بثوان معدودة، وعلى غفلة من ذاكرة، خسر 70 دولاراً بالتمام والكمال. المبلغ لم يكن نقداً، إنما رصيد خطّه الخلويّ. لكن هل من فارق حقاً؟ في المحصلة، هي أموال دفعها من جيبه، ولو "بالتقسيط"، ولو مُرغماً...هي أموالٌ دخلت إلى خزينة الدولة، لكنّها خرجت من محفظته، سُدى!
حال رئيس بلدية برج الملوك السابق سليمان سليمان لا تختلف عن أحوال جميع اللبنانيين الحاملين هواتف خلويّة. يُخبر موقعنا أنه "نسي تشريج خطّه الذي كانن يحوي رصيداً بقيمة 70 دولاراً، تراكم بفعل التشريج الإجباريّ، وقلّة الاتصالات التي يجريها". لا ينفي أنه كان قد تلّقى إشعاراً بضرورة التشريج قبل أيام، ومع هذا فقد غاب الأمر عن باله. حينما اكتشف انه خسر الرصيد، سارع إلى الاتصال بالشركة، حتى أنه توّجه لاحقاً إلى مكتب شركة الاتصالات في المحافظة، على أمل استعادة الرصيد، أو قسم منه. عبثاً حاول. المفاجأة، بحسب ما يقول، أنه تمّ إخباره عن إمكانية استرجاع نسبة من الرصيد "المحترق" لو كان المبلغ مئة دولار أو أكثر. لكنّ حظّه عاثر، أسوة بحظوظ جميع مواطني هذا البلد المحرومين من فرصة "استرحام" أو "تمديد تقنّي" يخوّلهم الهرولة إلى اقرب دكان لتشريج الخطّ، في وقت يمدد نوّاب الأمّة لأنفسهم مرة، ومرتين... وثلاث!
ولا حاجة في التذكير بأن فاتورة الاتصالات في لبنان تُعدّ من الأغلى عالمياً. وفيما تعمد الدول المتقدمة إلى "إغراق" المشتركين بحزم وخصائص معظمها مجانيّ، لا يزال اللبنانيون يرزحون تحت "ظاهرة" التعبئة الشهرية الإجبارية، تحت طائلة "احتراق" الخطّ المدفوع سلفاً، ناهيك عن كلفة التخابر العالية والرسوم المفروضة وتكاليف الانترنت.
وفي العام 2017، وعلى رغم التطوّر الهائل الذي يعصف بقطاع الاتصالات والتكنولوجيا، ورغم التوّجه العالميّ المترسّخ اكثر فأكثر لاعتبار "خدمة" الاتصالات بمثابة "حق إنسانيّ" يجب أن يحصل عليه المواطن بجودة عالية وسعر منخفض نظراً إلى أهميّتها الاقتصادية والاجتماعية، لا تزال الدولة اللبنانية تُمعن في تحويل القطاع باباً من أبواب الضريبة غير المباشرة لتمويل الخوينة وسدّ الدين العام المتزايد عاماً بعد عام. وعليه، ليس غريباً أن يكون قطاع الاتصالات مصدر الدخل الثاني لخزينة الدولة، وهو أمرٌ بغاية الخطورة والسلبية، لا سيّما في ظلّ خدمات سيئة، وهذا ما يفسّر بوضوح الإصرار على عدم فتح سوق المنافسة أو تحرير القطاع من "هيمنة" الدولة.
عندما تشكلّت الحكومة الحالية الجديدة، قال وزير الاتصالات جمال الجرّاح بأنه تمّ إعادة هيكلة القطاعات كاملة وخصوصا قطاع الاتصالات، ووعد بالبدء بورشة إصلاح شاملة. قد يكون أوّل الغيث تخفيض أسعار الاشتراك بالانترنت (DSL) (رغم وجود عدد من الملاحظات على هذا الموضوع). فهل سنسمع في القريب العاجل عن إجراءات جديدة وايجابيّة تطال قطاع التخابر المحليّ والدوليّ؟
مما لا شكّ فيه أنّه طالما ظلّت سياسة الدولة قائمة على الإفادة من قطاع الاتصالات لتمويل الخزينة، فلن يحظى المواطنون بنعيم بات يعيشه سكّان دول العالم الثالث! والمشكلة الأكبر تكمن في عجز المواطن عن الضغط بشكل فعّال ومؤثر لنيل حقوقه، فمطلع العام الحاليّ، أقيمت حملة "سكّر خطك" التي تضمنت إغلاق الهواتف الخلوية بهدف مقاطعة شركتي الاتصالات وتكبيدهما خسائراً مادية للضغط عليهما من أجل إلغاء التشريج الشهري الإجباري وتخفيض الأسعار. لكن أي نتائج قد تحققت فعلاً؟ وهل ما زال لها من أصداء اليوم؟
وبانتظار التغيير المرجوّ، ليس أمام المواطنين إلا أن يعمدوا إلى تقوية الذاكرة... وإفراغ المحفظة!