مضت سنوات كثيرة على إستشهاد المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي وما زالت كلماته وكتبه موضع أخذ ورد بين شباب الشيعة في العالم العربي والإسلامي.
فهكذا مفكر ومن هذا الوزن، أثارت كتاباته الكثير من الجدل في حياته درجة أن التكفير طاله والتخوين لاحقه حتى آخر لحظة من حياته.
ولذلك أسباب موضوعية وواقعية فرضت هذا الهم على حياة شريعتي، فهو لم يكن تقليديا أو مقلدا لمن سبقه ولم يردد ما يريده العامة أو ما تستسيغه مشاعرهم بل عرض فكره المتناقض مع غالبية التراث الشيعي من أحاديث وكتب وأخرج فكر أهل البيت من تقوقعه وأعطى مفهوما جديدا للتشيع.
إقرأ أيضا : من يكون ... علي شريعتي ؟
محنته مع رجال الدين :
هذا الفكر الذي تبناه كان لا بد أن يصطدم مع مؤسسة رجال الدين الذين حكموا العباد لسنوات بأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، فكانوا يدعون الناس إلى الزهد وهم يتمتعون بزينة الدنيا وكانوا يقدمون أهل البيت والأئمة على أنهم أساطير عصيين على الفهم البشري وكفروا كل من حاول شرح حياة أهل البيت بطريقة علمية وواقعية بعيدة عن الخرافة التي تميز بها أسلوب رجال الدين.
كان علي شريعتي في هذه النقطة بالذات جريئا بشروحاته وأطروحاته التي نالت إستحسان بعض العامة كونهم ضجروا من طبقة رجال الدين.
وفي حقيقة الأمر كان الإكليروس الشيعي يحاول أن يصادر فهم التشيع وأهل البيت لنفسه فقط، فممنوع على أي طرف خارج عباءة مصالح رجال الدين أن يتكلم عن أهل البيت وتاريخهم، ومن كان يفعل ذلك كان مصيره التكفير.
لكن لماذا؟ لماذا خوف رجال الدين من أشخاص كعلي شريعتي ؟
السبب الوحيد المتفق عليه بين الذين درسوا تلك الفترة التاريخية أن علي شريعتي إستطاع فضح أكاذيب رجال الدين بأسلوب علمي رصين قائم على الحجة والبرهان والدليل.
وبعد أن تمت عملية الكذب هذه، أصبحت مصالح الإكليروس مهددة ، فشريعتي وهذا سر عظمة فكره تمكن من إثبات حقيقة أن الإسلام يمكن أن يستمر وينمو ويتطور من دون وجود رجال الدين الذين حولوا الدين إلى مؤسسة ذات طقوس جامدة وجافة ومليئة بالخرافات والأساطير وبالتالي صورهم للناس على أنهم عبء يكتنزون الذهب بإسم أهل البيت ومظلوميتهم.
وعن هذه النقطة بالذات لم يتفق معه كثر حتى بعض من محبيه، فكثر يلومون شريعتي أنه كان قاسيا ومتطرفا بإنتقاده لرجال الدين وطالبوه بالتمييز بين الصالح والطالح وعدم التعميم، وهو شيء سنراه يطرأ على فكر شريعتي فيما بعد عندما بدأ بإستعراض شخصيات لرجال دين تاريخيين وإعتبرهم عظماء في تاريخ التشيع.
إقرأ أيضا : فيديو عن المفكر الشهيد علي شريعتي
رجل يقبل النقد :
إنطلاقا من هذا التغيير الذي طرأ على فكر الرجل في موضوع رجال الدين ، كان شريعتي يؤكد أنه بالفعل يجسد حقيقة المفكر والمثقف الذي يقبل النقد ويتعاطى مع الأمور بسلاسة ومرونة.
وهو كثيرا ما دعا رجال الدين إلى حسينية الإرشاد في طهران - المكان الذي كان يحاضر فيه - من أجل أن يناقشوه في أفكاره وبعض رجال الدين قبلوا دعوته لكن الأكثرية كفروه وحرفوا كلماته.
إقرأ أيضا : علي شريعتي في ذكراه الأربعين
بين فكرين :
وبين ما كان يراه شريعتي وبين ما هو سائد ، تبقى حقيقة وجود فكرين في الوسط الشيعي مستمرة إلى يومنا هذا .
فكر يدعو إلى تقديم أهل البيت على أنهم أساطير ومع الوقت يتحول أتباع هذا الخط إلى خرافيين أي يؤمنون بالخرافة ويقدمونها على العقل ويعبدون النص ويتعاملون مع الحديث أو الرواية على أنها مقدسة ممنوع المساس بها أو على الأقل تأويلها وهؤلاء نرى في أوساطهم أعلى معدلات الجهل والفقر والأمية وأسلوبهم في الرد هو الشتم وهتك الأعراض والتهكم والسخرية وأخلاقهم بذيئة ويديرهم رجال دين دينهم التكفير وأسلوبهم التخوين وكلامهم بذيء ويستغلون المناسبات الحسينية لنسف أي فكر قائم ويحولون العزاء على الإمام الحسين إلى تجارة يكتسبون منها .
إقرأ أيضا : علي شريعتي
وفكر آخر قاده شريعتي ولا زال حتى الآن مستمر يقدم العقل على الخرافة ويدرس تاريخ أهل البيت بمنطق وعقلانية وفهم يتقبله ليس فقط الشيعة بل كل البشرية.
ما فعله شريعتي أنه أوضح ذلك للعامة بطريقة سهلة وأن كلماته لا تزال فاعلة حتى يومنا، فصحيح أن الرجل إستشهد منذ 40 عاما إلا أن فكره لا زال حيا حتى الآن وأكثر ناس يخشون هذا الفكر ويحقدون عليه هم رجال الدين وتجار العزاء والخرافيين الذين ينطقون فقط بالشتائم ويجادلون بالسب واللعن والتكفير.
واليوم في مجتمعنا الشيعي نرى صراع العمائم وعمى أتباعهم ، فهل كانت نظرية علي شريعتي عن الإسلام من دون رجال دين موفقة ؟ وهل هي صالحة لمجتمعنا اليوم؟
لماذا لا نجربها بعد أن جربنا حكم العمائم فتحولنا إلى إرهابيين وتكفيريين وخرافيين بنظر بعضنا ونظر العالم.