فيما الارهاب يتنقل بين العواصم الاقليمية والدولية، حيث كانت محطته الاخيرة في طهران، تواصل الاجهزة الامنية اللبنانية بنجاح حربها الاستباقية ضد الخلايا التكفيرية، التي وقعت واحدة من أكثرها خطورة في قبضة الامن العام، بالتعاون مع فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي.
لكن هذه المظلة الوقائية التي استطاعت حتى الآن لجم المخاطر الداهمة، تبدو مثقوبة سياسيا، بفعل التاخير في انجاز قانون الانتخاب الذي يشكل اتمامه شرطا اساسيا من شروط تثبيت الاستقرار الداخلي وتعزيز المناعة الوطنية، ما يستوجب من المعنيين الكف عن اللعب على حافة المهل، والانتهاء من وضع القانون، حتى لا تتسلل الرياح عبر النافذة المشرعة.
وقد كشف البيان الذي أصدرته المديرية العامة للامن العام، أمس، عن هوية اعضاء المجموعة الذين يحملون جنسيات يمنية وفلسطينية وسورية ويتبعون لقيادة داعش في سوريا وافريقيا، موضحا انه تم تنفيذ عملية نوعية استباقية ادت الى توقيف اربعة اشخاص بالاضافة الى ثلاثة آخرين كانوا موقوفين بتهم ارهابية.
واشار البيان الى ان الارهابيين كانوا يخططون لتنفيذ هجوم ضد مرفق عام، واغتيال احد رجال الدين، وتفجير عبوات في طرابس والنبطية ومحلة الرحاب في الضاحية الجنوبية، وتنفيذ عملية انتحارية ضد مطعم او مؤسسة اجتماعية او تجمع عند توقيت الافطار او السحور في تلك المنطقة.
ابراهيم : الوضع تحت السيطرة
وقال المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم لـ «الديار» ان العامل الجديد الذي حملته العملية النوعية الاخيرة يكمن في وجود اربعة يمنيين ضمن المجموعة الارهابية، لافتا الانتباه الى انها المرة الاولى التي يتم فيها توقيف يمنيين.
ويشير ابراهيم الى ان الاهداف التي خططت المجموعة الارهابية لضربها، ومن بينها طرابلس والنبطية، «تُبين انه كانت هناك نية لاحداث فتنة ولتعبئة الناس ضد بعضهم البعض.»
ويلفت ابراهيم الانتباه الى ان المخطط الارهابي المُكتشف يُسقط نظرية ان هناك استهدافا لطائفة محددة أو لمذهب معين من دون الطوائف والمذاهب الاخرى، «إذ ان المرافق المستهدفة مختلطة، والمناطق المستهدفة متعددة التلاوين ايضا، وبالتالي فان المقصود هو الاخلال بالامن وتخريب البلد.»
ويؤكد ابراهيم ان الوضع تحت السيطرة الى حد كبير، «لكن لا يوجد أمن مئة بالمئة، واحتمال حدوث اختراق ما يبقى واردا، وإن كنا نسعى الى تفاديه.»
ويضيف: لقد تعمدنا نشر صورة رجلي الامن العام والامن الداخلي المرفقة ببيان المديرية العامة للامن العام، لاننا اردنا من خلالها توجيه رسالة واضحة بان التنسيق بين الاجهزة الامنية يتعزز واننا شركاء في مواجهة الارهاب، وانا شخصيا حريص على تفعيل هذا التنسيق، تطبيقا لخطاب القسم ولتوجيهات رئيس الجمهورية خلال اجتماعات مجلس الدفاع الاعلى بوجوب تطوير الشراكة والتعاون بين الاجهزة المعنية.
قانون الانتخاب.. والنهاية السعيدة؟
انتخابيا، وبرغم ان شياطين متفرقة لا تزال توسوس للبعض، إلا انه يمكن القول ان قانون الانتخاب سيكون منجزا، قبل نهاية ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران.
صحيح، ان تعديلا طرأ على روزنامة المواعيد السابقة، الامر الذي من شأنه ان يقود الى تأجيل الجلسة النيابية المقررة بعد غد الاثنين، لكن الاكيد ان القضية باتت مسألة وقت قصير ليس إلا، والقانون سيولد الاسبوع المقبل حتما، بعدما استهلكت كل الاطراف مخزونها من الوقود التفاوضي، واصبحت محكومة بالتفاهم قبل ان تتدحرج الدولة في اتجاه هاوية الفراغ.
