إذا كانت مصطلحات الإنقسام السياسي اللبناني ما بين 8 و14 آذار قد سقطت منذ إنجاز التسوية الرئاسية، بالنسبة إلى بعض الأفرقاء، لمصلحة إبرام التسويات السلطوية وتعزيز المكاسب السياسية، فهي ليست كذلك بالنسبة إلى حزب الله. في التفكير الإستراتيجي للحزب، لا بد من إعادة إحياء الجبهتين التقليديتين، لاسيما بعد إنجاز قانون الانتخاب. وهذا كان الهدف الأساسي لحزب الله من خلال الوصول إلى قانون انتخابي نسبي. ليس هم حزب الله تعزيز عدد كتلته النيابية، بقدر ما همّه، إنسجاماً مع توجهاته الخارجية ونشاطه العسكري في الإقليم وسوريا تحديداً، أن يبقى مفهوم الإنقسام بين المحاور حاضراً، لأنه صاحب الغلبة، والكفة ترجحّ لمصلحته. في هذا الإنقسام سيبقى لبنان عرضة للتوازنات الدولية، وبما أن المحور الذي ينتمي إليه الحزب يحقق تقدّماً في الإقليم، فإن التقدم سينعكس على لبنان.
نتيجتا الانتخابات الرئاسية والقانون الانتخابي الجديد، تشرحان المعادلة بكل بساطة. فالقانون الجديد، سيحافظ على كتلتي حزب الله وحركة امل، فيما سينشئ كتلاً نيابية جديدة، ستكون موازية للحزب، وتوفر له الغطاء الطائفي والسياسي والبرلماني. صحيح أن التوازنات الداخلية لا تسمح لفريق بإقصاء آخر، إلا أن تعزيز موقع القوة لا يضرّ. وهو يخدم وجهة النظر التي يريد الحزب إرساءها في الداخل، والإستناد إليها لما يريد تنفيذه في الخارج. التوازنات الجديدة، ستضع كل المفاصل في يد الحزب، بحيث لن يكون بالإمكان إقرار أي قانون في المجلس النيابي، يخالف توجهات الحزب. وهذه المرّة ليس بقدرة التعطيل فحسب، بل من خلال العين التي يضعها الحزب على تحصيل الأكثرية النيابية.
لا شك في أنه في الأشهر الماضية، تركت المعركة الرئاسية، ندوباً وزعزعة في العلاقات بين حلفاء حزب الله. التيار الوطني الحر، بمواجهة حركة أمل وتيار المردة. لكن اليوم، يعمل حزب الله على إصلاح العلاقات بين حلفائه. وقد دخل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوة على خطّ هذه المساعي، عندما التقى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وإنعكاسات هذه المساعي بدأت بالظهور تباعاً، وآخرها التعاطي الإيجابي المستمر من جانب الرئيس نبيه بري، تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون. وقد كرّس بري ذلك بتأكيد عمق العلاقة مع رئيس الجمهورية، ومدى التكامل والتطابق في الرؤى بينهما. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التعاطي الإيجابي المستجد من جانب النائب سليمان فرنجية تجاه العهد، وإعلانه إنهاء مقاطعة قصر بعبدا.
هذه الخطوات المستجدة كانت نتاج توافق أرساه حزب الله، عنوانه أنه بعد إقرار قانون الانتخاب، يجب إعادة تعزيز العلاقات بين الحلفاء، بمعزل عن الخلافات التكتية بشأن ملفات حياتية أو غير حياتية. وما يريد الحزب تكريسه أكثر، هو إبرام التحالفات في الانتخابات المقبلة، في ما بين حلفائه، بهدف توفير أكثرية نيابية. ويعتبر الحزب أن أي خلافات بين حلفائه، لاسيما بين تياري المردة والوطني الحر، قد تضرّ المسار الإستراتيجي الذي يريد السير به. ولذلك هو سيدخل بقوة في أكثر من منطقة لأجل رأب الصدع، وتجنّب الدخول في معارك إلغائية.
يعرف الحزب مدى قدرته على التدخل، خصوصاً في العديد من المناطق المسيحية الأساسية، حيث لديه قدرات تجييرية. لذلك، فإن ثمة دراسة معمّقة تجري في الأروقة حالياً، لمعرفة أين من المفيد التحالف بين المردة والوطني الحرّ، وأين من الرابح الإنقسام التكتيكي بينهما. ويستند حزب الله في ذلك، إلى أصوات شيعية، هي عبارة عن بلوكات. ففي كسروان هناك نحو 2000 ناخب شيعي، قادرون على تعزيز دفة حلفائه. وفي جبيل حدّث ولا حرج. وكذلك بالنسبة إلى مناطق أخرى.
ما يريده حزب الله، هو تأمين المرحلة المقبلة، ليس في لبنان، بل في المنطقة، وتحديداً في سوريا، في مرحلة تأمين إفتتاح الخط من طهران إلى بيروت، وما ستفرضه هذه الخطوة من إجراءات سياسية وغير سياسية، ستضطلع بها المؤسسات اللبنانية. المراد الأساسي، هو تغيير التوازنات لفرض خيارات سياسية من بوابة المؤسسات، من جهة، ولتمرير إتفاقات إقتصادية من جهة ثانية، تتعلّق في هذا الخط الذي يربط أربع دول ببعضها البعض. فمثلاً، إذا ما أرادت إيران مستقبلاً أن تصدّر الغاز والنفط إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، يكون هناك إمكانية لإقرار التشريع اللازم للسماح باستخدام الأنابيب والمصافي اللبنانية، الموصولة إلى البصرة تاريخياً، وإعادة تأهيلها، من قبل إيران لتصدير البترول بكلفة أقل.