في كل يوم من شهر رمضان المبارك، تُنشر مادة صحافية عن مسلسل “ثلاثين يوم” الذي يُعرض على عدة محطات فضائية متلفزة، ويعد العمل الدرامي الأكثر تداولا بين الصحافيين والنقاد، وكل ما يقال عنه هو المديح بالقصة والإخراج وبالتمثيل المبهر لأبطال المسلسل وعلى رأسهم الفنان السوري باسل خياط، المحرك الأساسي لأحداث المسلسل، بتجسيده شخصية “سيكوباتية” مريضة غامضة تذهب إلى الطبيب النفسي آسر ياسين، لتتشابك الأحداث مع عدم قدرة الأخير على الخوض في اختبار يمتد على مدار ثلاثين يوما، ليدخل جميع الأبطال في دوامة الاضطرابات النفسية الحادة.
العمل من إنتاج مشترك بين شركة “تريلر” وشركة “سيلميديا” وشركة “ماكس برودكشن”، وهو من تأليف مصطفى جمال هاشم و إخراج حسام علي، وأشرف على الكتابة أحمد شوقي، ومن بطولة مجموعة من الممثلين الشباب منهم نجلاء بدر ووليد فواز وإنجي المقدم.
باسل خياط، عادة، لا يحب الأدوار السهلة ويبحث دوما عن الدور المختلف الذي يضيف إلى رصيده الفني، وكان قد اعتذر هذا العام عن العديد من الأعمال الفنية المصرية، إلا أنه توقف عند مسلسل “30 يوم” لأن موضوعه جديد على الدراما المصرية، وجرعة الإثارة والغموض به عالية جدا، حسب تعبيره.
يركّب خياط مواصفات شخصية “سامح المصري” بشكل دقيق، بدءاً من الضحك بصوت عالٍ وصولاً إلى النظارات الشمسية التي لا تفارق وجهه، كذلك مظهره الذي لم يتغير طوال الحلقات حتى أنه عاشق لموسيقى الجاز وعازف ساكسفون محترف، يقوم بالعزف دون مقابل مالي، فقط لحبه للجاز الذي يرافق الأحجيات التي يضعها في كل يوم.
برع خياط في اختيار دور جديد عليه، حتى أن شخصيته طغت على حضور البطل الرئيسي آسر ياسين أي الطبيب طارق الذي يملك خبرة وكاريزما أيضاً.
مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بالتعليقات حول التشابه بين شخصيتي خياط و”الجوكر” في الفيلم الهوليوودي الشهير “الرجل الوطواط”، حيث أشار الكثيرون إلى أن باسل خياط أبدع في أداء دوره، وأقنعهم بالفعل بجنون الشخصية التي تمتلك مواصفات خاصة بها.
ربط شخصية باسل “سامح المصري” بـ”الجوكر” قد يعود إلى أوجه تشابه متعددة، منها أن سامح يكون مريضاً نفسياً يذهب إلى الطبيب، و”الجوكر” أيضا مريض نفسي في مصحة “أركهام” للمرضى العقليين والخطرين.
يتشابه “سامح” مع مكر ودهاء “الجوكر” في حبكه لهذه اللعبة النفسية ضد “طارق” والتي يورطه فيها، وهو ما يفعله “الجوكر” أيضا تجاه “باتمان” وضد كل أعدائه.
كما يسعى الاثنان في حياتهما لتدمير حياة الآخرين بواسطة ألاعيب ذهنية مشوقة، ولعل أكثر ما دعا الجمهور لتشبيه دور خياط بالجوكر هو الضحكة الخاصة جدا والمميزة للغاية.
