مَن هي القوى التي بقيت خارج دائرة النافذين، والتي ستعمل لخرق التحالفات في الانتخابات المقبلة، عندما يحين موعدها؟
1- القوى السياسية المعارِضة، الحزبية منها (حزب الكتائب مثلاً) والمناطقية، ولا سيما منها المسيحية، خصوصاً في جبل لبنان والشمال وزحلة.
2- قوى الحراك المدني التي لطالما رغبت في تنسيق خطواتها لخوض المعركة على مستوى لبنان كله، بعد معاركها البلدية الناجحة في بيروت ومناطق أخرى.
3- القوى الإسلامية، ومنها المتطرّفة، في مناطق عدّة ذات غالبية سنّية (طرابلس، عكار، الضنية والمنية، صيدا، بيروت، إقليم الخروب والبقاع الغربي).
في المطلق، هناك غطاءٌ دولي لقانون انتخاب في لبنان يضعف القوى المتطرّفة إسلامياً ويمنعها من الوصول إلى المجلس النيابي. وفي المقابل، يقوّي حضور القوى المدنية، ما يفسح في المجال لتغيير في الطاقم السياسي. وقد ظهر ذلك في الدعم الاستثنائي الذي يتلقّاه الحراك المدني في السنوات الأخيرة، لكنّ مشكلة هذا الحراك هي أنّ بعض شرائحه انقاد إلى عناوين أخرى من نوع إسقاط النظام.
وهناك ضغط دولي لتحديث قانون الانتخاب وإصلاحه، إما بالنسبية وإما بالدائرة الفردية وإما بخيارات أخرى، ما يتيح تمثيلاً أفضل للمكوِّنات والشرائح الاجتماعية. وهذا التحديث يستتبع تطويراً للحياة الحزبية والمضي في تنفيذ بند اللامركزية الموسّعة الذي ينصّ عليه «إتفاق الطائف».
لذلك، لم يكن أمام رافضي النسبيّة (أي المسيحيين والسنّة والدروز) إلّا أن يوافقوا عليها. وأما المنادون بها («حزب الله» وحركة «أمل») فبذلوا ما في وسعهم لاستغلال فرصة الضغط الدولي وفرضها. وهكذا، فإنّ «النسبية اللبنانية» التي عبَّر عنها قانون الانتخاب الجديد جاءت ترجمةً للمصالح المتشابكة.
هذا القانون فيه شيء من النسبية المطلوبة، وفيه شيء من قانون 1960 لاعتماده جزئياً على الأقضية، وفيه شيء من «الصوت الواحد لشخص واحد» (One person, one vote)، بسبب اعتماده الصوت التفضيلي لمرشح واحد.
وغالباً ما تَرِد كل هذه الصيَغ في القانون الجديد ملتبسةً أو مشوَّهة. وهناك تقسيم اعتباطي للدوائر الانتخابية وأخطاء وفجوات أخرى نتيجةً لصَوْغ البنود على قياس هذا الطرف أو ذاك. ففي شكل أساسي، هدف القوى التي صاغت القانون هو الاستفراد بالحكم.
لذلك، لا تجد القوى الأخرى إلّا سبيل المواجهة لمنع اضمحلالها في معركة الانتخابات التي ربما تكون مصيريّة. فالانتخابات المقبلة ربما تحمل الطابع التأسيسي، والمهزوم فيها يصعب أن تتكرّر له الفرصة لتحقيق انتصار. لكنّ مشكلة هذه القوى، بمكوناتها الثلاثة، هي أنها ليست قادرة على التضامن وخوض المعركة موحَّدة، لأنّ تطلّعاتها وأهدافها غالباً ما تكون متناقضة.
مثلاً: يصعب أن يجري تنسيق انتخابي بين قوى المجتمع المدني والقوى الإسلامية المتطرّفة. كما أنّ القوى السياسية الحزبية والمناطقية تفضّل بناءَ تحالفاتها الانتخابية مع القوى الأخرى، مدنيّة كانت أم إسلامية، بناءً على المصالح والتقاطعات الموضعيّة، وفقاً لكل منطقة وحالة.
إذاً، سيجد المعترضون أنفسهم في وضعيّة صعبة خلال الانتخابات المقبلة، وأصعب ما فيها هو عدم قدرتهم أو استعدادهم للتنسيق الانتخابي. لكنّ القوى الاعتراضية قادرة على التعويض باللعب على وتر الخلافات بين قوى السلطة نفسها.
مثلاً: ليس مضموناً أنّ تحالف «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية» ستسري مفاعيله في مختلف الدوائر. كما أنّ «حزب الله» سيضع شروطاً على «التيار» للتحالف، أبرزها أنه غير معني بأيّ تحالف يقيمه مع «القوات». وينطبق هذا النموذج على تيار «المستقبل» أيضاً في أشكال مختلفة.
وإذا تمّ فكّ التحالف بين قوى سياسية في إحدى الدوائر، فسينعكس ذلك على دوائر أخرى، فتختلط المعادلات. وواضح أنّ هناك مناطق انتخابية «حسّاسة» لتحالف «التيار»- «القوات»، ومنها الشمال، والبترون خصوصاً، وأخرى للقوى السنّية كطرابلس.
قد تستطيع القوى الاعتراضية أن تدخل على خط الخلافات بين قوى السلطة، فتجمعها المصالح في دوائر معيّنة. وفي هذه الحال، تصبح قادرة على المواجهة وتحقيق الخَرق.
المفارقة هي أنّ قوى السلطة باتت كلها اليوم متضامنة، بل متواطئة لمنع أيٍّ كان من دخول جنّة البرلمان، من خارج النادي. واللافت هو انتفاء مفهومَي المعارضة والموالاة ومشارَكة الجميع في السلطة تحت جناح التقاسم: تقاسم الغنائم السياسية وغير السياسية.
كل هذه الطروحات تفترض أنّ كثيراً من منطلقات هذا القانون سيكون أساساً لأيّ انتخابات مقبلة. ومهما طرأ عليه من تعديلات، فالنسبية ستكون أساساً.
من هنا يبقى السؤال: كيف ستواجه القوى الاعتراضية ما تحوكه قوى السلطة؟ وهل ستتمكّن القوى النافذة من إقامة تحالفات قويّة بين مكوّناتها وتصوغ القانون الذي يُقفل الباب تماماً في وجه عملية التغيير؟