. وقد برز اسمه على لسان الفتيات الضحايا، ممن عانين من بطشه. البعض من هؤلاء الفتيات أفدن بأن الريحاوي كان يُقدم على اغتصاب بعضهن لإجبارهن على ممارسة الدعارة بالقوة.
بقي الريحاوي متوارياً عن الأنظار نحو شهر، قبل أن يُسلّم نفسه في أيار عام 2016 في بث تلفزيوني حي (عبر برنامج حكي جالس على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال)، مُصرّاً على اعتبار نفسه "مُسهّل دعارة" لا متاجر في البشر.
تقول مسؤولة قسم مكافحة استغلال النساء والإتجار بهن في منظمة "كفى"، غادة جبّور، إن الريحاوي أصر على مسألة تسهيله الدعارة ونفيه جرم الاتجار نظراً الى اختلاف الحكم بين الجرمين. فالأول تصل مدة محاكمة مرتكبه القصوى الى سنة، فيما تصل محاكمة مرتكب الجرم الثاني الى نحو 15 سنة.
تنطلق غادة من هذه النقطة لتشير الى امكانية استغلال الريحاوي للثغرات القانونية المتعلقة بعدم وضوح الفصل بين جرم الدعارة والتسهيل من جهة، وجرم الاتجار من جهة أخرى، وبالتالي امكانية اقناع المحكمة بأنه مُسهل دعارة لا متاجر بالبشر، لافتة الى ان قانون الاتجار بالبشر في لبنان حالياً غير قادر على حماية الفتيات اللواتي يجري استغلالهن في اعمال الدعارة.
بحسب مصدر قضائي، فإن جرم الاتجار بالبشر لا يندرج ضمن الجرائم الثلاث التي تحرم مرتكبها من اخلاء سبيله، وهي: القتل، الإرهاب وتجارة المُخدرات، لافتاً الى أن المتهمين ببقية الجرائم لا يجوز توقيفهم اكثر من سنة، "لذلك يحق لمحكمة الجنايات ان تصدر قرار اخلاء سبيل المتاجر بالبشر بكفالة مالية مع استكمال التحقيقات".
يقول المصدر نفسه إنه لا يتم اخلاء سبيل مرتكبي الجرائم الثلاث أعلاه "نظراً الى الخطورة التي يمكن ان يتسبب بها مرتكبو هذه الجرائم على المجتمع والأفراد"، ماذا عن خطورة المتاجر بالبشر؟ هنا يُعلّق مصدر قانوني بالقول إن المُشرع عندما أصدر القانون لم يُدرجها ضمن الجرائم التي يحظر اخلاء سبيل مرتكبيها، "وهنا نستطيع ان نلتمس اهمية هذا الجرم بالنسبة للمُشرعين".
يقول حقوقيون إنه كان باستطاعة المحكمة أن تتخذ تدابير أكثر شدّة وقسوة، "كأن يتم رفع مبلغ الكفالة المالية، وافتتاح جلسات المُساءلة للابقاء عليه موقوفاً وعدم تأجيل الجلسات". تقول جبور، إنه لم يتم حتى الآن عقد أي جلسة استجواب، وهو ما "يُشير الى غياب المؤشرات الدالة على تحقيقات جدية ترتقي إلى مستوى القضية الخطيرة"، مُبدية تخوفها من إمكانية المماطلة في المحاكمات "ما يُساهم في تنويم القضية".
من جهة أُخرى، يطرح ارتفاع عدد المتهمين مسألة اعاقة سير المحاكمات نظراً الى صعوبة اكتمال الخصوم، "ما يتطلّب جهوداً إضافية من اجل تسريع المحاكمات"، وفق ما تقول جبور التي تُشير الى ان "الدولة لم تنظر الى الضحايا ولم تأخذهم بعين الاعتبار". وتُضيف في هذا الصدد: "كان بإمكان القاضي أن يقرر منح إقامات للفتيات الضحايا خلال فترة التحقيقات من اجل حمايتهن، لكن هذا لم يحصل". هذا الأمر، يُعدّ مؤشراً اضافياً لعدم جدية تعاطي المعنيين في قضية نوعية وخطيرة كهذه.