ومع عودة الرئيس سعد الحريري مساء امس من زيارته الى السعودية، يُفترض استكمال الاتصالات خلال الساعات المقبلة، على ان يعقد مجلس الوزراء جلسة له مطلع الاسبوع المقبل لاقرار مشروع قانون الانتخاب المستند الى النسبية الشاملة في 15 دائرة، ليسلك المشروع بعد ذلك «الخط العسكري» نحو الجلسة العامة لمجلس النواب الذي سيتولى اصداره في قانون.
وعلمت «الديار» ان «القوات اللبنانية» حاولت الدفع في اتجاه عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم، وهي حثت الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على ذلك، لكنها لم توفق في مسعاها.
وعقد امس اجتماع في وزارة الخارجية بين كل من الوزير جبران باسيل والنائبين جورج عدوان وابراهيم كنعان، لاستكمال النقاش في آخر التفاصيل العالقة التي سُجل تقدم في معالجتها.
وليلاً، عقد اجتماع ضم الوزير باسيل والوزير علي حسن خليل والحاج حسين خليل ونادر الحريري لمتابعة البحث.
عدوان.. واللمسات الاخيرة
وليلا، قال النائب جورج عدوان لـ «الديار» انه لم تعد هناك من عقبات حقيقة تمنع اتمام الاتفاق على قانون الانتخاب الذي اصبح لا يحتاج سوى الى لمسات اخيرة، مرجحا ان تصل الامور الى خواتيمها السعيدة في الاسبوع المقبل.
واكد كنعان بعد اجتماع «الخارجية» ان الهدف هو بلوغ صحة التمثيل، مشددا على ان التنسيق قائم بشكل كامل بين التيار والقوات ومع مختلف الافرقاء، وهناك ايجابية في التعاطي، آملا في انتاج قانون انتخاب في اقرب فرصة.
كواليس التفاوض
وبينما أكدت مصادر التيار الحر ان وجهة الصوت التفضيلي حُسمت، أفادت مصادر اخرى ان التيار لا يزال متحمسا لربط الصوت التفضيلي بالقضاء بينما تطلب معظم القوى الاخرى ربطه بالدائرة. ويتقاطع «المستقبل» مع التيار الحر في موقفه، بينما يلتقي كل من حركة أمل وحزب الله والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي حول خيار اعتماد الصوت التفضيلي في الدائرة.
ومع بلوغ النقاش حافة الهاوية الزمنية، ترى «القوات» ان الفريق الاقلوي يجب ان يحترم ارادة الفريق الاكثري بالنسبة الى الصوت التفضيلي، وهي تعتبر انه لا بأس في اعتماد التصويت على النقاط العالقة في مجلس الوزراء، إذا استمر التوافق متعذرا، مفترضة ان التصويت الموضعي يجب ألا يشكل حساسية لأحد كونه يتناول التفصيل ولا يتعلق باصل الصيغة المتوافق عليها وهي النسبية مع 15 دائرة.
ووفق المعلومات، يعتبر باسيل انه قدم تنازلات في جوانب عدة، من بينها ما يتعلق بعتبة التمثيل الطائفي للفائز، وان المطلوب من الآخرين في المقابل ابداء مرونة مماثلة في مسائل اخرى.
ووفق اوساط مقربة من المفاوضين، فان مقاعد الانتشار الستة جرى ترحيلها الى الانتخابات النيابية بعد اربع سنوات، على ان يُدرج بند بهذا المعنى في نص القانون الجديد. وما صعّب احتمال تخصيص المغتربين بمقاعد في الانتخابات القريبة هو ان حزب الله لا يستطيع ان يخوض حملة انتخابية متكافئة مع الآخرين في الخارج، في ظل الظروف الراهنة والضغوط الدولية التي يتعرض لها.
اما العتبة الوطنية للائحة فهو على مسار الحلحلة، بينما نسبة التمثيل الطائفي للفائز باتت مستبعدة وفق المعادلة التي طرحها باسيل.
وفي المعلومات ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان قد ابلغ الوزير باسيل، خلال لقائهما الاخير، بالثوابت الآتية:
-وجوب انجاز قانون جديد.
-العودة الى قانون الستين مرفوضة.
-التحالف بين الحزب والرئيس نبيه بري راسخ «ولا مجال لاي خلاف بيننا.»
واتفق نصرالله مع باسيل على ضرورة تفعيل مساعي التسوية الانتخابية تحت سقف هذه الثوابت، تاركا له ان يجد الاخراج المناسب للمخرج المفترض.
الحاصباني متفائل
وقال نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان الحاصباني لـ «الديار» ان اقرار مشروع الانتخاب في الحكومة ومجلس النواب سيتم خلال الايام القليلة المقبلة، مشيرا الى ان الفراغ غير وارد، وسيكون لنا قانون انتخابي قبل 20 حزيران، اولا لانه لا توجد اسباب حقيقية لعدم التفاهم عليه وثانيا لانه لا مصلحة لأحد في الوقوع في محظور الفراغ.
