أسقطت القوات الأميركية طائرة روسية الصنع من طراز «سوخوي – 22» تابعة للنظام السوري، وكان ذلك أول اشتباك جوي شنته الولايات المتحدة الأميركية منذ وقت طويل. السبب الدفاع عن القوات الديمقراطية السورية، وهي قوة معظمها كردية تدعمها واشنطن لطرد «داعش» وهزيمته في سوريا. ردة فعل سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، أنه بدا كالناطق باسم النظام السوري، حذر أميركا بعدم تكرار الأمر تحت طائلة إسقاط طائراتها. ثم قطعت روسيا وسيلة الاتصال العسكري، فقالت واشنطن إنها ستحتفظ بحق الدفاع عن النفس في سوريا، وأي طائرة تحلق شرق خط الفرات سوف يتم إسقاطها. تقول واشنطن إنها حاولت الاتصال بالقوات السورية عن طريق الروس قبل أن تُسقط الطائرة.
في غضون الأسابيع الماضية، اشتبكت القوات الأميركية أيضاً مع قوات مدعومة من إيران في سوريا، وتردد أن قوات مدعومة من واشنطن، وجنوداً أميركيين حوصروا. ثم قالت إيران ليل الأحد – الاثنين الماضي إنها أطلقت ستة صواريخ على دير الزور في سوريا رداً على هجمات «داعش» داخل طهران، ويمكن لهذه الصواريخ نظرياً أن تستهدف القوات المحاربة للنظام السوري والجنود الأميركيين في التنف ومعبر الوليد الحدودي. الصواريخ من تصميم روسي قديم. وكالة «فارس» قالت: إن إيران أطلقت صواريخ «ذو الفقار»، وهذا يعتبر صاروخاً باليستياً قصير المدى يعمل بالوقود الصلب. أما إسرائيل فقالت: إن إيران أطلقت صواريخ «شهاب – 3»، المتوسطة المدى، والقادرة على حمل الوقود النووي، وهي من نوع صواريخ «نودونغ – A» المصنعة في كوريا الشمالية منذ أن أطلق البيت الأبيض تحذيره بعد تجربة إيران الصاروخية في يناير (كانون الثاني) الماضي، لم تطلق إيران صاروخ أرض – أرض حتى الآن. لجوء إيران إلى إطلاق الصواريخ يأتي بعدما كثرت التقارير عن محاولتها ربط طريق بري يوصلها إلى لبنان. مجلة «النيويوركر» الأميركية كتبت الأسبوع الماضي عن سعي الإيرانيين الحثيث إلى هذا الامتداد البري منذ نهاية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988، والتي بعد خسارتهم لها اعتبروها جهوداً مدعومة من الغرب لتدمير نظامهم. قالت «النيويوركر»: هذا هو السبب الإيراني في تشكيل وتقوية «حزب الله» الذي يسيطر تقريباً على لبنان، وتدريب وتسليح الميليشيات الشيعية في العراق التي هاجمت الجنود الأميركيين خلال احتلال العراق، مضيفة أن الاندفاع الإيراني إلى الشرق الأوسط العربي يساعد في تفاقم الانشقاق السني – الشيعي الذي يفكك المنطقة.
لم يتحدث أي مسؤول إيراني علناً عن ذلك، وتحاول بعض الأقلام الموالية لإيران إبعاد هذه الفكرة وربط الوجود الإيراني في سوريا مثلاً بأنه دعم للنظام السوري ولسيادة الدولة. لكن إيران لا تتردد يومياً في نشر صور قاسم سليماني قائد فيلق القدس وهو جالس إلى طاولة في العراء على الحدود، يرسم خريطة القتال.
تتجنب إيران الإعلان عن هذا الهدف لأنها سوف تتسبب بضربات وقائية من إسرائيل. وإذا كانت إيران، حسب تقييم مدير الاستخبارات الأميركية السابق جيمس كلابر، لديها أكبر ترسانة للصواريخ الباليستية في المنطقة، فإن لدى إسرائيل أفضل القوات الجوية في العالم، حسب رأي المحللين العسكريين. وتقوم الاستراتيجية التي تعتمدها إيران على محاولة عرقلة الجهود الأميركية لتدمير «داعش» وتوتير السياسة الداخلية في البحرين، والعمل على كسب قطر، ومساعدة الحوثيين في اليمن، هذه الاستراتيجية القائمة على التدخل تحت شتى الذرائع تركت الدول العربية في حالة انزعاج مطلق من تدخل إيران في المنطقة بقصد التوسع والسيطرة. قال لي محلل عسكري، إنه في حين أن الصواريخ التي أطلقت على دير الزور، تبدو من الأفلام التي بثتها إيران، مرعبة، إلا أنها في الواقع ذات تكنولوجيا منخفضة حسب معايير القوى العظمى. أرادت إيران إظهار قوتها وإرسال رسائل. النائب الإيراني محمد علي وكيلي كتب: «إن الهجمات الصاروخية تحمل رسالة واضحة للسعودية، بأنه إذا ما دعت الحاجة، فإن مصالحهم في المنطقة ستكون أهدافاً»!