في مقابلة تلفزيونية قال خياط إنه قرأ السيناريو لأول مرة، وهو مجرّد من أيّ مشاعر أو علاقة مع الشخصية التي سيقدّمها، وأكد أن سامح هو “جوكر” ولكن بمنطق عربي قليلاً، وأنه لو قابل هذه الشخصية في الحياة سيهرب منها، حيث إن سامح هو مجنون من الألف إلى الياء، وبالنسبة إليه الدنيا عبارة عن لعبة، ودوره أن يلعب في شروطها وقوانينها.
الناقد الفني طارق الشناوي وصف خياط بالممثل الذكي للغاية، وقال إنه قدم شخصية عربية لـ”الجوكر” التي نال عنها الراحل هيث ليدجر جائزة الأوسكار كأحسن ممثل مساعد، وهو الدور الذي علق بأذهان الجماهير لبراعته في تقديم الشخصية بشكل مركب، جمع بين الجد والهزل في أصعب المواقف، وسخريته من خصمه في أوقات يكون فيها هو الأضعف، وتمكنه من السيطرة على الموقف في أغلب الأحيان وهو بعيد عن الأعين.
وبحسب ما يراه الشناوي فإن باسل قدم بـ”الجوكر” نوعا من أنواع التعريب، وأكد أن هناك فناً في أداء الممثل وقدرة على محاكاة الشخصية الأجنبية وإضفاء الروح الشرقية عليها.
نيران صديقة
خياط من الممثلين السوريين الذين فُتحت أمامهم أبواب مصر فنجح في جميع الاختبارات وأتقن اللهجة المصرية على عكس بعض زملائه السوريين الذين لم يستطيعوا ذلك.
وعلى الرغم من أن خياط دخل الدراما المصرية في العام 2013 من خلال مسلسل “نيران صديقة”، واستمر تواجده فيها في السنوات التالية في أعمال “مكان في القصر”، “السيدة الأولى”، “طريقي”، “ألوان الطيف”، “البيوت أسرار” و”الميزان”، إلا أن مسلسل “30 يوم”، يعد خطوة هامة ثانية في مشواره الدرامي “المصري”، قد تكون أهم من تلك الأولى في مسلسل “طريقي” إلى جانب نجمة الغناء شيرين عبدالوهاب حيث قدّم خياط حينها دورا رائعا علَّم في ذاكرة الجمهور العربي، وكان بوابة الدخول إلى قلوب المصريين، ويبدو أنه أحكم الأقفال على نفسه وأصبح نجما من نجوم الصف الأول في شباك تذاكر الدراما الرمضانية بالمحروسة.
يعتبر خياط مصر هوليوود الفن العربي والفن ليست له جنسية، فإذا أثبت الممثل موهبته وأضاف إلى أيّ عمل فهذا دليل النجاح، وهو ما يميّز مصر منذ الأربعينات من القرن العشرين. ويضيف في حوار أجري معه “دائماً صناعة الفن المصري تفتح يديها لكلّ الفنانين سواء في الدراما أو السينما أو الغناء، و ما يميز الصناعة الفنية المصرية هو تبادل الخبرات، لكنّني لا أستطيع أن أحكم على تجارب أحد، فما يهمّني حالياً هو نفسي، وأسعى لتحقيق ما أريد، وهذا ليس غروراً، ولكن كل تجربة لها وضعها الخاص ومسارها، والذي سينجح هو الإصرار والموهبة والاجتهاد بالعمل”.
خياط في مهرجان "كان"
ولد باسل خياط في حي دمشقي عام 1977، عشق التمثيل منذ صغره وشارك بمسرحيات الكشافة، لذلك أصرّ على أن يدخل المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق رغم رفضه في المرة الأولى، لكنه عاود التقديم في السنة التالية لاختبارات القبول ونجح بالدخول إلى المعهد، الذي تخرج منه رفقة أصدقائه الذين باتوا اليوم نجوم الدراما السورية، أمثال قصي خولي وسلافة معمار ونادين تحسين بك.
بداية خياط الفنية كانت من المسرح أسوة بالكثير من الفنانين السوريين، قدّم أكثر من سبع مسرحيات، منها “عشاء الوداع″، “حفل تكريم وتأبين”، “هذه المرة”، و”نزوة عاشق”.
سطع نجمه مع بداية ازدهار عصر الدراما السورية، عندما قدمه المخرج هشام شربتجي عام 2000 في المسلسل الاجتماعي “أسرار المدينة” وهو العمل الذي حاز على نجاح جماهيري منقطع النظير، لتتوالى عليه الأعمال الدرامية واحدا تلو الآخر، ويكون ضمن الاختيارات الدائمة لأعمال المخرج حاتم علي، التاريخية والاجتماعية أيضا.
أما أبرز أعماله السينمائية فقد كان فيلم “باب الشمس″ الذي عُرض بمهرجان كان السينمائي في عام 2004، وأخرجه المصري يسري نصرالله. في جعبة خياط السينمائية أيضا تسعة أفلام أخرى، منها ثلاثة من إخراج حاتم علي وهي “العشاق”، “الليل الطويل”، و”سيلينا”، كما جسد دور البطولة في فيلم واحة الراهب “رؤى حالمة”، ولعب دور “فهد السوري” في الفيلم المصري “الشياطين” الذي كان من توقيع المخرج أحمد أبوزيد.
نجومية خياط ازدادت عندما وقع الاختيار عليه من قبل القيمين على برنامج “أراب كاستينغ” في جزأيه الأول والثاني ليكون ضمن لجنة الحكم، وخصوصا لأنه مختلف عن بقية الحكام، كونه المتعنت والصلب مع المواهب الجديدة، والموضوع لم يكن تعنتاً بالنسبة إليه، حيث قال عن ذلك “كان الهدف من وجودي في لجنة تحكيم البرنامج أن هناك بعضاً من الناس يعتقدون أن التمثيل أمر سهل، لكنني حاولت أن أثبت عكس ذلك، وأنه يحتاج لدراسة ودراية وبحث عن كل ما هو جديد، وأن يكون المرء عالماً به، لأن التمثيل ليس مجرد أن يقف أمام الكاميرا ويقول كلمتين وانتهى دوره عند هذا الحد، فبالتالي إصراري على ذلك الموضوع هو ما ترك انطباعاً عند الناس بظهوري في شخصية القاسي، لكنني بعيد كل البعد عن صفة القسوة في حياتي اليومية”.
رافق خياط الفنان الكبير ياسر العظمة في أجزاء عدة من مسلسله الشهير “مرايا”، كما استطاع تجسيد شخصيات تاريخية كثيرة، أهمها شخصية “أبو خليل القباني” عام 2010.
"أوركيديا" صراع على الممالك
يظهر خياط في الموسم الرمضاني الحالي بعمل ثانٍ وهو مسلسل الصراع على الممالك “أوركيديا”، في شخصية محورية أيضاً تحرك أحداث العمل الذي يشارك فيه مجموعة كبيرة من الممثلين السوريين، منهم جمال سليمان، سلوم حداد، عابد فهد، سامر المصري، يارا صبري وغيرهم.
يحاول خياط في شخصيته اللعب مع الزمن والنبوءة، منذ أن التقى بالعرّافة التي جسدت دورها الفنانة مي سكاف، وقالت له إن مستقبلاً ليس مزدهرا يتعلق بشقيقته وابنها القادم الذي سيكون قاتله.
خياط يتصرف في “أوركيديا” بتأنٍّ وحيلة وذكاء، وتتركز شخصية الأمير التي يلعبها في إظهار تفكيره طوال الوقت لوحده، ولا يفصح كثيراً بما يجول في خاطره إلا قليلا، ولكن يبقى الفرق كبيرا من حيث النجاح بين دوره هذا والآخر “سامح” في مسلسل “30 يوم”، على الأقل فيما يخص المتابعة الجماهيرية والمتابعة الإعلامية أيضا.