ليست نزهة زيارة السيّد مقتدى الصدر لدولة الرئيس نبيه بري ولا هي للإطمئنان عن صحته وإن كانت محل إهتمام ورعاية المراجع الدينية النجفية نتيجة لعلاقة قوية ومتينة وثابتة ما بين حركة أمل والمرجعيات الدينية في النجف الأشرف والتي لم تهتز للحظة واحدة رغم محاولات كبيرة لدق إسفين أعجمي بين المرجعية النجفية وحركة المحرومين أمل.
كما أن زيارة السيد الأقوى في المشهد الشيعي العراقي للرئيس الأقوى في المشهد الشيعي اللبناني لا تأتي من فراغ بقدر ما هي تلبية لحاجة ملحة سعى اليها الرئيس نبيه بري بإستمرار لحفظ الشيعة العراقيين من فتنة داخلية أعدتها أجهزة غير غريبة عن العراقيين وهي تدور في فلك الباحثين عن أزمة في بيت الطائفة لإضعاف الدور الشيعي لصالح سيطرة الدولة المستفيدة من العراك العراقي كونه يضع الجميع في دائرة الإستنزاف ولا يسمح بحضور تجربة سياسية ناجحة نتيجة تخلف الباحثين عن متاعب لحياتهم.
إقرأ أيضًا: ياسر عودة وتُجار حارة حريك
مرةّ جديدة يؤكد الرئيس نبيه بري على العراق كحاضن تاريخي وثقافي وفقهي وسياسي وعلى مسؤوليته المباشرة عن العراق ودوره كدولة عربية فاعلة ومؤثرة بحجم الثروات التي تملكها وفي قطاعات مختلفة وفي هذا السياق تأتي زيارة المرجع السياسي إبن المرجع الديني السيّد مقتدى الصدر للرئيس نبيه في مرحلة عراقية حبلى بنتائج ما بعد داعش، وماذا ينتظر العراق من فرقة داخلية على المستويات كافة؟ وهناك خوف حقيقي من تجزئة العراق وتقسيمه جغرافياً بعد أن تمّ محاصصته طائفياً ومذهبياً وسياسياً وإقتصادياً وبعد أن رُميّ بالعراق في حلق التنانين من الأقربين والأبعدين وثمّة شروط لبقاء الحمايتين الأمريكية والبريطانية للطبقة السياسية الحاكمة والمهددة بالإنقسام طالما أن لا شرعية تغطي حضورها القسري في السلطة.
اذاً ما بعد داعش يشغل بال المخلصين العراقيين ويشغل بال الحريصين على العراق وهذا سرّ زيارة الصدر لرئيس حركة الامام موسى الصدر فما بين الخطين امتداد في الرؤية التاريخية للحضور الشيعي في العالمين العربي والإسلامي وبالخصوص ساحة العراق بإعتبارها مساحة الدور والفعل والحيوية والمركز والمضمون والمحتوى والخطاب التأثيري في الكتلة الشيعية أينما وجدت وأينما كانت ومصدر الإعتدال الديني والسماحة المذهبية المتفاعلة مع الصيغ الإسلامية الأخرى دون المس بخصوصيات كل فرقة إسلامية لأن ذلك ديدن الحوزة العلمية النجفية والتي تأسست على مشروعية الاختلاف مع الاخر دون تهوينه أو تخوينه أو تكفيره باعتباره مكون لجوهر الفهم الإسلامي.
إقرأ أيضًا: رجم مجلس الشعب بأحجار الشعب
من هنا لا يمكن التعاطي مع الزيارة كزيارة عائلية فما بين وريث الامام الصدر والسيد مقتدى الصدر دعوة مفتوحة للإنخراط في مشروع الدولة العادلة والقضاء على الفساد والحرمان والتماهي مع الخيارات العربية وفي مقدمتها وطليعتها خيار العودة لفلسطين في كل الوسائل الممكنة والدفع مجدداً بمشروع الوحدتين العربية والاسلامية القائمتين على الاختلاف غير التكفيري وعلى وحدة المصالح ووحدة الأهداف في مرحلة تصدعت فيها كل صيغ التجمعات والكتل العربية والإسلامية والاقليمية وباتت رغبات الإنقسام هي المسيطرة على الوسطين العربي والإسلامي.
ثمّة رهان على دورالرئيس بري في حماية العراق من العراقيين بتغليب منطق العقل على منطق الغريزة وما مساهمته في إطفاء الحرائق الداخلية الى دلالة واضحة على حجم المسؤولية في حفظ ما تبقى من مكتسبات العراق لكسب مستقبل سياسي آمن من فوضى السلطة والطائفة والمذهب والحزب الحاكم ومن سرقة المال العام لصالح جيوب داخلية وخارجية ولصالح خيارات غير وطنية وضعت العراق في محرقة الصراع الدائر في المنطقة بين قوى ودول تتنازع لتحسين شروط سيطرتها على المنطقة.
يبدو أن الرئيس بري قد نصح الصدر المتهيء لمرحلة ما بعد داعش والحشد الشعبي بتهدئة الأجواء لصالح التفاهم العراقي على فتح صفحة جديدة من العلاقات مع المكونات العراقية وهي قائمة على ترك الكانتونات الطائفية والمذهبية والانطلاق في إعادة بناء مشروع الدولة العادلة والضامنة لحقوق الجميع دون تمييز بين مواطن ومواطن على خلفية ضيقة وهوية من صنع تجار المذاهب وأصحاب الملل والفرق.