هذا التهديد جاء مع ادعاء إيران بأن السفينة التي صادرتها السعودية في مياهها الإقليمية واعتقلت ثلاثة من الحرس الثوري: «إنما هي سفينة صيد»، هذا النفي يذكر بسابقة، ففي عام 2015 استولى التحالف الدولي في اليمن على سفينة إيرانية متسللة، كما قارب صيد، قبالة الساحل العماني، كانت محملة بالأسلحة. قال المؤيدون لإيران إن صواريخها على دير الزور رسالة أيضاً إلى إسرائيل، فردت إسرائيل بأنها غير مهتمة ومستعدة لكل تطور.
القرارات التي تتخذها إيران وتنفذها إنما هي محاولة استفزاز لقوى أقوى منها كي تهاجم هذه القوى إيران، فتبرر هي استخدام أسلحة ذات تكنولوجيا منخفضة، ضد أنظمة الدفاع الصاروخية التابعة للتحالف وضد المناطق المدنية. ثم إن هذا لا يخفي الوجود الإيراني المتزايد على الحدود العراقية – السورية لإقامة «الهلال الشيعي» الممتد من إيران، فالعراق، فسوريا ثم لبنان. هذا من دون شك يقلق الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل. من جهتها، إيران غير مهتمة بالشعب السوري أو العراقي. وكتب عراقي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: «لمن يريد أن يحول العراق إلى قندهار، أو قرية تابعة للفقيه، لن تقضوا على مدنية وعلمانية العراق مهما ضحكتم على السذج باسم الدين».
في كل مكان دخلته إيران أو أرسلت إليه ميليشياتها وقع الخراب. في مارس (آذار) الماضي، أصدر الاتحاد الأوروبي تقريراً يحدد فيه جميع الطائرات من دون طيار التي أرسلتها إيران إلى اليمن. وكان العنوان: طائرات من دون طيار «كاميكاز» تستخدمها القوات الحوثية لمهاجمة أنظمة الدفاع الصاروخية التابعة للتحالف. ما يؤكده التقرير هو أن إيران توفر قدرات عسكرية معززة للحوثيين. إن الهجوم على دير الزور لا بد أن يعيد الحديث عن برنامج إيران للصواريخ. في يناير الماضي اختبرت إيران صاروخاً باليستياً «خرمشهر»، قيل، إنه وصل إلى مسافة ألف كلم. وقال مراقبون لاحقاً إن الاختبار انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، لكنه عكس أيضاً رغبة إيران في تجاوز حدودها فجاءها تحذير البيت الأبيض.
لدى إيران ترسانة من صواريخ «نودونغ» المستوردة من كوريا الشمالية في التسعينات. وتم اختبار «شهاب – 3» لأول مرة عام 1998 ويبلغ مداه 950 كلم إذا كان يحمل رأساً حربياً يزن ألف كلغ. ثم عدلت فيه إيران وأنتجت صاروخي «الغدر» و«عماد» وكلاهما يمكن أن يصل إلى مدى 1600 كلم، إذا لم تتجاوز الحمولة 750 كلغ. وحسب محدثي، فإنها كانت بصدد تطوير صاروخ «الساجيل» على مرحلتين، الأولى بحيث يصل مداه إلى نحو ألف كلم، وبنظرها هذا مناسب جداً لإصابة أهداف في جميع أنحاء الخليج العربي. ثم جاء الاتفاق النووي عام 2015، لم يؤيده كثيرون؛ لأنه قيّد إيران. لكن الوضع الاقتصادي، الذي عاد يتفاقم هذه الأيام، أجبر القيادة الإيرانية على الالتزام.
يقول محدثي: في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي راكمت إيران مخزوناً من المياه الثقيلة يتجاوز 130 طناً الذي سمح به الاتفاق. وبمجرد أن تحرك المجتمع الدولي متحداً وتصرف بفاعلية لمعالجة هذه المسألة، تراجعت في غضون أيام.
إن اختبارات الصواريخ أكثر تعقيداً. لم يأت الاتفاق النووي على ذكرها. لكن القرار الدولي رقم 2231 الذي أيد الاتفاق «دعا إيران إلى وقف اختبار الصواريخ التي تكون قادرة على حمل رؤوس نووية».
برنامج الصواريخ يخضع لسيطرة الحرس الثوري. صاروخ «ذو الفقار» أو «شهاب – 3» قادر على حمل رأس نووي. إيران في إطلاقها ستة صواريخ تختبر الكونغرس الجمهوري وما إذا كان سيفعّل «قانون سلطات الحرب» الذي يوفر للبيت الأبيض المبررات القانونية اللازمة لمتابعة إجراءات محدودة يتخذها. صواريخ «التوماهوك» الـ59 التي أطلقت على القاعدة السورية كانت أيضاً رسالة إلى إيران.
إيران تصعد بالتقسيط وعندما تصل إلى شفير الهاوية تتراجع. هي بدأت الآن في التراجع، لكن «الهلال الشيعي» على المحك وقد يكون جاء وقت تفكيكه.