ويلفت الحاصباني الانتباه الى ان مشروع الاتفاق بات في مرحلة الاختمار، موضحا ان النقاط العالقة التي كانت تُناقش غير مستعصية على الحل، وهي ليست من النوع الذي يمنع انجاز الاتفاق، علما ان بعض الامور يمكن التوصل الى تفاهم مبدئي حولها، على ان تطبق في الدورة الانتخابية المقبلة.
وينبه الى ان ما يجري دوليا واقليميا لا يحتمل الاستمرار في المماطلة وهدر الوقت، مشددا على ان تحصين الامن والاقتصاد يتطلب تثبيت الاستقرار السياسي من خلال اقرار قانون الانتخابات وتحديد موعد اجرائها.
ارسلان متحفظ
وابلغ وزير شؤون المهجرين طلال ارسلان «الديار» انه متفائل بقرب انجاز التفاهم الانتخابي، مشيرا الى ان الجميع متفق على ضرورة الاتفاق، وما يحصل في اللحظات الاخيرة من شد حبال انما يندرج في سياق محاولة اخيرة من الاطراف المعنية لتحسين شروطها.
ويعتبر ان اقرار مبدأ النسبية الكاملة هو انتصار، لكن ذلك لا يمنعني من ابداء التحفظ على توزيع الدوائر الى 15، لافتا الانتباه الى ان هذا التوزيع الذي لا يعتمد معيارا واحدا، يشوه مفهوم النسبية ومفاعيلها.
ويتساءل ارسلان: لماذا قرروا ان يكون قضاء بعبدا لوحده دائرة، فيما تم تحويل قضاءي الشوف وعاليه معا الى دائرة، وفي امكنة اخرى جمعوا اربعة اقضية في دائرة، وهكذا دواليك.
ويشير الى ان هذا الفرز للدوائر يهدف الى مراعاة حساسيات وحصص السياسيين، على ظهر الطوائف وليس لخدمتها، ملاحظا انهم يتلطون بالطائقة لتبرير تقسيمات تراعي مصالحهم الشخصية حصرا.
طواحين الهواء!
وقالت مصادر قيادية في «القوات» لـ «الديار» انها تتوقع ان تقر الحكومة المشروع الانتخابي الاثنين او الثلاثاء على ابعد تقدير، ومن ثم تحيله الى مجلس النواب.
وترى المصادر انه لا يجوز استمرار النقاش الى ما لا نهاية في التفاصيل التقنية الخلافية، كالصوت التفضيلي، مشددة على ان الفريق الاقلوي يجب ان يحترم ارادة الفريق الاكثري في هذا المجال، وفي حال استعصى التفاهم على هذه النقطة، يجب ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها وان تعتمد خيار التصويت لحسم الامر، من دون ان يسبب ذلك حساسية لاي طرف.
وتوضح المصادر ان «القوات» توصلت الى قناعة بضرورة ربط الصوت التفضيلي بالدائرة بعد دراسة عميقة ووافية، مشددة على ان هذه الطريقة تساهم في منح أصوات مسيحيي الاطراف قدرة على التأثير، كما تعطي العامل الحزبي وزنا اضافيا في تحديد مسار الاقتراع في دوائر المركز المسيحي على حساب العوامل العائلية والاقطاعية والتقليدية.
وتؤكد ان المطلوب الكف عن مصارعة طواحين الهواء والخوض في مزايدات شعبوية عبر طروحات غير قابلة للتنفيذ الآن، منبهة الى ان ما تحقق حتى الآن من خلال المفاوضات جيد، وينبغي عدم التفريط بهذه الفرصة الثمينة لتحسين التمثيل المسيحي والاقتراب من المناصفة الحقيقية.
وتحذر من ان التشدد في التوقيت الخاطئ قد يقود الى الستين او الفراغ او التمديد وكلها خيارات سيئة، «في حين ان المرونة التي تزاوج بين البراغماتية والمبدئية قادتنا الى تأمين انتخاب قرابة 50 نائباً باصوات المسيحيين عبر النسبية على اساس 15 دائرة، وهذا انجاز يجب ان نحميه لا ان نجازف به».
وتعتبر المصادر ان من شأن قانون الانتخاب الجديد ان يؤسس لشراكة غير مسبوقة، منذ عام 1990، مشيرة الى «ان «القوات» أثبتت في هذا الملف انها عرابة الحلول، تماما كما فعلت حين منحت التغطية المسيحية لاتفاق الطائف ولانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية».