المهم، أنّ السياسيين، عن قصد أو عن غير قصد، طوعاً أو كرهاً، برضاهم أو رغماً عنهم، وصلوا الى قانون جديد قائم على النسبية، تدحرجت عليه مجموعة تسميات؛ «قانون الضرورة»، و«أفضل الممكن»، و«أحسن الموجود»، و«الأقل سوءاً»، و»ستين مجمّل»، والحبل على الجرار.. كلّها تسميات لا توفي القانون الجديد حقّه، ذلك أنّ اعتماد النسبية في ظلّ نظام طائفي يشكل بلا أدنى شك خطوة نوعية متقدّمة على مسار التغيير الحقيقي، تؤسّس لخطوات أخرى لاحقة أكثر نوعيّة وتطويراً.
من هنا يُظلم القانون إن أُلصقت به أيّ من التسميات السالفة الذكر. قد لا يكون القانون المثالي بالنسبة الى كثيرين، إنما هو في جوهره قانون تغييري إنقاذي نجّى البلد من الدخول في مجهول وفتح الباب لمزيد من التطوير في المستقبل.
في التقريش الموضوعي، وبعيداً من منطق الأرقام وحسابات الإحصاءات، فعلى المستوى التمثيلي لا يوجد رابح بالكامل ولا خاسر بالكامل، وكما الكل رابحون والربح نسبي وليس «محدليًّا»، فالكل أيضاً معرّضون للخسارة، وأيضاً الخسارة نسبية، وبالتالي الأحجام والشأنيات والحيثيّات تبقى موجودة بحجمها الطبيعي والحقيقي، وليس الحجم المتورِّم أو المنتفخ اصطناعياً.
وربطاً بذلك فإنّ الإصرار على النسبية الكاملة في القانون أتاح الفرصة لمَن كانوا مهدَّدين بالتذويب أو الإلغاء أو الإقصاء أو التهميش لأن يتمثّلوا في البرلمان وأن يكون لهم وجودهم السياسي.
لقد أخطأ بعض السياسيين، أو غالبيتهم، بحق القانون، فبدل أن يُشعِروا الناس بأهمية الإنجاز الذي تحقق، وبجدواه وفعاليّته وأثره على الواقع السياسي الآني والمستقبلي، بدأوا بالتشويش عليه؛ تارةً بالتشكيك بمصير الانتخابات نفسها والتسويق لاحتمال عدم إجرائها من الآن، وأما السبب فمجهول، وتارةً أخرى بمحاولة تصوير القانون كبناءٍ قائم على خلل وزلّات وعثرات وأخطاء، اتّخذها البعضُ ذريعة للمطالبة بتعديلات على القانون، على نحو ما أشار اليه الوزير جبران باسيل، في وقت لم يكن القانون قد أتمّ اليومين من عمره، ولم يجفّ حبرُ إقراره ونشره في الجريدة الرسمية بعد؟!
المهم وُلد القانون في النهاية وصار نافذاً، ولا تنفع أية محاولات أو شعارات سياسية أو شعبوية في تغيير المسار الذي تمّ سلوكه وانتهى الأمر، على أنّ الأهم أنه في أجواء ولادة القانون الجديد، وُلدت الدعوة الرئاسية الى «لقاء الخميس» في القصر الجمهوري في بعبدا للتشاور في أولويات المرحلة المقبلة وتنشيط العمل الحكومي. ولكن هناك مَن يقرأ في الدعوة الرئاسية لعقد لقاء الخميس مع رؤساء الأحزاب المشارِكة في الحكومة هدفين:
• الهدف الأول، علني كما جرى التعبير عنه في الدعوة الرئاسية، لجهة تنشيط العمل الحكومي، ولكنّ مجرّد الدعوة الى «التنشيط» معناه تسجيل علامة سلبية للحكومة، والإقرار بشكل غير مباشر بعجزٍ أصابها عن القيام بالمهام المطلوبة منها وتلك التي وعدت فيها في بيانها الوزاري.
وبطبيعة الحال سيشكّل اللقاء فرصةً لإعادة التذكير بالإنجاز الذي تحقق بإقرار القانون الانتخابي الجديد والتركيز على أهميّته، وخصوصاً أنّ ولادته ظلت حتى اللحظات الأخيرة شبه مستعصية، والبلد يسير معها على حافة الهاوية.
• الهدف الثاني، ضمني، يعكس أنّ «لقاء الخميس» في بعبدا، هو حاجة رئاسية قبل أيّ شيء، يُراد منه ما يلي:
• أولاً، أن تكون لحظة انعقاد لقاء الخميس بمثابة إعلان رئاسي غير مباشر بنهاية مرحلة وبدء مرحلة جديدة.
• ثانياً، أن يمكّن انعقاد اللقاء الرئاسة من تجاوز هنّات المرحلة الماضية والتعقيدات التي رتّبتها والمشكلات التي خلفتها، ورسم أسس المرحلة الجديدة. (التي يُفترض أن تقوم على قواسم مشترَكة مع الجميع. وإعادة بناء الجسور مع القوى السياسية وترميم العلاقات معها).
• ثالثاً، أن يشكّل اللقاء فرصةً للرئاسة الأولى لأن تستعيد موقع الرعاية الذي تعرّض لما هو أكثر من تصدّع، بعدما تخلّت عن هذا الموقع وانتقلت خلال مقاربة القانون الانتخابي، الى موقع الطرفيّة الذي هشّم صورة الحاضن، وصورة الأب الراعي، وجعلها تنزلق الى الانحياز الى الطروحات التي كان لها الأثر التوتيري على كل الواقع السياسي في الفترة الأخيرة.
ما يعني أنّ الهدف الأساس من لقاء الخميس، استعادة صورة الرئيس الراعي، واستعادة صورة الرئيس الأب، واستعادة صورة الرئيس الحكم الذي يُفترض أن يكون على مسافة واحدة من كل الأطراف.
هل يستطيع رئيس الجمهورية إعادة لحم ما انكسر أو ما تصدّع بينه وبين بعض القوى الأساسية، وهل يستطيع أن يشفي الجسم الرئاسي من الشظايا التي أصابته خلال معركة القانون الانتخابي؟
إذا كانت القوى السياسية على اختلافها، التي قرّرت تلبية دعوة الرئيس الى بعبدا قد أبدت استعدادها لوضع أيديها في يد الرئيس للتصدّي لكلّ ضرورات المرحلة المقبلة، إلّا أنّ الرئيس، وبأصل الدعوة، قد ألزم نفسه مسبَقاً بنجاح اللقاء وجعله منتجاً بعيداً من الخطابات والشعارات والطموحات الكبيرة، وبالتالي التوافق على إعادة ترتيب الأولويات ومقاربتها بما تستحق. وربطاً أيضاً، إعادة رسم معادلات سياسية جديدة بين الأطراف.
تلك المعادلات، تشكّل الوصفة الضرورية لتحصين الاستقرار الداخلي أكثر، وأيضاً لتحصين القانون سياسياً، خصوصاً وأنّ علامات استفهام تُرسَم في بعض الزوايا السياسية حول فترة التمديد المجلسي (11 شهراً) ومصير الانتخابات، وكيف ستُنسَج فيها التحالفات؟ وكيف ستترتب المصالح؟
وأين هي حدود المعركة من حدود اللامعركة؟ وفي الوقت نفسه كيف سيتعايش لبنان مع ما هو قادم ومع الصورة الإقليمية المرتجّة؟ وكيف سينأى بنفسه عن النار المشتعلة في محيطه؟ وهل سيكون لذلك تأثير على مسار القانون وبالتالي الانتخابات؟
الجواب هنا يتطلب الجلوس لبعض الوقت على مقعد الانتظار.