يومها اختلط أريج الزهر بعبق الدم.. صار الاقحوان بحمرة النجيع.. سقطع حراس الأرض بقي دمهم، بقيت مسيرتهم وارتفعت معركة بحجم وطن تنهض بقامات الشهداء والقادة وتقول بلسان الإمام القائد نحن قوم سلاحنا شهادتنا والشهادة تحول الفرد الى انسان لا يقهر.. سقط محمد سعد وخليل جرادي وأخوة ابرار الى جانبهما.. وهذا دمهم يورق نصراً وحرية وهزيمة لكل مشاريع الاحتلال. أما الشهيد القائد محمد سعد وأخواته من الشهداء الابرار هم عنوان سيرتنا ونبراس ايامنا وآذان الفجر وصلاة الليل وعبق الياسمين وعطر الليمون وشقائق النعمان وأكاليل الغار وهم التاريخ والجغرافية وهم العزة والفخر والكرامة واكسير الاستمرار.
ولادة القائد المقاوم
ولد الشهيد القائد محمد سعد في بلدة معركة - لبنان 1956 من أبوين عامليين ترعرع في كنفهما على حب الخير والارض وأسقياه ماء العنفوان وشرب حليب الايمان والعطاء والولاء لآل رسول الله(ص). تلقى علومه الابتدائية في مدرسة البلدة الرسمية ثم انتقل الى مؤسسة جبل عامل المهنية (إحدى المؤسسات التي بناها الامام القائد السيد موسى الصدر) في بلدة البرج الشمالي فدرس علوم الكهرباء وبقي فيها حتى نال شهادته الدراسية التي خولته لكي يعين استاذاً لمادة الكهرباء في المهنية.
حياته في المؤسسة
كان الشهيد القائد محمد سعد أحد أبرز الطلاب في مؤسسة جبل عامل المهنية فإنه جريء ومقدام يصرف وقته بالدراسة الاكاديمية بالمطالعة والمثابرة على حضور اللقاءات والندوات الثقافية والسياسية التي كان يعقدها الامام القائد السيد موسى الصدر والدكتور الشهيد مصطفى شمران. وطد "الشهيد القائد" علاقاته الطيبة والجدية مع محيطة وخاصة زملائه وقد نال اعجاب اساتذته ليس لكونه طالباً حافظاً لواجباته المدرسية بل لنشاطه المميز وللتأييد والثقة التي نالها من زملائه الطلاب حيث نال الشهيد القائد من بين اكثر من خمسمائة طالب الثقة لدى الادارة ولدى الطلاب فتحول صلة الوصل الداعية بينهما.
اتقن محمد سعد فن الاصغاء كما برع في فن الخطابة والكلام فكان محاوراً بارعاً في طرح الاسئلة الثقافية والسياسية.
الشهيد القائد استاذاً اكاديمياً ورسالياً
عين الشهيد القائد مدرساً لمادة الكهرباء في العام 1977 بعد أن رفض عدداً من فرص العمل خارج المؤسسة ليس لسبب بل لإيمانه بأن المؤسسة هي إحدى القلاع التي بناها الامام القائد لتكون الانطلاقة الداعية والصادقة والملتزمة لمقاومة اسرائيل ولرفع الحرمان عن كاهل اللبنانيين وتخريج اجيال ملتزمة من اجل مجتمع سليم مؤمنة وهو القائل (فرد رسالي + أمة مؤمنة تساوي حضارة اسلامية). إن وجود الشهيد القائد في المؤسسة فتح له الآفاق لكي يشارك في العمل الثقافي والعمل العسكري داخل المقاومة والالتقاء بالكوادر من المناطق اللبنانية كافة، إضافة الى إلقاء المحاضرات التنظيمية والقيام بإعداد الكوادر وتنظيم الخلايا في المدن والقرى اللبنانية وكانت المؤسسة هي المنطلق.
ورأى "الشهيد القائد" أن العمل الرسالي ليس رحلة بين الزهور والرياحين - بل عملاً يتطلب صبراً وجهاداً ومتابعة والتزاماً، فالرسالي يجب أن يكون له الحضور الدائم على مستوى قضايا المجتمع وطموحات أهله. قال الشهيد القائد في إحدى ندواته: نحن قوم نعشق الشهادة نعشق الحياة، لأن الحق واضح والباطل واضح والمقاومة واضحة والاحتلال واضح. ويضيف الشهيد القائد: "إذا خيِّرت أن تموت بطلاً وشهيداً وبين أن تعيش ذليلاً، اخترت طريق البطولة والشهادة.
المقاومة الباسلة
خاض الشهيد القائد وأخوانه غمار المقاومة بعد أن صنعوا الشخصيات الرسالية والنفوس الأبية التي أخذت من الحسين(ع) سلوكاً ومنهجاً ومن أقوال الامام القائد أفعالاً فكانت المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي بقرار الثلة الملتزمة تحت شعار "اسرائيل شر مطلق" والتعامل معها حرام، وقد سبق هذا القرار سلوكاً مقاوماً حيث واجه أبناء الامام القائد السيد موسى الصدر في البرج الشمالي وفي خلدة وغيرها من المواقع عندما كانت قوات الاحتلال الاسرائيلي تدخل إبان الاجتياح في حزيران عام 1982م. وطالما ردد الشهيد القائد قوله نحن ابناء المقاومة نحن الرقم الصعب الذي يصعب على الجميع تجاوزه، وأن الكلمة إن لم يكن لها رصيد الشهادة والتراث والحضارة والتاريخ والأخلاق وإن لم تستند الى الفعل الحسيني فهي كلمة لا قيمة لها.
