ذكرت صحيفة "الأخبار": لا يقف أداء الممثل ــ بحسب أهم المرجعيات التنظيرية ــ على ثرثرة لسانه، وحركات وجهه ويديه، أو وقع خطواته، بل يحلّ مطرح كلّ ذلك العين المدركة، التي تحدّق مباشرة في المشاهد وتصل إلى قلبه، وهي تطفح إحساساً. لا يمكن لممثل بعينين فارغتين إلا أن يشتت مراقبه. هكذا، فإن أيّ مرونة لدى الممثل لا تتكئ إلى إحساس داخلي عميق، لن تستدعي الانتباه الكافي من متابعيه.

ولو نقّبنا في بنية الموسم السوري، متجاوزين حجم الخيبة التي يخلّفها على الأصعدة كافة، لعثرنا على كنز لا يُفقِده الرماد المتراكم بريقه. القصد هنا لمعة الممثل السوري، وشغله الأدائي المحترف، الذي يعدّل المزاج في كثير من الأحيان، ولو كانت المادة التي يقدّمها متهاوية. يبقى التعويل على الارتجال والحضور التمثيلي الآسر، عساهما يشكلان منفذاً أخيراً للنجاة. بعيداً عن الأسماء المكرّسة التي يسطع نجمها عاماً تلو آخر، يطرح هذا الموسم أسهم وجوه شابة للتداول الجدي، أهمها سامر الكحلاوي الممثل السوري الذي تأخر اكتشافه، حتى لمع حضوره بأداء مدروس يجاري فيه الكبار في "الهيبة" (هوزان عكو وسامر البرقاوي- mbc دراما -mtv- السومرية).

العمل ذاته يزيح الستار عن موهبة ساحرة لممثلة سورية شابة هي روزينا لاذقاني (1990 ــ الصورة). الصبية الجميلة انتهت عام 2014 من دراسة "المعهد العالي للفنون المسرحية - قسم السينوغرافيا" وتوجّهت للتمثيل. ترك اسمها صدى عند مستمعيه، ولو لم يعرفوا صاحبته. غرابة الاسم و"شذوذه" عما نستمع له من أسماء تقليدية، جعلا إمكانية حفظه أسهل. لعبت لاذقاني العام الماضي في "أهل الغرام3" (مجموعة مخرجين وكتاب، يعرض حالياً على LCD). لكنّ الظلم التسويقي الذي حاصر العمل، لم يمكّنا من الالتفات إليها. حتى جاءتها فرصة الظهور الوافي هذا العام في عملين معاً هما "شوق" (حازم سليمان ورشا شربتجي ـ سوريا دراما) و"الهيبة". وإذا كان الممثل الناشئ هذه الأيام أمام اختبار أشد صعوبة يجيز له "اللعب بالمقصقص حتى يأته الطيّار" كما يروي المثل الشعبي الدارج، فإن ذلك ينطبق حتى الآن على الحوارات، وتصاعد الحكاية بالنسبة إلى دور لاذقاني في "الهيبة"، والتي لا تمهّد الأرض كي تبرز معظم إمكانياتها. مع ذلك، تجيد الممثلة اللعب عميقاً في مساحات من الإحساس الصادق... هي مجرّد امرأة في مقتبل حملها قادتها سلسلة خدائع وخيانات زوجها إلى بيت عائلتها، التي لا تعرف التعامل مع أنثى بهذا الحسّ المرهف. تجرّب مساعدة أرملة أخيها (نادين نجيم) لاستعادة ابنها أكثر من مرّة، لكن خوفها من عقاب أخيها جبل (تيم حسن) يعيدها إلى منطق العشيرة. لا تستطرد لاذقاني في الحديث، ولا تستعرض بحركات جسد مجانية. كذلك، لا تنصرف إطلاقاً نحو موضة عرض الأزياء الدارجة هذه الأيام. تركّز انتباهها على الهدف الأقصى من دورها. تبرز إمكانياتها بعينين تفيضان إحساساً، ينأى شغلها عن الثرثرة، أو الحشو الأدائي، فيما تواكب بنيتها الجسمانية الناعمة، خامة صوت خاصة جداً. تنسجم كلياً مع إحساسها الخاص وشغلها بعينيها في الدرجة الأولى.

تحيلنا في كل مشهد تطلّ به إلى الحالة الداخلية للشخصية التي تجسّدها، حتى أنها تقتنص حصتها من الكاميرا بعيداً عن التصنّع، بل بشيء من الندية. تقف في مواجهة منى واصف أحد أهرامات الفن السوري، كذلك لا تضيرها شراكتها مع "نجم الكاريزما" تيم حسن.

لا يقتصر حضور الممثلة الصاعدة عند هذا الحد، إنما تجذب الأنظار إليها في "شوق" حيث تجيد إقناع مشاهدها بأنها صبية في أهبة الصخب النفسي، تتقاسم الظهور مع واصف ذاتها، وتزعجها الرقابة المجتمعية التي تحدّ من شغفها المتهور. تعجب برجل غني متنفذ (أحمد الأحمد) توحي القصة بأنه أحد تجّار الحرب... من دون أن نعرف أين ترسو هذه الشخصية الثانوية في نهاية الحكاية.