الفكرة التي تقلق لندن هي أنّ الجيل الجديد من الإرهاب، أصبح متغلغلاً داخل بنى اجتماعية بريطانية من اصول عالمية مختلفة وآسيوية تنتمي الى الجيل الثالث من المهاجرين، وليست له دائماً اصول واحدة، أو حتى أحياناً مشترَكة، بمعنى أن ليس شرطاً أنّ كل «المجاهدين الإرهابيين» في بريطانيا يحملون اسمَ «محمد» أو «عبد الله»، الخ.. بل إنّ بعضهم أيضاً إسمُه جورج وشارلي وجوزيف، الخ..
«الجمهورية» حصلت على مضمون ما دار من محادثات في لقاء مغلق عُقِد أخيراً في لندن بين سفراء عرب ومارك سيدويل مستشار الامن القومي لرئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي.
ركّز سيدويل خلال اللقاء على أمور عدة مهمة، أبرزها أنّ ما تعتقده لندن بأنّ خطر الارهاب عليها المرتبط والمتشظي من الازمة السورية يشمل أكبر وأعقد تحدٍ للامن القومي البريطاني، معتبراً أنّ هذا الخطر سيظلّ يُلقي بثقله كأولوية على أجهزة الامن البريطانية لسنوات متعددة مقبلة.
وشرح سيدويل هذه النظرية السائدة، في بيئة الأمن البريطانية، قائلاً «إنّ مضاعفات الحرب في سوريا ستهيمن على عمل أجهزة الأمن البريطانية لفترة طويلة، وذلك حتى بعد انتهاء الحرب هناك، إذ إنّ التحدّي أمام بريطانيا سيستمر ويتعاظم مع عودة البريطانيين الذين يقاتلون الى جانب «داعش» وصفوف المقاتلين المتشدّدين والتكفيريين في سوريا».
ويكشف سيدويل، استناداً الى معلومات الأجهزة الأمنية البريطانية، عن وجود نحو 600 بريطاني يشاركون في القتال الى جانب القوى الإسلامية المتشدّدة الإرهابية في سوريا.
ولكنه عرض لمعلومات من المهم تسليط الضوء عليها، لأنها تدحض فكرةً خاطئة وشائعة إعلامياً على نطاق واسع، ومفادها أنّ أصول المتطرفين المنتمين الى تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» واخواتهما، في بريطانيا وعموم أوروبا، هي في غالبيتها عربية، وهي دائماً آسيوية مسلمة، وأنّ «المجاهدين» الإرهابيين هم حصراً مسلمون!
الأمر المهم الذي كشفه سيدويل على هذا الصعيد، هو أنّ معظم المتطرّفين البريطانيين، سواءٌ منهم مَن يقاتل في سوريا، او مَن يقيم في بريطانيا، ليسوا من اصول عربية، بل ينتمون الى الجاليات المسلمة التي تعود اصولها الى دول جنوب آسيا، مثل باكستان وبنغلادش.
أما الامر الخطر الثاني الذي كشفه سيدويل ايضاً، هو ان ظاهرة التطرف الارهابي تسود داخل بريطانيا خصوصاً بين صفوف الشباب صغار السن والمراهقين (اي الجيل الجديد).
ولكن الامر الثالث الذي كشفه سيدويل وكانت له منزلة المفاجأة، فيتمثل بقوله «ان عددا غير قليل من المتطرفين البريطانيين هم من اصول غير إسلامية، وهؤلاء اعتنقوا الإسلام وتركوا ديانتهم المسيحية، وهم في معظمهم من نيجيريا وجزر الكاريبي.
أما المفاجأة الرابعة التي أطلقها، فتكمن في اشارته الى أنّ بعض «المتطرّفين المجاهدين البريطانيين»، ليسوا من المهاجرين الى بريطانيا، بل من أصول بريطانية صرفة».
هذه التركيبة المتشعّبة لبنية الإرهابيين في بريطانيا والتي تحمل تركيبتها الاجتماعية والأتنيّة، تشكل مفاجآت غير متوقعة لأجهزة الأمن البرطانية ما يجعل الاخيرة غير قادرة على تصنيف الإرهابي المحتمل على نحو دقيق ووفق مواصفات محددة، جعلت لندن في حاحة للبحث عن آليات جديدة لمقاربة طريقة مواجهة الإرهاب المقيم بين ظهراني مجتمعها، والمتشظّي من سوريا اليها.
وتشكو لندن، بحسب سيدويل، من إنعدام الوحدة بين الجاليات الإسلامية في بريطانيا، ويرى أنّ انقسامها يمنح المتطرّفين والإرهابيين فرصاً كبيرة ومُتاحة للتسلّل بينها والإقامة بين جموعها المسالمة.
وبحسب سيدويل، فإنّ عدم الوحدة بين هذه الجاليات، يؤدّي من جهة ثانية الى عدم القدرة على تكوين مرجعية قيادية جامعة لها، تشكل جسر تواصل مع الحكومة البريطانية لتنسيق خطط مشتركة لمواجهة الإرهاب داخل بيئة الإسلام في بريطانيا.
ويعزو سيدويل سبب عدم الوحدة بين الجاليات الإسلامية البريطانية الى أمرَين: الأول، يعود لكون أصول المسلمين في بريطانيا تتحدر من دول وإثنيات وأعراق مختلفة، ولكلّ واحدة منها ثقافتها الدينية والعرقية المغايرة والتي لا تُلزمها بتعاليم الثقافات والإثنيات الاخرى.
اما الأمر الثاني والذي يزيد الوضع تعقيداً، من وجهة نظرسيدويل، فهو أنّ القانون البريطاني لا يفرض في الوقت الراهن أيّ قوانين تنظيمية على المؤسسات الدينية في بريطانيا، سواءٌ كانت مسيحية أو يهودية أو مسلمة، حيث يتم ترك هذه الامور لقياداتها الدينية.
وقد عرض سيدويل خلال اللقاء لأمرين مهمّين وذلك انطلاقاً من صلتهما بالإرهاب، ولكنهما يميطان اللثام عن حقيقة موقف بريطانيا من قضايا الساحات الساخنة في المنطقة من سوريا الى إيران وصولاً الى اليمن.
في الموضوع السوري قال سيدويل إنه «لا يمكن إيجاد حلّ جَذري للإرهاب حول العالم وفي أوروبا من دون حلّ الأزمة السورية». ولكنه يرى «أنّ حلّ هذه الأزمة يحتاج الى وقت طويل وأنّ شرط إنجازه، يتمثّل من جهة في أن تعيد طهران وموسكو النظر في موقفهما الداعم للرئيس بشار الأسد، ومن جهة ثانية في تدخّل أميركي ـ روسي منسّق بمساعدة طهران لإنجاز تسوية نهائية».
وفي الموضوع الإيراني وفق مستجدّاته الراهنة مع رئاسة دونالد ترامب، رأى سيدويل «أنّ الاتفاق النووي مع طهران جيّد، لأنه يقيّد قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية وتخصيب اليورانيوم، كما أنه يتضمّن شروطاً قاسية تنصّ على أنه لو اخلّت طهران بأيِّ بندٍ من الاتفاق فسيتمّ فرض العقوبات عليها مرة أخرى، إضافة الى عقوبات جديدة نصّ عليها الاتفاق».