يحتضن الخميس قصر بعبدا حوارا وطنيا دعا إليه الرئيس اللبناني ميشال عون، يهدف إلى استكمال مسار التسويات في أكثر من ملف حيوي، مع تجنب المواضيع الخلافية مثل مجلس الشيوخ والقانون الانتخابي.
ويشارك في هذا الحوار كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري عن حركة أمل، ورئيس الحكومة سعد الحريري عن تيار المستقبل، والنائب وليد جنبلاط عن الحزب التقدمي الاشتراكي، وسمير جعجع عن حزب القوات اللبنانية، والوزير طلال أرسلان عن الحزب الديمقراطي اللبناني، والوزير علي قانصوه عن الحزب السوري القومي الاجتماعي، والوزير جبران باسيل عن التيار الوطني الحر، والنائب آغوب بقرادونيان عن حزب الطاشناق، والنائب سليمان فرنجية عن حزب المردة.
وكان الرئيس ميشال عون قد وجه دعوة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ولكن لم يتضح إذا كان سيشارك شخصيا، أو سيوفد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، أو نائبه الشيخ نعيم قاسم.
وأكد نص الدعوة أن المواضيع التي سيتم التطرق إليها تتعلق باستكمال وتطوير بعض المواضيع المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني وفي الدستور، والعمل على إقرار المشاريع ذات البعد الإنمائي الذي يساهم في تحسين وضع الاقتصاد اللبناني من قبيل مشروع الموازنة العامة، وسلسلة الرتب والرواتب.
وتشير المعلومات الواردة عن أجواء الحوار إلى الحرص على استبعاد المواضيع الخلافية، والاقتصار على البحث في الشؤون الاقتصادية والتنموية، ما يعني أن مواضيع من قبيل إنشاء مجلس الشيوخ والتعديلات على القانون الانتخابي ستكون خارج جدول الأعمال.
وقال نبيه بري الأربعاء في اللقاء الأسبوعي إنه “أصبح من الضرورة اليوم الإسراع في إنجاز الملفات التي تهم المواطنين من أجل الدفع بمسيرة البلد إلى الأمام”.
وشدد على أن “الكلام حول تعديلات على قانون الانتخابات كثير ولكن أي طرح لم يُقبل في السابق لا يمكن ان يُطرح مجددا”، لافتا إلى أن قانون الانتخاب الذي أقرّ هو أفضل الممكن بعد نقاشات مستفيضة وطويلة وهو قانون توافق.
نبيه بري: أي طرح حول قانون الانتخاب لم يُقبل في السابق لا يمكن أن يطرح مجددا
وكان اقتصار الدعوات على الأطراف الممثلة في الحكومة قد أثار احتجاجات إذ اعتبر النائب بطرس حرب أنه لا يجب أن تنحصر الدعوة “في مَن هم شركاء في الحكم بل أن تتجاوَزهم لتشمل من هم خارجه، وعندها يكون اللقاء في القصر الجمهوري برئاسة رئيس كل اللبنانيين وليس رئيس الحاكمين فقط لا غير”.
ويغيب حزب الكتائب عن الحوار في بعبدا إضافة إلى مجموعة من القوى السياسية وأبرزها حزب البعث، وحزب الوطنيين الأحرار، والجماعة الإسلامية.
واستبق الرئيس بري موعد الحوار بالإعلان عن طي صفحة مجلس الشيوخ نهائيا معتبرا أن إنشاء مجلس شيوخ يرتبط بإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وهو أمر يتعذر تحقيقه حاليا.
ويعتبر محللون أن هذا الحوار يهدف إلى ضبط إيقاع الصراعات بين أركان الحكم والتي باتت تهدد استمرارية السلطة في المرحلة القادمة.
ويمكن أن يطلق على حوار بعبدا تسمية “لقاء المصالحات”، وذلك لأن التمهيد له تضمن وساطة للمصالحة بين الحريري وجنبلاط يقوم بها الرئيس بري، ويبدي الطرفان استعدادا للسير بها واستكمالها.
وتشير المعلومات إلى أن بوادر الانفراج بين رئيس حزب المردة سليمان فرنجية ورئيس الجمهورية ميشال عون، تعود إلى الجهود التي بذلها حزب الله في هذا الصدد.
وأدت هذه الجهود إلى تأكيد فرنجية على المشاركة في الحوار ما يشير إلى فتح صفحة جديدة بينه وبين الرئيس ميشال عون. وكذلك يفتح الحوار الباب أمام مصالحات بين رئيس الحكومة سعد الحريري وبين حزب القوات اللبنانية، بعد أن تسبب ملف استجرار الطاقة الكهربائية عن طريق البواخر والذي يدعمه الحريري وترفضه القوات اللبنانية في خلافات حادة بين الطرفين.
وكان الملف نفسه قد أنتج سجالات عنيفة بين ممثل التيار الوطني الحر في الحكومة وزير الطاقة سيزار أبي خليل وبين وزراء القوات اللبنانية.
وتلفت بعض المصادر إلى أن دعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إلى المشاركة في الحوار تعني قبل كل شيء الحرص على تثبيت التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وبث رسالة إلى كافة القوى السياسية المشاركة في الحكومة تفيد بأن هذا التحالف هو صانع مشهد السلطة الحالي. ويطرح حوار بعبدا على المكونات الممثلة في الحكومة خيار ضبط إيقاع الصراعات ضمن السقف الذي تحدده مرجعية تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، أو الإقصاء عن المعادلة كما هو حال القوى التي لم توجه إليها الدعوة.
وتربط بعض القراءات بين توقيت الدعوة إلى الحوار والتطورات الإقليمية وخصوصا الخلاف القطري الخليجي، وما تبعه من تحذيرات خليجية صارمة للبنان، تؤكد أن اكتشاف أي إشارة لتدخل حزب الله في هذه الأزمة سيؤدي إلى قطع كافة العلاقات مع لبنان بشكل فوري.
وكانت بعض المعلومات قد أفادت عن تلقي سعد الحريري نصيحة خليجية ودولية اتخذت صيغة تحذير من مغبة الدفاع عن حزب الله في مواجهة العقوبات الأميركية ضده.
ويلعب هذا الجو دورا فاعلا في إعادة ترتيب الأولويات اللبنانية، وضبط الأمور عند الحدود التي تسمح بتجنب كارثة الانهيار الاقتصادي.
وكانت الأزمة الخليجية مع قطر وطريقة التعامل السعودي والخليجي معها قد أثبتت بما لا يقبل الشك توجه السياسة الخليجية في هذه المرحلة الميال إلى التشدد والحسم، كما أنهى أوهام خصوصية موقع لبنان المميز.
وتشدد بعض القراءات على أن حزب الله قرأ جيدا هذا المناخ وقرر التماشي معه من خلال التفاهم مع رئيس الجمهورية على إطلاق الحوار في بعبدا بمشاركة مكونات السلطة.
ولا يستطيع حزب الله المغامرة حاليا بالتسبب في أزمة تؤدي إلى قطع علاقات لبنان مع الخليج لأن تداعيات هذا الموضوع حاليا تتجاوز قدرته على التحكم فيه أو إدارته في اللحظة التي دخلت فيها الإدارة الأميركية مباشرة على خط الحرب السورية، وباشرت بفتح مواجهة تستهدف النفوذ الإيراني في المنطقة على كل الجبهات.