قبل أيام، صدر قرار عن مجلس النواب الأميركي بفرض عقوبات جديدة استهدفت كلا من ايران وروسيا، وتحديدا الرئيس فلاديمير بوتين. وقد أُرفق القرار بآلية تنفيذ تمنع الرئيس الأميركي من تخفيف العقوبات بشكل أحادي.
وفي الأسباب الموجبة المقدمة لاصدار القرارين، جعل ايران تدفع ثمن دعمها المستمر للارهاب، ومعاقبة بوتين على التدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية.
ما علاقة لبنان بهذا الأمر، وهل من رابط بين هذين القرارين، وبين قانون العقوبات الأميركي الجديد الذي يستهدف حزب الله والمتعاملين معه، الذي باشر الكونغرس دراسة مندرجاته؟
يبدو لبنان معنياً بالقرارين المتعلقين بايران وبوتين انطلاقا من النقاط التالية:
اولا- أثبت القرار المتعلق بايران ان مجلس النواب، بشقيه الديمقراطي والجمهوري، يتماهى مع سياسة الادارة الأميركية بالتشدّد حيال ايران، وتجاوز مفاعيل الاتفاق النووي.
ثانيا- عكس القرار من خلال الاسباب الموجبة التي وردت في متنه، ان التركيز على موضوع دعم ايران للارهاب، يعني ان واشنطن جدية في تنفيذ سياسة تقليم أظافر ايران في المنطقة، وهذا الأمر يستهدف بشكل خاص حزب الله اللبناني.
ثالثا – أظهر القرار الذي استهدف بوتين، ان إحداث تغيير في التوجهات الأميركية صعب ومعقد للغاية. ذلك ان الرئيس الروسي الذي تابع ولادة الفكرة، وعمل منذ وقت مبكر على محاولة تلطيف القرار قبل صدوره، فشل في مسعاه، وصدر القرار بالصيغة القاسية التي تم اقتراحه فيها، دون تعديلات تُذكر.
رابعا - عكست الصيغة المستخدمة في مجلس النواب الأميركي الحرص على تحاشي الثغرات في قرارات مشابهة، منها قانون العقوبات على حزب الله بنسخته الاولى، حيث نجح الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما في تخفيف مفاعيله من خلال التحكّم في اسلوب التنفيذ. هذه القدرة ألغاها مجلس النواب في قرارايه الجديدين، فيما يشبه التنبّه المسبق لما يمكن ان يحصل، ولجعل التنفيذ مُلزماً بكل مندرجاته للادارة الأميركية.
مع تسجيل ملاحظة هنا، أن الادارة السابقة كانت تميل في نهجها الى المهادنة والتلطيف، على عكس ادارة ترامب التي لا تطلب سوى التشدّد، على طريقة لا توصّي حريص.
هذه الحقائق تعني ان الحكومة اللبنانية ينبغي أن تتعاطى مع مشروع قانون العقوبات الجديد انطلاقا من ثابتة مفادها ان واشنطن مصمّمة على التشدّد في ملف حزب الله، وان تلطيف تنفيذ القانون بعد صدوره لن يكون ممكناً، والجهد المطلوب قبل صدور القانون أكبر مما يعتقد البعض بدليل ان بوتين بما يمثل عجز عن تغيير القرار رغم جهوده في هذا الاتجاه.
قد يقول البعض ان هذا التوصيف لا يترك مجالا واسعا للمناورة، وانه يعني ان لا ضرورة الى بذل الجهود، لأن لبنان لن يكون أقوى من روسيا، ولأن لبنان ليس البلد المخوّل تغيير النهج الاميركي حيال ايران.
هناك جانب من الواقعية في هذا الطرح، لكن بعض التفاصيل قد تصنع الفرق انطلاقا من أن التعاطي الأميركي مع لبنان يستند الى ثابتة الحفاظ على البلد واستقراره، وانطلاقا من واقع ان لبنان يمتلك صداقات أميركية متينة، واللوبي اللبناني في الادارة الاميركية فعّال.
بالاضافة الى المجهود الاستثنائي الذي قامت به جمعية المصارف اللبنانية. هذا المجهود أثمر، بدليل بعض الاصوات الاميركية التي بدأت ترتفع للمطالبة بحماية لبنان وصياغة القانون الجديد وفق خط أحمر هو ضمان استمرار الاستقرار الاقتصادي والمالي والأمني في لبنان.
هذه الاصوات المؤثرة، لم تنطلق من عدم، بل هي نتيجة ما زرعته جمعية المصارف خلال اتصالاتها وزيارتها الاخيرة الى واشنطن. وهي جهود برسم الاستكمال والمتابعة.
لكن جمعية المصارف لا تستطيع منفردة احداث التغيير المطلوب، وهي مهّدت الأرض وبات مطلوبا القيام بجهد حكومي يتولاه الرئيس سعد الحريري الذي وعد بهذا الأمر بعدما أطلعه رئيس الجمعية جوزف طربيه على كل الاجواء المحيطة بنتائج الجهد الذي بذلته الجمعية.
ومن المتوقّع في الايام المقبلة، بعد عيد الفطر، ان يتولّى الحريري وحكومته، استكمال ما بدأته المصارف، لكي تصبح احتمالات التغيير في قانون العقوبات الاميركي الجديد واردة، بهدف حماية البلد، بصرف النظر عن واقعية عدم القدرة على تغيير الخطط الأميركية حيال حزب الله.