حين أعلن الرئيس سعد الحريري التزامَه بعدم الترشّح للإنتخابات لا هو ولا أيّ فرد من تيار «المستقبل» على أساس قانون الستين، كان واضحاً أنه يحمل تشكيكاً ضمنيّاً بوجود فريق راغب في تطيير مشروع النسبية والعودة الى قانون الستين، ما حدا به الى وضع ما يشبه «الفيتو» على هذه العودة.
وبخلاف ما أدّت اليه مرحلة التوافق لوصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والتي تميّزت باقتراب تيار «المستقبل» من «التيار الوطني الحر» على حساب حلفائه المسيحيين، فإنّ الاسابيع القليلة الماضية عادت وسجّلت اختصاراً للمسافة بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية» في ما خصّ قانون الانتخابات.
تبادل الحريري والدكتور سمير جعجع كثيراً من الرسائل التي في معظمها تشكّك في الشروط التي وضعها الوزير جبران باسيل على اعتبار أنها غير منطقيّة وتهدف الى ضرب القانون الجديد والعودة الى قانون الستين، حيث مصلحة «التيار الوطني الحر» مؤمّنة.
وفي هذه الرسائل ايضاً ما يشير الى موقف رئيس الجمهورية الذي أعلنه منذ نحو شهر حول العودة الى «الستين» في حال تعذّر التوافق على قانون جديد، وأنّ هذا الموقف لم يكن «زحطة» بمقدار ما كان مقصوداً، لكنّ ثمّة رأياً مخالفاً يقول إنّ باسيل كان ينفّذ مناورةً تفاوضية ناجحة بدليل النتيجة التي تحقّقت، وأنّه اثبت براعةً في التفاوض واللعب على الأعصاب من خلال رفع سقف مطالبه مستغلّاً عامل الوقت.
وصحيح أنّ الحريري كان يفضل «الستين» على النسبية، لكنّ مشكلته لم تكن كامنة هنا. فالواضح أنه في حال عدم الاتفاق على قانون جديد فإنّ عون كان سيدعو في 19 حزيران الى انتخابات وفق القانون الحالي لكن في اليوم التالي كان الفراغ سيتسلّل الى قاعة مجلس النواب.
ووفق التصوّر الذي كان وضِع و«حزب الله» كان قد حذّر الجميع منه ربما لغسل يديه ممّا سيحدث، فإنّ استقالة وزراء حركة «أمل» كانت ستحصل على أن يتضامن معهم وزراء «حزب الله» وحلفاؤهم، وهذا سيعني شللاً كاملاً ليصبح عندها وزير المال علي حسن خليل الحاكم الفعلي والذي بيده سلطة صرف الأموال.
أضف الى ذلك، أنّ أيَّ تطوّر كان ليدفع البلاد في اتجاه «المجهول المعلوم»، ألا وهو المؤتمر التأسيسي ولكن بعد درب «الجلجلة».
ونقل عن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله نصحه في هذا المجال: «نحن وضعنا تصوّرنا لكل الاحتمالات، ولكن هل تدركون أنتم الى أين تتّجهون؟ فإذا حصل ودخلنا في النفق الصعب فلا عودة الى الوراء».
وبالتالي كان الحريري يخشى مرحلة الفراغ النيابي ومعه زوال «اتفاق الطائف»، وهو الذي تعهّد بالحفاظ عليه قبيل إعلان موافقته على وصول عون الى قصر بعبدا.
وفيما بدت «القوات» مستاءةً في بداية المشوار التفاوضي من استبعادها واقتصار التفاوض على الاطراف الاربعة، عاد الرئيس نبيه برّي وأدخلها من خلال إحياء دور النائب جورج عدوان وطبعاً في إطار «التمريك» على باسيل.
لكنّ باسيل الذي ردَّ برفع شروطه، عاد وعوّم من جديد الفريق الرباعي المفاوض مبقياً عدوان جانباً، ما رفع من درجة استياء جعجع فوَصلت الامور الى أدنى درجاتها منذ نحو عشرة أيام.
الشروط التي وضعها باسيل تحفّظت «القوات» عن غالبيتها، وأعقبت موقفها بهمس مفاده أنّ باسيل «إما أنه يسعى الى إبعادنا عن برّي أو أنه يريد استحضارَ قانون الستين».
خلال الاتصالات التي نشطت في الأيام الأخيرة لإعادة تبريد الامور بين «القوات» وباسيل، عتب الأخير على غياب المؤازرة «القواتية» للمطالب التي رفعها، معتبراً أنه لا يجوز أن يفهم الباقون وكأنّ هنالك حمائم وصقوراً. وكان الجواب أنّ كل ما في المسألة أنّ هناك طروحاتٍ غير منطقية وغير عملية ولا يمكن أحد أن يسير بها مثل عتبة الـ 40 في المئة وغيرها.
في اختصار عاد التواصل ولو أنه بدا واضحاً أنّ لكل فريق حساباته الانتخابية والسياسية المختلفة والتي ستظهر تبايناتها مستقبَلاً.
وهنالك مَن يعتقد أنّ القانون الجديد وسّع هامش التحرك السياسي لكل فريق، خصوصاً لدى «القوات»، وأنّ التمايز السياسي سيظهر أكثر مستقبلاً ولو تحت سقف محدّد لن يتجاوزه أحد وهو أن لا عودة الى أيام الأعداء.
ولا شك في أنّ القانون الجديد القائم على النسبية سينقل لبنان من عصر الى آخر لا أحد قادر على تحديد معالمه ونتائجه منذ الآن.
ولا شك أنه بدءاً من الاسبوع المقبل ستنصرف القوى والأحزاب السياسية لوضع تصوّراتها الانتخابية على ضوء القانون الجديد. فالتحالفات الانتخابية يجب أن تخضع لمفهوم جديد، خصوصاً في ظلّ دمج بعض الأقضية واعتماد «الصوت التفضيلي».
إحدى أكثر هذه الدوائر غموضاً وأهمية هي دائرة البترون- الكورة- بشري- زغرتا حيث تضمّ 3 مرشحين لرئاسة الجمهورية.
وقد تكون «القوات اللبنانية» تحاول أن تبني تصوّراً انتخابياً أوّلياً على أساس تحالف ثلاثي يقوم على جعجع - باسيل - معوض بهدف حشر النائب سليمان فرنجية وتوجيه ضربة له وعلى أساس أنّ حلفه لن يكون مكتملاً، فعدا النائب بطرس حرب فإنّ على فرنجية أن يختار إما «الكتائب» أو «القوميين»، لصعوبة جمعهما وفق هذه الحسابات.
لكنّ الأكيد أنّ هذا القانون سيلزم القوى السياسية والحزبية بتحسين أسماء المرشحين لكي تضمن نجاحهم بخلاف قانون الستين الذي كان بمثابة «البوسطة» التي يكفي حجز مقعد فيها لتأمين الفوز للمرشح مهما تكن مؤهّلاته متواضعة. والأكيد أيضاً أنّ هذا القانون سيقلّص أحجام بعض الكتل النيابية، ولكنّ الأكيد أكثر أنّ كثيراً من المستقلين سيدخلون الندوة النيابية من دون «وصاية» حزبية أو سياسية عليهم.
والأهم النزاع السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات والمتمحوِرة حول تشكيل الحكومة المقبلة، وستكون حقيبة المال إحدى أبرز ساحات المواجهة عندما يحين الموعد.