مارس الشهيد القائد فعل المواجهة بعدد من الخطوات التنظيمية عبر صفوف المقاومة:
1- تعبئة الوطنية ودعوة للتمسك بالأرض والقيم والمبادىء.
2- إحياء المناسبات الدينية وإقامة المهرجانات التي من خلالها استطاع مع اخوانه أن يصنعوا المجتمع المقاوم - هذا المجتمع الذي شارك فيه الشيخ والمرأة والطفل والشاب حيث توزعت الأدوار بهدف مقارعة الاحتلال وكان النجاح الباهر للشهيد القائد عندما اقيمت مسيرة جماهيرية حاشدة في صور بذكرى تغييب الامام القائد السيد موسى الصدر في يوم 31 آب 1982 أي بعد الاجتياح الاسرائيلي بأقل من 25 يوماً حيث أثبتت قيادة المقاومةيومها أنها قادرة على قيادة الجماهير لصناعة مجتمع الحرب والمجتمع المقاوم الذي دعا له الامام القائد السيد موسى الصدر. وقد رفع بالمسيرة شعارات نددت بالاحتلال الاسرائيلي ودعت الى مقاومته بشتى الوسائل المتاحة. وقد وعى الشهيد القائد خطورة الاحتلال الاسرائيلي على المجتمع، الخطورة ليست الأمنية فقط بل الثقافية والاقتصادية فدعا الى تنقية المجتمع من العملاء. لقد كانت دائماً قيادة المقاومة واعية لهذه المشاريع وقد رفضت برمتها على لسان الاستاذ نبيه بري عندما قال: لا يمكن أن نكون مع العصر الاسرائيلي الذي حذرنا منه الامام الصدر ولا نركب قطار السلم الاسرائيلي ولن نهادن ولن نسالم ولن نسقط ولا للإفرازات الماضية والحاضرة والآتية لا خوفاً ولا طمعاً فالتعامل مع اسرائيل حرام. وعليه كانت انتفاضة السادس من شباط التي أسقطت اتفاق 17 أيار.
وقد عمدت قوات الاحتلال الاسرائيلي الى تطبيق الكثير من الخطط العسكرية ضد المقاومة (القبضة الحديدية) لكن الشهيد القائد خليل جرادي أعلن القبضة الحسينية في مواجهة القبضة الحقيقية الاسرائيلية التي ما فتئت أن تبددت تحت ضربات المقاومة يوم أعلن الشهيد القائد عن عمليات وفتح باب خيبر وتحت شعار خيبر خطط الشهيد القائد محمد سعد وأخوانه بضرب الاحتلال الاسرائيلي في كل الجنوب بنفس الوقت وهذا ما حصل إذ استطاعت المقاومة أن تسجل في يوم واحد أكثر من سبعين عملية بين تفجير عبوات وقنص جنود واعتراض آليات وقصف مراكز عسكرية واغتيال عملاء يومها كتبت الصحف العالمية أن اسرائيل تواجه جيشاً منظماً اسمه المقاومة وقائده رجل من بلدة معركة اسمه (محمد سعد).
استشهد نصف الجنوب
محمد سعد قمة المقاومة حاز قمة الشهادة في يوم الرابع من آذار من العام 1985 خرجت بلدة من الانتصار الى النصر، خرجت من الانتصار حيث تصدى الأهالي ورجال المقاومة لهجوم اسرائيلي واسع اجتاح البلدة بأكثر من الف جندي اسرائيلي ومعهم الكثير من الآليات والمركبات العسكرية والطائرات المروحية كان ذلك في اليوم الثاني من آذار عام 1985م ذلك التاريخ الذي لا ينسى والذي حفر بحرب الحقد الصهيوني على صخرة تاريخنا العاملي المقاوم. في ذلك اليوم خرج المقاومون من منازلهم أنه يوم الشهادة والبطولة يوم النصر العظيم، يوم الفوز. 4 آذار 1985 ترجل الشهيد القائد محمد سعد ومعه الشهيد القائد خليل جرادي وأخوانهم من قيادة المقاومة في شوارع معركة حيث تجمع عدد كبير من الأهالي كما في كل مرة يتجمعون بعد المداهمات الاسرائيلية تجمع الأهالي ليتناقلوا احاديث المواجهة وهزيمة العدو الاسرائيلي وفشله في اعتقال قيادة المقاومة.
وفي حوالي الساعة العاشرة إلا ربع من الاثنين وبعد أن صعد الشهيدان القائدان محمد سعد وخليل جرادي الى الحسينية وكان الشك يملأ قلوبهم بأن الاسرائيليين يحضرون لشيء ما كما تخوف خلال مسيرته الجهادية عن العملاء في تلك اللحظات وهو يعالج المشكلات الاجتماعية للأهالي، وإذ بأيد صهيونية وذلك بزرع عبوة ناسفة حيث كانت المجزرة الرهيبة التي أودت بحياة الابطال ورفرفت أرواحهم فوق ربوع هذا الجبل العاملي