دفع الفشل التركي في التخفيف من الإجراءات الخليجية ضد قطر، الرئيس رجب طيب أردوغان إلى التصعيد مع السعودية وتحميلها مسؤولية استمرار المقاطعة ضد الدوحة، في خطوة وصفتها أوساط خليجية بكونها مجازفة قد تقود أنقرة إلى أزمة جديدة في علاقاتها الخارجية.
ويرى محللون أن أردوغان يسعى لمنع فتح الملفات التي تورط قطر في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، لأن ذلك من شأنه أن يجر إلى توريط أنقرة التي سمحت بتسلل المقاتلين الأجانب والأسلحة والأموال إلى سوريا بتنسيق تام مع قطر. كما أن الملفات التي تورط قطر في ليبيا تشير إلى تحالف تركي قطري خفي لدعم المتشددين على الأراضي الليبية.
ووصف الرئيس التركي المقاطعة الخليجية لقطر بأنها “خطأ فادح للغاية يرتكب بحق قطر.. (وأن) فرض عزلة شاملة على أي شعب أمر لا إنساني ومخالف للتعاليم الإسلامية. كما لو كان حكما بالإعدام صدر على قطر”.
وقال أردوغان إن “قطر كانت صاحبة أكثر المواقف حسما في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي هي وتركيا. اضطهاد قطر بحملات تشويه لا يخدم أي هدف”.
وأضاف أن الملك سلمان بن عبدالعزيز العاهل السعودي، بصفته أكبر رجل دولة في منطقة الخليج، عليه المبادرة بحل الأزمة.
وأجرى الرئيس التركي اتصالات مختلفة مع مسؤولين روس وأميركيين وأوروبيين بينها اتصال مع العاهل السعودي الملك سلمان، لكن محاولاته لم تحقق ما كان يهدف إليه من تخفيف الضغوط على قطر التي فتحت أبوابها لاستقبال قوات تركية ما قد يزيد من تعقيد علاقتها بجيرانها في مجلس التعاون.
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن أنقرة أرسلت 700 جندي من القوات الخاصة التركية لحماية المواقع السيادية في قطر، وأن القوات التي سترسل لاحقا لن تكون في القاعدة العسكرية التركية بقطر بل في مرافق حساسة في العاصمة الدوحة.
واعتبرت أوساط خليجية متابعة لتفاصيل الخلاف مع قطر أن استنجاد الدوحة بقوات تركية وبهذا الأسلوب التصعيدي قد يقطع طريق العودة ويوصد الباب أمام الوسطاء الذين تستنجد بهم قطر للتوسط مع قادة الدول الخليجية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الخلاف خليجي-خليجي، وكان على قطر أن تراعي المزاج الخليجي الرافض لأي تدخلات خارجية في مسائل خلافية بين دول مجلس التعاون، مؤكدة أن تركيا ستجد نفسها بعد هذه الأزمة وقد خسرت تماما فرص بناء علاقات متينة مع السعودية، وهو ما كان أردوغان يجري وراء تحقيقه منذ ثلاث سنوات.
وشبه متابعون للشؤون الخليجية زج تركيا لنفسها في أزمة داخلية خليجية بالأزمة التي عاشتها بعد إسقاطها مقاتلة روسية في نوفمبر 2015، وهو ما دفع روسيا إلى إجراءات عقابية قاسية ضد أنقرة أدخلت الاقتصاد التركي في أزمة خانقة.
وحذّر المتابعون من أن الأزمة الجديدة مع دول الخليج لن تنفع معها رسائل الاعتذار السرية كتلك التي كان أردوغان يرسل بها إلى نظيره الروسي فلادمير بوتين لإثنائه عن الاستمرار بالمقاطعة الاقتصادية مقابل تغيير دراماتيكي في المواقف والتحالفات التركية في الملف السوري.
ولا يجد مراقبون أسبابا مقنعة تقود الرئيس التركي إلى معاداة دول الخليج عدا خوفه من مصير مشابه لما قد يحصل لمسؤولين قطريين بارزين بسبب التورط في ملف الإرهاب ودعم مجموعات متشددة باتت مطلوبة للقضاء الدولي.
وتشترك قطر وتركيا في دعم وتمويل جماعات إسلامية متطرفة بينها جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس اللتان تستضيف أنقرة مقرات لهما وتستقبل قيادات منهما بشكل دوري تحت عناوين مضللة مثل مراكز البحث، والمؤتمرات العلمية.
وقلل هؤلاء المراقبون من فاعلية تصريحات أردوغان بشأن الخلاف الخليجي مع قطر، لافتين إلى أنه مجرد تصعيد كلامي لن يفضي إلى نتيجة قياسا بخطابات تصعيدية سابقة قبل فيها الرئيس التركي في النهاية بالأمر الواقع.
وأشاروا إلى أن استنجاد الدوحة بأردوغان للدفاع عنها خيار فاشل يضاف إلى رهانات سابقة أثبتت فشل سياسة التواصل القطرية دبلوماسيا وإعلاميا، وبينها خاصة الرهان على قيادات إخوانية تفتقد لأي مشروعية في الشارع الخليجي والعربي.
ودخل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية الثلاثاء على خط الأزمة الخليجية القطرية وكرر نفس ما قاله الرئيس التركي عن أمله في أن ينهي العاهل السعودي الأزمة قبل انقضاء شهر رمضان. وبدا الغنوشي منحازا تماما لوجهة النظر القطرية، وهو يأمل أن يتولى الملك سلمان قيادة المصالحة مع الدوحة.
وقالت شخصيات تونسية إن الغنوشي يريد كسب ود السعودية، لكن مواقف حركة النهضة وأغلب قياداتها تؤكد اصطفافهم مع قطر، وهو ما يعني استحالة أن يقوم الغنوشي أو غيره بوساطة لإنقاذ الدوحة.
وأكد الصحبي بن فرج، النائب في البرلمان عن كتلة الحرة، في تصريح لـ”العرب” أن الغنوشي غير مؤهل لأي وساطة لأن السعودية والإمارات تريان في حركة النهضة طرفا في الصراع.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه يعارض إجراءات السعودية ضد قطر لأنها تضر المواطنين العاديين، في خطوة اعتبرها متابعون معبرة عن موقف الأحزاب الدينية المهيمنة على الحكومة العراقية والموالية لإيران، ولا تشجع على التقارب مع السعودية الذي يسعى له العبادي.