استقبلت إيران بقلق خبر المرسوم الملكي القاضي بتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في المملكة العربية السعودية. يعني هذا القرار أن الأمير محمد سيمضي قدما في نقطتين رئيسيتين: رؤية السعودية 2030 ومواجهة إيران في المنطقة. تقلق إيران من المضي قدما في تطبيق رؤية السعودية 2030 لأن ذلك يعني المزيد من الاستقرار الداخلي ودعما لرصيدها الخارجي بتقليص للثغرات التي تصطاد منها بعض المنظمات والجهات الخارجية تقاريرها عن “حقوق الإنسان”. وتقلق إيران أكثر في ما يتعلق بمخططاتها في المنطقة والتي عبر الأمير محمد بصراحة وصرامة عن ضرورة وقفها ومواجهتها. وتعلم طهران اليوم أن الكلام يمكن أن يصبح حقيقة في ظل القيادة السعودية الجديدة
 

تلقت إيران بقلق الأوامر الملكية التي صدرت فجر الأربعاء في السعودية والتي تم بموجب أحدها تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد.

وكشف مراقبون محليون أن رد الفعل الرسمي الإيراني، والذي اعتبر التطور السعودي “انقلابا ناعما”، يعكس حجم الخيبة التي أصابت الطبقة الحاكمة جراء إعلان الرياض ترقية الأمير محمد الذي لم يوار مواقفه الواضحة والمتصلبة حيال سياسات إيران في المنطقة.

وتعترف أوساط قريبة من مؤسسة الولي الفقيه أن إيران عملت كثيرا على التصويب على اللحمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما اللحمة داخل المملكة العربية السعودية، وأن طهران كانت تنفخ من خلال إعلامها بتصدّع منتظر داخل الأسرة الحاكمة ممنية النفس بإضعاف قوة السعودية ورعايتها لقوى الاعتراض الإقليمية ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.

وينقل عن مصادر داخل وزارة الخارجية الإيرانية أن المسؤولين الإيرانيين تأملوا الصور التي بثت عن لقاء الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق بالأمير محمد بن سلمان ولي الأمر الحالي، وما تعكسه من ود واحترام وانسجام داخل العائلة الحاكمة على نحو يبدد نهائيا آمال الانقسام التي كانت تبشر بها المنابر الإيرانية.

ويرى خبراء في الشؤون الإيرانية أن تعيين الأمير محمد وليا للعهد يمثل رسالة واضحة لإيران بأن المنطقة، بالرعاية السعودية، ذاهبة إلى المزيد من التصلب مع الحالة الإيرانية، وأن التحالف السعودي مع الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب، والذي عبر عن نفسه من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الأخير إلى الرياض، ذاهب إلى المزيد من المتانة، خصوصا في الموقف المشترك ضد إيران.

إيران بدأت تشعر باضطراب وضعها الإقليمي وأنها باتت في حالة دفاع أمام إعادة السعودية امتلاك زمام المبادرة
ولفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى مسارعة ترامب إلى الاتصال بالأمير محمد بن سلمان وتهنئته كعلامة أخرى من علامات العلاقات الحميمة التي تربط البلدين والرجلين.

وأشار مراقبون في إيران إلى أن طهران لاحظت أن الأمير محمد يتمتع بلغة مباشرة جريئة وواضحة ضد طهران، وهو قادر على وضع النقاط على الحروف دون رمادية مبهمة، وأن ما عبر عنه من مواقف ضد إيران يعتبر غير مسبوق في تاريخ العلاقة المضطربة بين الرياض وطهران.


أيديولوجيا متطرفة

كان الأمير محمد قد تساءل في مقابلة أجريت معه في 2 مايو الماضي، “كيف تتفاهم مع واحد أو نظام لديه قناعة راسخة بأن نظامه قائم على أيديولوجيا متطرفة منصوص عليها في دستوره ومنصوص عليها في وصية الخميني بأنه يجب أن يسيطر على مسلمي العالم الإسلامي ونشر المذهب الجعفري الإثني عشري الخاص بهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي حتى يظهر المهدي المنتظر”.

واعتبر أن إيران تمادت جدا في عدائها، مضيفا أن “المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لُدغنا مرة، ومرة ثانية لن نلدغ، ونعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني، وأن الوصول لقبلة المسلمين هدف رئيسي للنظام الإيراني، لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية”.

ويعتبر باحثون في شؤون العلاقات الإيرانية السعودية أن تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد قد لا يكون للمفارقة مؤشر تصعيد وفق ما هو متوقع.


ويضيف هؤلاء أن وضوح الموقف السعودي إزاء إيران وديمومته بتعيين الأمير محمد وليا للعهد، يوفر لطهران معطى جديدا ونهائيا حول موازين القوى في المنطقة، بما يفتح المجال أمام طهران لإعادة قراءة علاقاتها مع السعودية والتعاطي بإيجابية مع شكل الحكم الجديد في المملكة.

وتؤكد مصادر دبلوماسية غربية تعمل في طهران أن القيادة الإيرانية بدأت تشعر باضطراب وضعها الإقليمي وأنها باتت في حالة دفاع أمام إعادة السعودية امتلاك زمام المبادرة من جهة، وأمام الأعراض العسكرية في سوريا والتي وضعت القوات الأميركية في صدام مباشر مع الميليشيات والقوى التابعة لها في هذا البلد، وأن طهران، ورغم خطابها المهدد لن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة.


خيارات محدودة

يقول لوك كوفي مدير مركز السياسة الخارجية في مؤسسة هيريتيج فاونديشن، وهي من مراكز الأبحاث ذات التوجهات المحافظة في واشنطن، إن “إيران لديها قدرة محدودة وخيارات محدودة للغاية للرد على القوات الأميركية في المنطقة دون أن تتكبد ردا أميركيا كاسحا”.

وأضاف “أعتقد أن طهران تدرك ذلك، ولذلك ستظل تعمل بالأساليب المحدودة مثل مضايقة السفن الأميركية في الخليج. وهذا يكفي للتسبب في الإزعاج لكنه لا يرقى إلى مستوى ‘الرد الانتقامي‘”.

ويقول مراقبون للشؤون الخليجية إن طهران حاولت اللعب على وتر الأزمة الخليجية الراهنة مع قطر، لكنها بدأت تدرك فشل مسعاها في تليين المواقف الخليجية المقاطعة للدوحة.

وفيما حذرت أوساط سياسية إيرانية طهران من تدخل إيران في النزاع الخليجي الحالي، تستنتج هذه المصادر أن القيادة الإيرانية أدركت أن أي تسوية محتملة للأزمة الخليجية مع قطر لن تصب في الحسابات الإيرانية نهائيا.

ويرى مراقبون إيرانيون أن ترقية الأمير محمد بن سلمان سترفع من مستوى الضغوط على قطر، كما سترفع من مستوى المواجهة التي تقودها السعودية ضد المطامع الإيرانية في كافة ميادين النفوذ الإيراني في العالم العربي من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا ودول أخرى.