خلال المناقشات التي جرت في الأشهر القليلة الماضية حول قانون الانتخابات النيابية، قدَّمت بعض القوى والأطراف السياسية عدة اقتراحات لتعديل اتفاق الطائف وما يتضمنه حول موضوع المناصفة، وذلك تسهيلاً للوصول إلى إقرار قانون الانتخابات.
وكان أول من طرح هذا المشروع الرئيس نبيه بري، عبر طرحه إبقاء المناصفة في عدد النواب بين المسلمين والمسيحيين، مع اقرار إنشاء مجلس الشيوخ على أساس طائفي، وهذا الطرح يتناقض مع ما تضمنه اتفاق الطائف والدستور اللبناني، الذي دعا الى الربط بين إنشاء مجلس الشيوخ وإلغاء الانتخابات على أساس طائفي.
لكن الرئيس بري عاد وسحب طرحه لأنه وضع مهلة محددة للقبول به، هو موعد 15 أيار الماضي، وفي وقت لاحق عمد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل إلى طرح هذا الموضوع، من خلال أخذ تعهدات من القوى السياسية على القبول بإبقاء المناصفة بشكل دائم مع تشكيل مجلس للشيوخ، وذلك مقابل الموافقة على قانون النسبية على أساس 15 دائرة، لكن لم يُقبَل بهذا الموضوع واتُّفق على بحثه لاحقاً.
وهذه الطروحات تشكل تغييراً كلياً في اتفاق الطائف، وتشكل تراجعاً عن موضوع إمكانية إلغاء الطائفية السياسية حتى مع تشكيل مجلس الشيوخ على أساس طائفي.
فما هي أبعاد هذه الطروحات والتعديلات؟ وهل يمكن القبول بإلغاء بنود أساسية في اتفاق الطائف عبر ابقاء المناصفة بشكل دائم، وكيف يمكن الوصول إلى دولة المواطنة والعمل لإلغاء الطائفية السياسية؟ وهل يُطمأن المسيحيون من خلال إبقاء المناصفة، أم نحتاج لرؤى جديدة لتطوير النظام السياسي اللبناني؟
الدعوة لتغيير الطائف!
بداية لماذا يُدعى حالياً إلى تعديل اتفاق الطائف، فيما كانت تشنّ حملات قاسية على كل من يدعو لعقد مؤتمر تأسيسي جديد أو يدعو لإعادة النظر في هذا الاتفاق؟
ولا بدّ في هذا الإطار أن نعيد التذكير بأنّ أول من دعا لعقد مؤتمر تأسيسي جديد للبحث في الواقع السياسي اللبناني، كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وقد أدت هذه الدعوة آنذاك الى شنّ حملة سياسية وإعلامية قاسية على السيد نصر الله وحزب الله، واتُّهم الحزب بأنه يريد إلغاء اتفاق الطائف واقامة نظام سياسي جديد قائم على المثالثة بين السنّة والشيعة والمسيحيين، وقد أدت هذه الحملة الى سحب نصر الله وحزب الله الدعوة إلى عقد مؤتمر تأسيسي.
وفي وقت لاحق تكررت الدعوات لإعادة النظر باتفاق الطائف والبحث عن نظام سياسي جديد يتناسب مع المتغيرات الحاصلة منذ عام 1989 وحتى اليوم، ومن الذين تبنوا الدعوة لإعادة النظر باتفاق الطائف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال ارسلان، لكن هذه الدعوات لم تلق تجاوباً من بقية الأطراف.
وأما التيار الوطني الحر، فإن موقفه التاريخي كان الاعتراض على اتفاق الطائف، وكان الرئيس ميشال عون من أوائل الذين اعترضوا على الاتفاق يورفضوا تطبيقه، ولم يجرِ التطبيق إلا بعد تنفيذ عملية عسكرية سورية ضد قصر بعبدا في العام 1990، ما أدى الى إخراج العماد عون وأنصاره من القصر آنذاك، لكن بعد عودة عون الى لبنان عام 2005 التزم التيار الوطني الحر اتفاق الطائف ومندرجاته ودخلوا الى البرلمان اللبناني والحكومة وفقاً للآليات التي نص عليها الاتفاق.
بين طمأنة المسيحيين ودولة المواطنة
لكن كيف يمكن الجمع بين العمل لطمأنة المسيحيين في لبنان في المدى المستقبلي في ظل تناقص أعدادهم في مقابل المسلمين ودون ان يؤدي ذلك الى إضعاف دورهم السياسي؟ وهل يمكن إيجاد صيغ معنية للتمهيد لإقامة دولة المواطنة أو إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس الشيوخ، مع الإبقاء على المناصفة في عدد النواب بين المسلمين والمسيحيين؟
من خلال العودة لأجواء النقاشات التي تمت لإقرار اتفاق الطائف وما تضمنه هذا الاتفاق من نصوص جرى إدراجها لاحقاً في الدستور اللبناني، فإن إلغاء الطائفية السياسية كلية كان إحدى النقاط البارزة في الاتفاق، وان كان جرى وضع آلية متدرجة للتطبيق، من خلال إنشاء مجلس الشيوخ وإلغاء الانتخابات النيابية على أساس طائفي وتشكيل هيئة وطنية تضع خطة متكاملة لإلغاء الطائفية السياسية.
وكان من المفترض ان تجري كل هذه الخطوات بعد أول انتخابات نيابية وبعد البدء بتطبيق اتفاق الطائف، لكن التطورات التي حصلت منذ اغتيال الرئيس رينيه معوّض وما جرى خلال الوجود السوري في لبنان وصولاً لاغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، ومن ثم كل الأحداث التي جرت بعد خروج السوريين من لبنان، أدت الى عرقلة التطبيق الشامل لاتفاق الطائف ولم يتم استكمال كل الخطوات التي نص عليها الاتفاق إن على صعيد تشكيل مجلس الشيوخ أو تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية أو اجراء انتخابات على أساس غير طائفي.
وبعد وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية والتنامي الكبير لقوة التيار الوطني الحر وتحالفه مع القوات اللبنانية، قد يعتبر التيار انه آن الأوان لإعادة النظر بالاتفاق لتثبيت المناصفة حتى مع تشكيل مجلس الشيوخ،
ومن الواضح ان ابقاء المناصفة في مجلس النواب يعرقل الذهاب نحو دولة المواطنة، خصوصاً في حال تشكيل مجلس للشيوخ، لأن هذا المجلس هو الذي سيحفظ دور الطوائف في القضايا الأساسية حسبما نص الاتفاق والدستور اللبناني.
ولذلك هناك من يطرح في بعض الأوساط المسيحية: أن الحفاظ على الدور المسيحي مستقبلاً غير مرتبط فقط بالمناصفة في عدد النواب في ظل تراجع عدد المسيحيين، ولذا لا بدّ من اعادة دراسة كيفية العمل لإقامة دولة المواطنةبلشكل كامل وتعزيز الدور المسيحي النوعي وليس العددي.
وأما أن يتم الجمع بين مجلس الشيوخ وإبقاء المناصفة في عدد النواب، فإن ذلك يشكل تراجعاً كبيراً في تطبيق اتفاق الطائف وهو مناقض كلية لروحية الاتفاق، وبانتظار تبلور صورة الأوضاع في لبنان من المرحلة المقبلة فإننا نحتاج لإعادة البحث جدياً في اتفاق الطائف وكيفية استكمال بنوده وتطوير هذه البنود وليس العودة الى الوراء.}
على ضوء مناقشات قانون الانتخاب: ما هي أبعاد التعديلات المطروحة لاتفاق الطائف؟
على ضوء مناقشات قانون الانتخاب: ما هي أبعاد التعديلات...قاسم قصير
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
مجلة الامان
|
عدد القراء:
910
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro