عندما سمعت “نسب” شقير خبر احتراق برج غرينفيل في شمال كنزنغتون، لم تشعر للحظة بقلق على ابنها باسم وأسرته، اللذين يعيشان في بريطانيا، لظنها أن “البلاد كبيرة جداً، ولا يمكن أن يكون هو من ضحايا هذا البرج بالذات”.
تابعت نسب يومها كالمعتاد، لتتلقف الخبر من أقاربها: باسم (40 عاماً) وزوجته نادية (33 عاماً) وبناتهما الثلاث ميرنا (14 عاماً) وفاطمة (12 عاماً) وزينب (4 سنوات)، بالإضافة إلى والدة نادية سرية، هم في عداد المفقودين في الحادث. وباستثناء تأكيد فقدانهم من سفيرة لبنان لدى بريطانيا، الذي جاء بعد أكثر من 24 ساعة على الحادثة، لا معلومات مؤكدة لدى وزارة الخارجية والمغتربين عن مصيرهم.
كان باسم في عمله في أحد متاجر الأحذية عندما تلقى اتصالاً من زوجته نادية، الأستاذة في مدرسة ابتدائية في انكلترا، وتحمل جنسيتها وتقيم فيها منذ ولادتها، تخبره أن حريقاً كبيراً اندلع في مكان سكنهما. أخبر شقيقتها سوسن التي تعمل معه وتقطن مع والدتها سرية في الشقة المواجهة لهما، وهرعا معاً إلى البرج. أخبرت سوسن عائلة باسم أنهما عندما وصلا إلى البرج كانت النيران قد اندلعت فيه بشكل كبير، فبقيت هي في الخارج واندفع باسم إلى الداخل محاولاً انقاذ زوجته وبناته. لكن سوسن لم تعرف بعدها شيئاً عنه ولا عن شقيقتها وبناتها ولا والدتها.
لا جواب شافياً لدى والدي باسم عن مصيره وعائلته، باستثناء ما سمعاه منذ يوم الأربعاء من صهرهما نبيل، وهو أيضاً شقيق نادية، الذي تقول نسب إنه لم يترك مستشفى مع ابنتها ملاك إلا وطرقا بابها. “إلا أن المستشفيات كلها في حالة ضياع، وليس لديها المعلومات الكافية عن الضحايا الذين وصلوا جميعاً في حالات اختناق واصابات بليغة، ومن دون أوراق ثبوتية”.
في حالة انتظار ولو كلمة تطمئنها عن أبنائها، لم تتلق عائلة شقير في لبنان أي اتصال من المسؤولين اللبنانيين، بل شعرت أنها متروكة لتتخبط في بحثها عن أولادها، فيما “هذه مسؤولية وزارة الخارجية أولاً”، كما قال نائب رئيس بلدية نحلة منير شقير، وهو أيضاً ابن عم باسم، مناشداً رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل الاستنفار للتحقق من مصير باسم وعائلته.
لا يعرف طعان كيف يوزع قلقه، وكل ما تمناه أن يكون ابنه وعائلته بين المصابين في المستشفيات، فيتسنى له رؤيتهم مجدداً، إذ كانوا يخططون لزيارة لبنان خلال عطلة الصيف، ويعود باسم إلى عادته في التحدث إلى والدته يومياً منذ غادر لبنان قبل 16 سنة. وهو لم يكن قد غير هذه العادة حتى عشية الحادثة، متصلاً بها، ومازحها بفيديو عبر واتساب، كما جادل شقيقاته وتبادل معهن النكات.
فحالة الاستقرار التي عرفها باسم مع عائلته في انكلترا جعلته إنساناً مرحاً، يحب الحياة، ومرتاحاً مادياً كما تصفه عائلته. وهو، كما يقول أقرباؤه، يحاول أن يبقي ارتباطه مع عائلته في لبنان، ويصطحب بناته كل سنتين إلى بلدة نحلة حتى يحافظ على هذا الرابط بقريته، التي يتمنى أهلها أن يستقبلوهم جميعاً سالمين.