نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً للخبير الأمني والمسؤول السابق لـ"أف بي آي" علي صوفان، بدأه بالقول إن أبا بكر البغدادي، الذي نصب نفسه خليفة للدولة الإسلامية، قد يكون قتل مرة أخرى.
ويقول صوفان في مقاله إن "روسيا كانت حذرة من عدم تأكيد مقتل البغدادي، بل قالت إن تبين أنه قتل في الغارة الجوية فإن هذا سيكون تطوراً جيدا، فالفراغ الناتج عن ذلك، والتزاحم لسده، سيسرعان بالتأكيد من تفكك تنظيم "داعش"، والحقيقة أن ذلك كان أمراً متوقعاً قبل إعلان الأسبوع الماضي".
ويشير الكاتب إلى أن "تنظيم داعش منذ بدايته لم يكن يستمد قوته من المتدينين المتطرفين، مثل البغدادي، لكن من مجموعة مؤيدين لصدام حسين، حيث تكاتف الموالون لصدام مع الجهاديين، بعد أن تعرفوا على بعضهم في السجون الأميركية في أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان هؤلاء البعثيون السابقون مبدعين في العنف، ويعرفون المجتمع العراقي جيدا، وهم من أبقوا تنظيم داعش على قيد الحياة خلال السنوات العجاف قبل أن يقودوه إلى انتصارات كاسحة، بعد مغادرة الجيش الأميركي العراق".
ويلفت صوفان إلى أنه "لم يبق الآن تقريبا من القيادات البعثية السابقة أحدا، ويمكن قول الشيء ذاته عن نوابهم، وهذا هو الفرق الأساسي بين تنظيم داعش اليوم وتنظيم القاعدة في 2011 عندما قتل أسامة بن لادن، حيث كان الكثير من نوابه جاهزين لإبقاء التنظيم على قيد الحياة".
ويذهب الكاتب إلى أن "التنظيم حرم من أي قوة كان يستمدها من عمقه، فمع قرب سقوط الموصل في أيدي العراقيين، ومع قرب سقوط الرقة في أيدي القوات التي تدعمها أميركا، فإن الأمر أصبح مجرد وقت قبل أن ينتهي التنظيم".
ويقول صوفان: "السؤال الحقيقي هو ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وهناك حقيقة يمكن اعتبارها مسلمة، وهي أن آلاف المقاتلين لن يتلاشوا، لكن سيفعلون ما فعلته أجيال من الجهاديين قبلهم، سيسعون لوسائل بديلة لعنفهم، وكما أثبت تنظيم القاعدة من قبل، فإن خسارة الأرض لم تحدد مقدرته على إلهام المؤيدين البعيدين من ساحة المعركة".
ويضيف الكاتب أن "الوريث الواضح لتنظيم داعش قد تكون شبكة التنظيمات المنتسبة إليه، خاصة تلك الموجودة في شرق ليبيا، التي تضم عدة آلاف مقاتل، ويقال إنها دربت الانتحاري الذي فجر مانشستر أرينا، سلمان العبيدي، وهناك سابقة في أن تتحول مجموعة جهادية من مجموعة محلية إلى شبكة دولية، وهو ما فعله تنظيم القاعدة بعد سقوط حركة طالبان في أفغانستان، لكن تنظيم القاعدة كان لديه ميزة بقاء القيادات من الصف الأول لتوفر قيادة ورؤية مركزية، في الوقت الذي لا تتوفر فيه هذه الميزة لدى تنظيم داعش، ولا يبدو أن المجموعات المنتسبة للتنظيم تستطيع البقاء معا دون قيادة مركزية في سوريا أو العراق".
ويعلق صوفان قائلاً: "لسوء الحظ، ليس هذا هو نهاية المطاف، فتدمير تنظيم داعش القريب يتسبب باحتمال آخر خطير: التصالح بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، فكان الخلاف بين الفريقين شخصياً وفكرياً، فمن ناحية فكرية يدعي تنظيم داعش أنه يمثل الخلافة التي ولدت ثانية؛ ولذلك يطلب الولاء من المسلمين، وهذا ما يرفض تنظيم القاعدة تقديمه، فعندما تنتهي الخلافة فلن يصبح لهذا الخلاف الفكري معنى".
ويقول الكاتب: "أما على المستوى الشخصي، فإن تنظيم داعش يكره الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري؛ لأنه أيد جبهة النصرة عندما انشقت عنه، وعادة ما يدعي تنظيم داعش أنه يمثل قاعدة بن لادن، وليس قاعدة الظواهري، لكن قد لا ننتظر طويلاً قبل أن يحمل أمير تنظيم القاعدة اسم مؤسسها، ففي رسالة صوتية عام 2015، عرف الظاهري بشاب وصفه بأنه (أسد من عرين) تنظيم القاعدة، وكان الصوت بعد ذلك هو صوت حمزة بن أسامة بن لادن، وهو الآن في أواخر العشرينيات من عمره".
وينوه صوفان إلى أن صوت حمزة في الرسالة الصوتية كان يشبه صوت والده، بالقوة الهادئة ذاتها، ومستخدما التعابير ذاتها، وقد بدأ تنظيم القاعدة بتسميته بالشيخ حديثا، وهو مؤشر إلى تنامي سلطته، لكن الأهم من ذلك هو أن الظواهري دائما ما ينتقد قيادة تنظيم داعش، في الوقت الذي يتجنب فيه حمزة قول أي شيء قد يزعج أتباع البغدادي".
ويقول الكاتب: "يجب ألا نفاجأ إن حل حمزة محل الظواهري، بصفته أميرا، ومع انتهاء تنظيم داعش وابن لادن على رأس تنظيم القاعدة، فإن ذلك سيفتح الباب لمقاتلي داعش السابقين للانضمام للتنظيم، جالبين معهم اشهرا وسنوات من خبرة القتال في الجبهات".
ويختم صوفان مقاله بالقول: "مصير تنظيم الدولة بالبغدادي أو دونه محكوم عليه بالفشل، إلا أن أيديولوجية ابن لادن متجهة للبقاء في المستقبل".