هل سيكون لبنان بمنأى عن التصعيد الخليجي أو الإقليمي؟ الصورة غير واضحة بعد. بالتزامن مع التصعيد في الخليج، برز حراك ديبلوماسي في بيروت، بدأه سفيرا الإمارات ومصر والقائم بالأعمال السعودي بالإنابة، عبر لقاء المسؤولين اللبنانيين. التقى الديبلوماسيون الأسبوع الفائت وزير الخارجية جبران باسيل، والتقوا بالأمس رئيس الحكومة سعد الحريري. والإشارة الأولى التي يمكن التقاطها من هذا الحراك، هي أن الديبلوماسيين يتحركون معاً. بالتالي، هم خلف موقف واحد، يعكسونه على الساحة اللبنانية. ويؤكد السفير الإماراتي حمد بن سعيد الشامسي بعد اللقاء مع الحريري، أن هذا الحراك يهدف إلى إطلاع المسؤولين اللبنانيين على الخطوات التصعيدية التي تتخذ في الخليج.

وفيما يضع بعض الأطراف هذه الزيارات في إطار عكس موقف ضاغط على لبنان، بوجوب الحفاظ على أمنه واستقراره أولاً، وثانياً لاتخاذه موقفاً مماثلاً لموقف الدول الثلاث، أو على الأقل الإلتزام بما تتخذه هذه الدول، إلا أن مصادر متابعة تشير لـ"المدن" إلى أن الموقف اللبناني واضح لا لبس فيه، فلبنان ينأى بنفسه عن الخلاف الخليجي الخليجي، وهو لن يكون طرفاً فيه، بل يتمسك بالعلاقات الجيدة مع كل الأطراف العربية، وحريص على حماية مصالحه ومصالح أبنائه في دول الخليج.

وأمام وجهة النظر هذه، تنقسم الآراء اللبنانية في تقدير حقيقة الموقف. هناك من يعتبر أن ثمة ما سيؤثر على لبنان من الناحية السياسية، بفعل هذا التصعيد، الذي لا يفصله هؤلاء عن أي تصعيد أميركي مرتقب في المنطقة، سواء أكان عسكرياً أم غير عسكري، وخصوصاً ما يتعلق في القوانين التي يناقشها الكونغريس الأميركي لفرض عقوبات على أطراف "إرهابية". ويرى هؤلاء أن الاجراءات التصعيدية المتخذة ضد دولة قطر، هي إشارة إلى أن هذه الاجراءات قد تطال دولاً أخرى، إذا لم تحدد موقفها الصريح والواضح.

في مقابل ذلك، هناك من يستبعد أن ينعكس الخلاف الخليجي على لبنان بشكل مباشر، ويعتبرون أن ليس هناك إمكانية لاتخاذ أي مواقف تصعيدية ضد لبنان، الذي أكد رئيسا جمهوريته وحكومته، أن التوازنات فيه ووضعه الدقيق يحتمان اتخاذ موقف متوازن من كل الأزمات والخلافات. بالتالي، لا مصلحة للبلد بالوقوف في صف طرف على حساب الطرف الآخر. ويستبعد هؤلاء وجهة النظر التي تقول بإمكانية فرض اجراءات عقابية بحق لبنان، خصوصاً أن لبنان في وضع لا يُحسد عليه، لا سياسياً ولا إقتصادياً ومالياً. بمعنى أن ليس لديه أي محفزات تدفع إلى فرض عقوبات أو حصار عليه.

الجو الإقليمي والدولي واضح بشأن لبنان، ويرتكز على مبدأ عدم تدخّل أي طرف فيه، في ما يحصل خليجياً. وهذه إشارة لافتة ورسالة وصلت إلى المعنيين لإبلاغ حزب الله بها، بوجوب عدم التدخل في الشؤون الخليجية، وعدم إستثمار أي أزمة هناك، لأجل الدخول على خطّها، كما حصل إبان إطلاق معركة الحزم في اليمن، وإلا أي موقف من هذا القبيل سيعرّض لبنان لمواقف وإجراءات عقابية.

وعلى صعيد ليس ببعيد، تعتبر مصادر ديبلوماسية أن المراقبة الدولية للبنان مستمّرة، وهي لا تنفصل عن مراقبة الوضع السوري، والإنتصارات التي يعلن حزب الله تحقيقها على الحدود السورية العراقية، وتأكيد الحزب بأن الطريق بين بغداد ودمشق أصبح مؤمناً، وليس بالإمكان قطعه. وهنا، تترقب المصادر ما سيكون عليه الموقف الأميركي من هذه التطورات، وإذا ما كانت واشنطن ستترك طهران تسيطر على هذا الخط الذي يصل إيران بلبنان عبر سوريا والعراق، أم ستتخذ اجراءات عسكرية لإقفاله.

وريثما تتبيّن حقيقة الموقف الأميركي، سيبنى على الشيء مقتضاه، خصوصاً أن الأجواء الأميركية لاتزال توحي بالتصعيد ضد حزب الله وإيران. وهذا ما تؤكده المناقشات المستمرة في الكونغريس الأميركي لقانون العقوبات على حزب الله، وإمكانية توسيعها. وفي هذا الصدد، تكشف مصادر متابعة لـ"المدن" أن الحريري تلقى رسالة أميركية تنصحه بعدم الذهاب إلى واشنطن لأجل بحث إمكانية تغيير القانون أو تخفيف العقوبات، لأن هذا القانون غير قابل للنقاش وسيصدر كما هو. أما في شأن زيارة حاكم مصرف لبنان واشنطن، فتضعها المصادر في إطار إثبات إلتزام المصارف اللبنانية بتنفيذ الشروط والقوانين المالية. بالتالي، لتجنيبها أي عقوبات. أما في شان العقوبات على الأشخاص والأفراد فإن إقرارها لن يتغيّر. -