بإرادتهم دخلوا السلك العسكري، ومن دون تردّد وضعوا دماءهم على كفوفهم، هم ضباط قوى الأمن الداخلي وعناصره الذين اهتزّت أرض ثكنة اللواء الشهيد وسام الحسن في الضبية تحت أقدامهم أمس. شبّانٌ بَدوا وكأنهم يحملون ثورة هائجة في داخلهم، لن يتوانوا يوماً عن تفجيرها في أيّ مُخلٍّ بأمن الوطن. وفي عيد المؤسّسة الـ156 كشفت مديرية قوى الأمن الداخلي عمّا يدور خلف الستار وعن آليّة عملها «بصمت».ببزّاتهم «السميكة»، وقف العسكريّون تحت أشعة الشمس منذ ساعات الصباح الأولى، وبنظام بَدا مرصوصاً لم ترتجف قدمٌ من أقدامهم، عسكريّون فيهم من الحماسة لحماية الوطن ما يدفعهم ليكونوا مشاريع شهداء... هم يعرفون أنّ المهمة صعبة لكنهم تدرّبوا ليكونوا «قَدَّا».
أهالي الشهداء تشاركوا المدرجات مع الشخصيات السياسية والديبلوماسية والعسكرية. بعض الأهالي، وعلى رغم أنّ أبناءهم استُشهدوا منذ فترة، ما زالوا متّشحين بالسواد حتى اليوم. من بين الحضور والدة أحد العسكريّين الشهداء، تحتضن صورة ابنها بغَصّة، تنظر تارة الى العسكريين الواقفين أمامها متخيّلةً إيّاه بينهم، وطوراً الى ابنها الذي باتت صُوَره ملاذها الوحيد إليه، تكلّمه بعينيها الدامعتين وكأنها تقول «ضيعان شبابك يا إمّي». أمّا لزوجها فيقول أحدهم: «إبنك بطل»، فتنقطع الكلمات في حنجرته، ويجهش بالبكاء كالطفل.
العرض العسكري
جسدٌ واحد مشى العسكر مُتراصّين، مستعرضين مختلف الأفواج في قوى الأمن الداخلي إضافة الى الآليّات التي يستخدمونها، وفي مناورة مصوّرة سبقت العرض، برزت الروح القتالية العالية لدى المجموعات المنفّذة وروح الوحدة التي ينفّذون عملياتهم تحت رايتها، وكان واضحاً أنه في ظلّ الأحداث الأمنية المتسارعة، أكان الإرهاب من جهة أو السلاح المتفلت والجرائم الداخلية من جهة أخرى، في جعبة قوى الأمن الداخلي خطة أمنية محكمة ستُنفّذ قريباً، وهو ما وعَد به مديرها العام اللواء عماد عثمان، في كلمته.
«لإعادة العمل بقانون الإعدام»
لم تَغب قضيّة مقتل الشاب روي حاموش عن الاحتفال، فبعدما أنهى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلقاء كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إعتبر في كلمة منفصلة و«بالدّارِج»، أنّ «هناك ظلماً بحق الدولة، وتحديداً على قوى الأمن الداخلي وأجهزة أمنية أخرى على اعتبارها مقصّرة في ملاحقة المجرمين عندما تزداد الجرائم خلال فترة بسيطة»، مضيفاً: «لتُفعّل أحكام عقوبة الإعدام بحق القاتلين عمداً، لأنّ تَفلّت السلاح ليس المشكلة الأولى أو الدائمة، بل هناك تفلّت في العقل وعدم تحمّل المسؤولية لدى مجموعة من المواطنين الذين يستسهلون أن يقتلوا عمداً من أجل أحقيّة مرور أو أسباب بسيطة جداً».
سياج الوطن
إذاً، هم سياج الوطن الى جانب عناصر الأجهزة الأمنية الأخرى، فلبنان الذي نجَح في ردع الإرهاب والقبض على المجرمين بسرعة قياسية فيما تقع بلدانٌ أخرى أكثر قدرة على التسلّح تحت وطأة الإجرام، دفع الثمن جنوداً يجهلون الساعة التي قد تقع فيها قرعة الشهادة عليهم... وكلّفه ذلك أمهات لا يَتركن مَسابح الصلاة، لعلّ الرب يرافق أبناءهنّ في حماية الوطن، إضافة الى عسكريّين يذوقون البرد بقساوته شتاءً والشمس بلهيبها صيفاً... لكي ينعم اللبنانيون بالأمن، هناك شبانٌ في ربيع أعمارهم يقدّمون أرواحهم قرباناً على مذبح الوطن، فليضع كل مواطن نفسه مكانهم ليقدّر جهودهم في سبيله... وما النساء اللواتي شاهدن أمس العرض العسكري وفي قلوبهنّ غصّة على من اختارته الشهادة ليلبس عباءتها، سوى مثال على ثمن أن تكون عسكرياً في سبيل الوطن.