لقد كانت عقدة باسيل طوال الأسابيع والأيام الماضية على كلّ لسان، وكادت أن تهزّ التحالف بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، بعدما شعرَ بأنّ طموح «القوات» لامتلاكِ أبوّةِ القانون، يُهدّد صورتَه عند المسيحيين، فعَمد إلى رفعِ السقف بعد موافقته على نسبية الـ15 دائرة، وحاوَل اعتماد استراتيجية الفراغ، لتحقيق هدفين: الأوّل إيصال رسالة «كش ملك» إلى «القوات اللبنانية»، والثاني إيصال الرئيس نبيه برّي إلى رتبة «رئيس مجلس النواب السابق» ولو ليومين، كما نميَ إلى برّي الذي وصَله عن باسيل جملةً لم يَستسغها: «ما بيصِرلو شي إذا بيقعُد يومين بالبيت».
وإذا كانت المشكلة مع «القوات اللبنانية» يمكن أن تُحلّ بعَضٍّ على الجرح، وباستبعاد النائب جورج عدوان مِن بعضِ الاجتماعات، وبمحاولة تسخيف رغبة «القوات» في تبنّي القانون، فإنّ المشكلة مع برّي، كانت من طابع مختلف، لأنّها تعني المشكلة مع «حزب الله»، وهذا ما لا يستطيع باسيل تخَطّيه، إذ بعد سماع كلام النائب محمد رعد أمس الأوّل، بدأت عقدة باسيل بالتفكّك، وتراجَع عن كلّ مطالبه، لكنّه تمترَس عند مطلب واحد، وهو نقلُ الصوت التفضيلي إلى القضاء بدلاً من الدائرة، أو نقلُ المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون.
ولأنّ نقلَ المقعدِ الماروني من طرابلس إلى البترون أصبح صعباً، بسبب عدم قدرة الرئيس سعد الحريري على تقديم تنازلات إضافية، ولأنّ «حزب الله» لا يريد لباسيل أن يخرج من مولد المطالب «بلا حمّص»، ذهبَت الأمور إلى ترجيح التصويت التفضيلي في القضاء، وما إن يُقرّ المشروع اليوم في مجلس الوزراء، فسيعني ذلك ارتكابَ «مجزرة» انتخابية في حقّ عشرات الألوف من الناخبين المسيحيين في الأطراف لن يستطيعوا إعطاءَ أصواتهم التفضيلية لمرشّحين مسيحيين بسبب انعدام وجود مقاعد مسيحية في أقضيتهم، وهذا لن يكون إلّا ثمناً موجعاً، لتعويض باسيل وطمأنتِه إلى فوزه في البترون، حيث سيَضمن أن ينال واحداً مِن أعلى الأصوات التفضيلية في القضاء، وهو ما سيؤهّله، من وجهة نظره، ليكونَ المرشّحَ المقبل لرئاسة الجمهورية، وأن ينافسَ النائب سليمان فرنجية المرشّح المقبل الذي يدعمه «حزب الله».
وإذا ما تمّ تثبيت الصوت التفضيلي في القضاء، يكون باسيل قد أزاح عن كتفه عبءَ الأصوات التفضيلية المنافسة التي يمكن أن يصبّها تيار «المردة» من قضاءَي الكورة وزغرتا، كما يمكن أن يمنع «القوات اللبنانية» من أن تدعم مرشّحَها البتروني بالأصوات التفضيلية الفائضة عن الحاجة التي قد تستعملها في الأقضية الأخرى.
بعد أشهر، لا بل سنوات، من التجميد بفِعل الخلاف على القانون، ستولد صيغة النسبية، التي لن تحملَ مفاجآت كبيرة، إلّا إذا استطاع المعارضون من خارج السلطة أن يتحوّلوا معارضة فعّالة ومنظمة.
وخلافاً لكلّ التوقّعات فإنّ حلم المشاركين في السلطة بحصدِ غالبية المقاعد في البرلمان الجديد، ليس حتمياً، إذ ستفتح صيغة النسبية البابَ أمام مفاجآت يرتبط حدوثها بتنظيم معارضة على المستوى الوطني، وليس معارضات محلية ومناطقية، ويمكن القول منذ الآن إنّ معارك حقيقية ستجري على الساحتين المسيحية والسنّية (قرار الحريري برفض قانون الستّين وإبلاغه رئيسَ الجمهورية بذلك يستند إلى إحصاءات وتوقّعات لمزاج الناخبين).
ففي الساحة المسيحية، يمكن من الآن توقُّع تشكيل ثلاث لوائح في كلّ المناطق، ويمكن استبعاد حصول تحالفات شاملة بين «القوات» و«التيار». أمّا في الساحة السنّية، فالباب مفتوح أمام كلّ الاحتمالات، والمواجهة الأكثر وضوحاً ستُسجَّل بين تيار «المستقبل» وحالة اللواء أشرف ريفي، الذي يستعدّ لتشكيل ودعمِ لوائح في كثير من المناطق في الشمال وخارجه.
تبقى الساحة الشيعية التي يسعى «حزب الله» وحركة «أمل» لإقفالها، وهذه الساحة ستشهد الاختبارَ الأوّل لإمكان اختراقِ «أمل» و«الحزب»، علماً أنّ هذا الاختراق ممكن لكنّه مشروط بحرّية إجراء الانتخابات، حيث يسيطر «حزب الله» على البيئة الشيعية.