في السنوات الست الماضية، اختار العديد من الفنانين السوريين أن يحيّدوا أنفسهم عن ما يحدث في سوريا، حتى لا تؤثر التقلبات السياسية على مسيرتهم الفنية والمهنية؛ ومن أبرزهم المخرج السوري سامر البرقاوي، الذي لجأ إلى إخراج الجزأين الرابع والخامس من المسلسل السعودي "هوامير الصحراء" سنتي 2012 و2013، ومن بعدها بدأ بإخراج مسلسلات عربية مشتركة، تقوم بنيتها على الجمع بين ممثلين عرب، معظمهم سوريون ولبنانيون، في سياق درامي لا يراعي اختلاف الجنسيات واللهجات في معظم الأحيان.
والمسلسلات العربية المشتركة التي أخرجها البرقاوي، تستمد حكايتها من أفلام أجنبية معروفة، وينخرط فيها الممثلون اللبنانيون والسوريون بعلاقات قرابة وصداقة وكأنهم أبناء بلد واحد، وتحتوي على مفارقات تبعدها عن الواقعية، ففي مسلسل "تشيلو" تجد محامياً سورياً ينشط في لبنان، من دون أن يراعي البرقاوي الواقع والقوانين اللبنانية التي تقصر هذا النوع من المهن على اللبنانيين فقط؛ في حين يمثل باقي العرب بلدانهم، فتجسّد في نفس المسلسل، يسرا اللوزي، شخصية المخرجة المصرية، ويجسد شخصيات التونسيين في مسلسل "نص يوم" ممثلون من تونس.
وفي هذه السنة، يشارك البرقاوي في الموسم الرمضاني من خلال مسلسل "الهيبة"، الذي يحظى بمتابعة جماهيرية عالية؛ ويحاول البرقاوي في "الهيبة" أن يتوخى الواقعية قدر الإمكان، فالأحداث تدور في ضيعة على الحدود اللبنانية/ السورية، ويبرر للممثلين السوريين محافظتهم على لهجتهم؛ فالسوريون في المسلسل نوعان: الأول، سوريون غير لاجئين، يتواجدون في الضيعة بسبب علاقات القربة والتزاوج التي تجمعهم بأقاربهم اللبنانيين، وإليهم ينحدر بطل المسلسل تيم حسن، "ابن الشامية". والنوع الثاني هم السوريون اللاجئون، حيث يتواجد بعض السوريين في المكان بسبب ظروف الحرب السورية، كشخصية هنادي التي تؤديها الممثلة السورية الصاعدة يارا عاصم.
وبالنسبة لشخصية اللاجئة السورية، فإنها تظهر في المسلسل بوصفها فتاة تعمل بالدعارة، وتبرر الفعل بالظروف الإنسانية الصعبة التي عاشتها، وبسبب ظروف مفتعلة فصلتها عن أهلها في أوروبا، فهي سافرت معهم إلى تركيا، ولكنها عادت إلى لبنان لتمارس الدعارة، لأنها خافت.
وهنا يبدو السؤال مشروعاً: لماذا اختار البرقاوي لأول شخصية لاجئة سورية تظهر في مسلسلاته أن تعمل بالدعارة؟ نعم بعض اللاجئات السوريات يمارسن الدعارة، ولكن عندما يقتصر حضور اللاجئين السوريين في أعمال البرقاوي على المشاركة في الجريمة والدعارة، فإن ذلك يرسخ صورة مسيئة للاجئ السوري، لا تناقض الواقع رغم افتعالها، ولكنها تختزل الواقع بطريقة مسيئة.
فالدراما التلفزيونية هذه السنة تساهم في ترسيخ الصورة النمطية للاجئين السوريين، حيث يبدو اللاجئون على أنهم مجموعة من البشر يلجأون للجريمة والممنوعات بسبب الفقر؛ وحتى عندما تحاول الدراما أن تقدم بعض الاستثناءات للاجئين غير مجرمين، فإنها تختار الفنانين والمثقفين لتعفيهم من هذه التهمة، كما حدث في مسلسل "كان في كل زمان"، إذ يبدو اللاجئ السوري، الذي يجسده قيس الشيخ نجيب، متهماً بالإرهاب، ولكن الحوار يبرئه من هذه التهمة من خلال الإشادة بالفنان اللاجئ، فاستخدمت العديد من العبارات التي ترفع الفنان عن اللاجئ السوري المتهم بالجريمة دائماً، فيقال: "اللي بيحمل كاميرا ما بيحمل سلاح"؛ ليبدو أن طريق اللاجئين لتخطّي تهمة الجريمة والإرهاب هو اللجوء للفن.